بعد استفحال الغلاء وعدم مواكبة الرواتب لتطورات الأسعار
هل أصبحت الدوحة مدينة للأثـرياء فقط؟!
عدد القراء: 217

• سلع متنوعة تملأ المجمعات التجارية في قطر.. ولكن أسعارها تمثل مشكلة للمتسوقين


02/02/2008 الدوحة – القبس:
لم يقتصر الغلاء الذي يجتاح قطر حاليا، على الكماليات أو السلع والبضائع الثمينة التي لم يكن ليجرؤ على الاقتراب منها بأي حال، سوى أصحاب الدخول التي تناطح أبراج الدوحة على ارتفاعاتها الشاهقة، وانما تعدى الأمر الى أن يطال هذا الغلاء كل شيء.. نعم كل شيء.. من العقارات والايجارات.. الى السلع الثمينة والزهيدة أيضا، حتى «حبة الفلافل».. الأكلة الشعبية الشهيرة لم تسلم منه.
أصبح «قرص الفلافل» على بساطته وضآلة فوائده الصحية، أصبح ربما صعب المنال بالنسبة للكثيرين من أصحاب الدخول «المهترئة» الذين اعتادوا على ملء بطونهم بـ «الفلافل» من دون أن يتحسسوا ما تبقى في جيوبهم من نقود، أو من دون أن تشعر جيوبهم ذاتها بـ «الألم».
لقد بات يتحتم على من يبحث عن «الفلافل»، دفع «ريال كامل» للحصول على حبة واحدة من هذه الأكلة الشعبية، أو حبتين في أحسن الأحوال، وذلك بعد أن كان الريال يساول «خمس حبات فلافل» في الأمس القريب.
اذا كانت «حبة الفلافل».. آخر القلاع الحصينة والعصية على ارتفاع الأسعار لفترة طويلة بسبب رخص أسعار المواد الداخلة في صناعتها، قد طالها «الاعصار» أخيرا.. اعصار الارتفاع، فان ذلك يؤشر بالفعل على مدى فداحة المستوى الذي بلغته أسعار السلع والبضائع في السوق المحلي القطري.

ارتفاعات قياسية
ومن شدة أثرها وتداعياتها السلبية المباشرة، ولجت ظاهرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي مبنى مجلس الشورى الذي ناقشها غير مرة خلال الأشهر القليلة الفائتة بحضور يوسف حسين كمال وزير المالية ووزير الاقتصاد والتجارة بالانابة.
شريحة كبيرة من المستهلكين في قطر أصبحت تعيش «ضائقة مالية» بسبب الارتفاع المتصاعد لأسعار معظم السلع والمواد الأساسية في السوق المحلي، وخصوصا المستهلكين الذين تتدنى معدلات دخولهم بشكل كبير ولا تكاد تكفي لدفعها كايجارات للمساكن التي يشغلونها والتي سجلت ارتفاعات قياسية غير مسبوقة خلال الفترة الفائتة تجاوزت نسبتها في كثير من الحالات 350% بحسب معطيات السوق وخبراء عقاريين.
وتبلغ نسبة التضخم في قطر حاليا 13.7% حسب أرقام رسمية صادرة عن جهاز الاحصاء القطري، في حين كانت هذه النسبة في حدود 12% في عام 2006، بينما لم تكن تزيد على 9% في عام 2005، و6% في عام 2004.

التضخم والأجور
وتتأثر نسبة التضخم في قطر بارتفاع تكاليف المعيشة واستمرار ضعف الدولار أمام عملات رئيسية مثل اليورو والين والاسترليني، مما يشكل ضغوطا تضخمية مع ارتفاع أسعار الورادات وسعر صرف الريال القطري الذي يرتبط بعلاقة ثابتة مع الدولار، وهو العملة الرئيسية لمعظم الصادارات القطرية، عدا عن أن بعض الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي مقومة باليورو، مما يجعلها أكثر غلاء خلال فترات ضعف الدولار، كما هو حاصل في الوقت الراهن.
ويقول بنك كريدي أجريكول الفرنسي في تقرير حديث ان قطر تحصل على نحو 50% من وارداتها من منطقة اليورو.
وأدى ضعف الدولار الى أن يفقد نحو 50% من قيمته على مدى السنوات الأربع الفائتة.
ويعتبر معدل دخل المواطن القطري من أعلى معدلات الدخول في العالم، حيث يقترب في الوقت الراهن من نحو 62 الف دولار سنويا بحسب تقارير رسمية صادرة عن البنك الدولي، في حين لم يكن يزيد على 35 الف دولار قبل بضع سنوات.
ولا يتورع العديد من المواطنين والمقيمين على حد سواء من وصف ارتفاع أسعار السلع والبضائع في السوق القطري بـ«الجنوني»، في حين يعتقد بعضهم أن معدل ارتفاع الأسعار تجاوز الضعف لمعظم المنتجات والخدمات التي يحصلون عليها.

