لونارد - لندن:
تتميز العمارة العربية التقليدية بأنها كانت نتاجا وانعكاسا مباشرا للمؤثرات المختلفة. اذ عكست الطبيعة الجغرافية الاقليمية من جهة، كما عبرت عن الاحوال السياسية والدينية السائدة. اضافة الى ذلك فقد وصفت بأنها بيئية بمعنى استجابتها لعوامل البيئة المحيطة من مناخية وطبيعية ونوعية مواد البناء المتوفرة التي شكلت وصاغت معالمها ومفرداتها. وتتميز هذه العمارة بأنها بانتشارها في اقاليم متنوعة مناخيا وجغرافيا فقد طورت مجموعة من المفردات التي حملت مضمونا متشابها الا ان الآلية التفصيلية وصفت من الباحثين بأنها كانت استجابة للواقع المحلي من عادات وتقاليد واعراف بنائية وغيرها.
والعمارة العربية التقليدية في بلاد الخليج العربي ونظرا للطبيعة الصحراوية والمناخية القاسية قد عكست بجلاء هذه الفكرة، حيث تشكلت تكويناتها العضوية ومفرداتها المعمارية نظرا لطبيعة المناخ، كما كانت مواد البناء الطبيعية المستعملة المتوفرة من الاخشاب والطين من ابرز ما شكل الناتج النهائي، وليس ذلك فقط لنواح واحوال اقتصادية انما خدمت اغراضا وظيفية ولعبت دورا مهما في تخفيف درجات الحرارة اللاهبة لتقي قاطنيها من قيظ الصيف وبرد الصحراء ليلا. وبرزت مجموعة من العناصر المناخية التي طورتها الحاجة وغايتها وظيفية محضة ابتداء، ومن هذه العناصر ما يعرف بالبادجير، فما هو البادجير؟
البادجير او ما يسمى برج الهواء هو بناء برجي كما تظهر الصورة المرفقة يعلو فوق المبنى ومفتوح من الجهات الاربع لالتقاط الهواء وتمريره لداخل المبنى من اجل ايجاد مجرى او حركة للهواء داخل البيت او المبنى لتلطيف درجة الحرارة العالية اثناء فترة الصيف.والبادجير الذي يفتح من اربع جهات يمكن التحكم بفتحاته الاربع واغلاقها وفتحها حسب الحاجة. ويقابل البادجير في عمارة شمال افريقيا وبلاد المغرب العربي ما يسمى ملقف الهواء والفرق بينهما ان الاول ذو فتحات بالاتجاهات الاربع فيما يوجه ملقف الهواء بفتحة واحدة باتجاه الرياح السائدة.
وعملا بنظرية فرق الضغط لا بد من وجود منطقة ذات ضغط منخفض واخرى مرتفع يتم تحريك ودوران الهواء بين هاتين المنطقتين في البيت او المبنى. ومن هنا فإن البادجير لا يعمل لوحده داخل المبنى لتحريك ودوران مجرى سريع للهواء انما هناك إما فناء داخلي وإما منطقة غالبا ما يتوفر بها ماء حيث يتم تبريد الهواء وحيث يكون الهواء البارد في المنطقة السفلى القريبة من مستوى الارض فيما يصعد الهواء للاعلى وتقل كثافته وضغطه فيتم اخراجه من المبنى من منفذ آخر وهكذا، وبتتابع هذه العملية من ادخال الهواء البارد للمبنى من جهة واخراجه من ناحية اخرى يتم ايجاد تيار هوائي منعش خلال فترة الصيف، حيث يمكن الجلوس في مجرى الهواء هذا او وضع جرار الماء او زراعة الاشجار التي تلقي بالظل لتوفير الهواء ومنطقة الضغط المنخفض داخل البيت حيث الهواء البارد الذي يسهم في تحريك مجرى الهواء لدى سخونته وصعوده للاعلى وحلول هواء آخر محله من خلال البادجير او برج الهواء.
وهذه الآلية في تحريك الهواء وايجاد مناطق ضغط منخفض واخرى مرتفع هي علمية محضة وتنم عن مقدار الحساسية في التعامل مع الظروف والمتغيرات المناخية من خلال العمارة التقليدية في دول الخليج العربي عموما والبحرين والامارات العربية خصوصا. وتنم عن العقلية المرنة في تطويع وايجاد المفردات العمارية التي تلائم الواقع وليس فقط من اجل التشكيل المظهري الخارجي.
|
رد مع اقتباس
