أزمات تولّد أزمات ومشكلات تخلّف مشكلات
"2007": عام المفاجآت الثقيلة يلقي بظلاله الوخيمة على امتداد 2008
إعداد: عبير أبو شمالة
يستحق عام 2007 وبجدارة لقب “عام المفاجآت” على الصعيد الاقتصادي، لكن غالبية المفاجآت التي حملتها أيامه في طياتها كانت موجعة للاقتصاد العالمي، وأبرز ما شهدته السنة الاقتصادية من أحداث أزمة الائتمان العالمية وانفجار فقاعة الأسواق العقارية في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الغربية البارزة.
وأدت أزمة الائتمان العالمية التي تفجرت في نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، إلى سلسلة من اعلانات الافلاس بين شركات الرهونات العقارية الأمريكية والعالمية، كما كبدت العديد من أبرز البنوك الكبرى مثل “سيتي جروب” و”مورجان ستانلي” و”ميريل لينش” الكثير من الخسائر، وعانت المؤسسات المالية والمصرفية العالمية تبعات تصور موارد الائتمان الحاد، وهنا تحديداً برز دور الصناديق السيادية التي بادرت إلى انقاذ هذه البنوك باستثمار أموالها في صفقات لشراء حصص رئيسية من هذه البنوك، ولعل أبرز هذه الصفقات صفقة جهاز أبوظبي للاستثمار لشراء حصة 4،9% من مجموعة الخدمات المالية الضخمة “سيتي جروب” مقابل 7،5 مليار دولار.
وفجرت الصفقات الضخمة التي أبرمتها الصناديق السيادية في 2007 في مختلف الأسواق والقطاعات العالمية جدلاً واسع النطاق حول أهداف هذه الصناديق، وبرزت إلى السطح مخاوف حمائية ودعوات إلى تطبيق هذه الصناديق معايير أكثر شفافية.
وتقدر مؤسسة “مورجان ستانلي” حجم الأصول التي تديرها صناديق الثروات السيادية في الشرق الأوسط وآسيا في الوقت الحاضر بحوالي 2،5 تريليون دولار، كما تتوقع ان تنمو القيمة الاجمالية لهذه الأصول إلى حوالي 12 تريليون دولار بحلول عام ،2015 أي بمعدل تريليون دولار اضافي كل عام.
وشهدت السنة التي تطوي اليوم آخر صفحاتها كذلك تنامي المخاوف التضخمية خاصة مع تراجع الدولار الأمريكي إلى مستويات متدنية مقابل اليورو والين والاسترليني، وفي ظل أزمة الائتمان التي فرضت على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض الفائدة مرتين بنصف نقطة مئوية هذا العام ودفعت المركزي الأوروبي والياباني إلى تأجيل قرارات رفع معدلات الفائدة، الخطوة المهمة لاحتواء مخاطر التضخم.
وعانت الدول التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي مثل الإمارات وبقية دول مجلس التعاون من تنامي الضغوط التضخمية، الأمر الذي أثار هذا العام جدلاً واسع النطاق حول ضرورة فك الارتباط بالدولار، وربط الدرهم وغيره من عملات المنطقة بسلة عملات تستحوذ العملة الأمريكية على حصة الأسد منها، وذلك بغية كبح جماح التضخم وضغوطاته المتنامية.
ويرى الخبراء ان خطر التضخم الزاحف ربما يكون التهديد الأبرز، بعد تبعات أزمة الائتمان العالمية المرشحة للتفاقم بدورها، في 2008 المشكلة ان مهمة احتواء الضغوط التضخمية ستكون الأصعب في هذا التوقيت مع اضطرار البنوك المركزية الرئيسية إلى ضخ السيولة في الأسواق لاحتواء أزمة قصور الائتمان العالمية وافتقارها بالتالي للأدوات الكافية لاحتواء أزمة التضخم. ويخشى الخبراء من دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة الجمود ومواجهة الاقتصاد الأمريكي العام المقبل، جموداً مصحوباً بالتضخم على غرار ما عاناه في السبعينات.
ومن جهة أخرى، يتوقع الخبراء ان يواصل الطلب العالمي على السلع النمو بقوة في الأعوام القليلة المقبلة لتسجل أسعار السلع مستويات قياسية جديدة بعد ان نمت في 2007 إلى مستويات غير مسبوقة وبخاصة أسعار البلاتين والنحاس وغيرهما من المعادن الأساسية.
ويتوقع الخبراء ان ينمو سعر برميل النفط الذي كسر هذا العام حاجز التسعين دولاراً ليحلق فوق المائة دولار في 2008 ويرجح خبراء ان يتجاوز سعر البرميل مع نهاية العام المقبل 105 دولارات.
أما المواد الغذائية فقد حلقت إلى مستويات قياسية بدورها مع تراجع مخزون الحبوب العالمي إلى أدنى مستوى له منذ 60 عاماً، وارتفاع سعر طن القمح بمعدل 145% منذ شهر ابريل/نيسان الماضي، ويلقي الكثير من المحللين الاتهام على مشاريع استغلال المحاصيل الزراعية في انتاج الايثانول، والذي يكفي المحصول اللازم لانتاج عبوة خزان سيارة متوسطة واحدة منه لتغذية طفل لعام كامل بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويمكن في نهاية المطاف القول بأن عام 2008 لن يكون أفضل حالاً بكثير من العام المنصرم على الأقل ليس في بدايته، مع تأكيدات الخبراء بتفاقم متوقع لتبعات أزمة الائتمان ستمتد على الأرجح حتى نهاية النصف الأول من العام الجديد، في ظل تنامي المخاوف التضخمية وتواصل النمو القوي في الطلب على الطاقة والسلع الأساسية خاصة من قبل الاقتصادات سريعة النمو وتحديداً الصين والهند.