جيوب خاوية
ويشكو مستهلكون مر الشكوى من عدم مقدرتهم على مجاراة الأسعار المتصاعدة بقوة في السوق المحلي القطري، مؤكدين أنها لا تتناسب مع مستويات دخولهم.
محمد القاسم (55 عاما) واحد من هؤلاء، يقول «الجيوب الخاوية تستغيث، والتجار لا يراعون ذلك، ولا يفكرون بأحوال شريحة كبيرة من الناس، لأن ذلك لا يعنيهم من قريب أو بعيد، فيقومون برفع الأسعار كما يحلو لهم بين فترة وأخرى بشكل كبير وغير مبرر ومن دون وازع من ضمير».
وبالنسبة الى حسن العلي (45 عاما) وهو مقيم في قطر منذ تسعة أعوام، فان الارتفاع الكبير في أسعار السلع في قطر أرغمه على التوجه الى أسواق دول مجاورة بحثا عن أسعار في متناول دخله ولا تحتمل أي مغالاة.
وأكثر ما يلفت انتباه علي العرقان (46 عاما) في موجة ارتفاع الأسعار التي تشهدها قطر، هو ارتفاع أسعار اللحوم التي قال انها أصبحت «تحلق على ارتفاعات شاهقة»، وأضاف «وداعا للحوم».
وتابع العرقان قوله ان الأسعار في قطر لم تعد تتناسب بأي شكل من الأشكال مع المستويات العامة للأجور والرواتب، لقد أكل ارتفاع الأسعار الأخضر واليابس.
ويترحم عبد الله العليان (51 عاما) الذي يقيم في قطر منذ أكثر من 18 عاما على الأيام التي كان فيها كل شيء يباع بثمن بخس، يقول «سقى الله على تلك الأيام».
وقال خالد العزب (50 عاما) ان الأسعار في السوق القطري نار، خصوصا المواد الغذائية والاستهلاكية، انني لا أستطيع مجاراتها، أنا ذاهب الى دبي لشراء احتياجاتي.

دبي والأحساء
وبات ذهاب العديد من المواطنين القطريين سواء الى دبي أو منطقة الاحساء في السعودية القريبة من الحدود القطرية بهدف التسوق، أمرا مألوفا في الآونة الأخيرة، حيث يؤكد العديد منهم أنهم يحصلون على أسعار أقل من نظيرتها السائدة في السوق المحلي.
وقال خميس حسين (41 عاما): حتى «سندويشات الفلافل» لم تسلم من ارتفاع الأسعار، هذا شيء غريب وغير معقول ولا يمت الى المنطق والقواعد الاقتصادية والمنافسة بصلة.
ولا يجد خميس حسين حرجا في القول ان العديد من المقيمين في قطر بدأوا يلجأون منذ أكثر من عامين الى اعادة عوائلهم الى بلادهم هربا من جور ارتفاع الأسعار، الذي طال معظم جوانب الحياة ومختلف أنشطة السوق القطري، وذلك في مقابل التخلي عن مساكنهم الحالية لمصلحة مساكن أقل سعرا، أو مشاركة آخرين في نفس المسكن وتقسيم أجرته على أكثر من شخص.
القفزة الكبيرة للأسعار التي تجابه قطر حاليا، عدا عن تمدد العقارات التجارية الضخمة على حساب الأبنية السكنية، جعل حال المستأجرين في البلاد كمن «ضاقت عليهم الأرض بما رحبت»، فوجدت شريحة كبيرة من ذوي الدخل المتوسط والمحدود جميع الأبواب موصدة أمامها، لتضطر تحت وطأة تكاليف الحياة المعيشية الجديدة الباهظة الى اعادة أسرها وعائلاتها الى بلادهم.

أهلا بالأثرياء
أحمد أبوجودة (44 عاما) مقيم يعمل مهندسا في قطر منذ عام 1989، اضطر الى اعادة أسرته بعد أن قفزت أجرة الشقة التي كان يسكنها من الفي ريال (549.4 دولارا) الى 7 آلاف ريال (1923 دولارا) مرة واحدة.
أبوجودة الذي يتقاضى راتبا لا يزيد على 10 آلاف ريال (2747.2 دولارا)، لجأ الى أصدقاء له مروا بنفس التجربة ليقيم معهم مقابل 1500 ريال (412 دولارا)، ويقول «مدينة الدوحة لن تكون لنا بعد اليوم، هذه المدينة التي أصبحت تجارية بامتياز سترحب بالأثرياء فقط».
وتتصدر الدوحة المرتبة الثانية بعد دبي في قائمة المدن الأغلى في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا في مجال تأجير العقارات، كما أورد تقرير حديث أعدته كوليرز انترناشيونال احدى أبرز ثلاث شركات متخصصة في الاستشارات العقارية على مستوى العالم.
ويبلغ عدد سكان قطر في الوقت الراهن نحو 800 الف نسمة، 83% منهم يسكنون في العاصمة، ومن بين مجمل السكان، هناك نحو 550 الف مقيم يعتبرون المحرك الحقيقي لاقتصاد البلاد.
وبحسب أرقام جهاز الاحصاء، يتوقع ارتفاع عدد السكان الى 1.4 مليون نسمة عام 2010 بمعدل نمو سنوي يصل الى 5.4%.

المنافسة والشفافية
وحسب تصريحات سابقة لوزير المالية وزير الاقتصاد والتجارة بالانابة، فان حجم الاقتصاد القطري سيبلغ 100 مليار دولار في عام 2013.
وكان هذا الاقتصاد قد تضاعف من 8 مليارات دولار في عام 1995 الى 16 مليارات في عام 2000، ثم بلغ 52 مليار دولار في نهاية العام الفائت.
ويتسم الاقتصاد القطري بدرجة عالية من الانفتاح والشفافية، وهو لا يخضع لأي قيود من نوعها على استيراد السلع، حيث يعتمد منهج اقتصاد السوق الذي يتيح قدرا كبيرا من حرية الاستيراد المباشر من الأسواق العالمية.
هذا الانفتاح كما يقول عبد الرحمن المفتاح وهو رجل أعمال معروف في أوساط القطاع الخاص في قطر، يستفيد السوق المحلي من خلال توفير أكثر من خيار للشراء تصب في النهاية في عملية المنافسة التي يفترض أن تنعكس ايجابا على المتسهلك النهائي.
لكن ذلك لا يحدث على الاطلاق كما يؤكد حسين المري (49 عاما) وهو مواطن اعتاد على أسعار تتلاءم مع مستوى دخله المتوسط. ويقول: السوق القطري لا يتأثر بانفتاح أو غيره، ولا تفيده المنافسة ولا تفيد المستهلكين كذلك، لأن طمع التجار وتطلعهم الى الأرباح الوفيرة اصبح أكبر من المنافسة ذاتها وبات يطغى على كل شيء.

مليارات الدولارات
بل ان المري يؤكد أن المنافسة انتقلت من التجار والسوق الى المستهلكين أنفسهم.. كيف؟ يوضح ذلك بقوله ان المنافسة باتت تتحدى دخول ورواتب المستهلكين، فكلما ارتفعت هذه الرواتب أو تحسنت قليلا تزداد وتيرة المنافسة وتدخل «رأسا برأس» مع أي تحسن في الراواتب!.
ويجد المري الكثير من المستهلكين الذين يدعمونه في رأيه هذا، زهير عبد الودود أحد هؤلاء، يقول «الأفضل للمستهلك في قطر اذا أراد أن يشتري بأسعار معقولة لا تحتمل المغالاة أن يتسوق من الخارج».
ويقصد عبد الودود بالخارج، أسواق الدول المجاورة لقطر مثل دبي والسعودية.
ويلقى عبد الودود مساندة قوية فيما ذهب اليه حمدان المري الذي يقول «ان الأسعار في تلك الأسواق ما زالت معقولة وفي متناول معظم شرائح المستهلكين».
ولم تفلح على ما يبدو العديد من المراكز والمجمعات التجارية التي بنيت حديثا في الدوحة وتكلفت مليارات الدولارات في خفض أسعار السلع، أو على الأقل تخفيض وتيرة ارتفاعها، فالمنافسة في الأسواق المحلية بلغت أشدها، لكن مستويات الأسعار بقيت على ما هي عليه، يضيف زهير عبد الودود موضحا أن «ارتفاع الأسعار أصبح سمة أساسية للسوق القطري».

51% يخصصون 30% من راتبهم الشهري للسكن
كشفت دراسة حديثة أجراها «بيت دوت كوم»، وهو موقع الكتروني للتوظيف يتخذ من دبي مقرا له، عن أن أكثر من نصف المقيمين في دولة قطر (51%) يخصصون 30% من رواتبهم الشهرية لتسديد الإيجارات السكنية، ما يعكس الاتجاه الصعودي لسوق السكن في السوق المحلي.
ووفقا لدراسة «بيت دوت كوم»، فإن حوالي ثلث المشاركين في الاستطلاع في قطر أفادوا بأنهم يشتركون بالفعل في السكن مع عائلات أو أفراد آخرين، لأنهم لم يعودوا يستطيعون الوفاء بمتطلبات السكن بمفردهم.