للنفط واكتشافه في المملكة العربية السعودية قصة شيقة تدل على قوة العزيمة التي كان يتمتع بها موحد هذا الكيان جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله والإصرار على النجاح وعدم الاستسلام للفشل.

فقد بدأت القصة يوم 4 صفر 1352 الموافق 29 مايو 1933 حين وقع الملك عبد العزيز ( طيب الله ثراه ) اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا // سوكال // بعد أن أنعش اكتشاف النفط في البحرين المجاورة الآمال بوجود مخزونات من الذهب الأسود في الاراضي السعودية وأعقب التوقيع توافد الجيولوجيون الأوئل في 23 سبتمبر 1933 رحالهم والنزول عند ( قرية ) الجبيل الساحلية التي تبعد نحو 105 كيلومترات شمال مدينة الدمام وما أن التقطوا أنفاسهم حتى امتطوا الإبل والسيارة في يوم وصولهم نفسه لكي يلقوا نظرة على // جبل البري // الذي يقع على بعد 11 كيلومترا جنوب الجبيل بعدها بأسبوع قاموا بالتوغل جنوباً وإجراء فحص جيولوجي لتلال جبل الظهران لتتواصل بعدها عمليات الفحص والبحث والتنقيب التي لم تحقق أي نجاح ذي قيمة لمدة سنتين.
وفي 30 أبريل 1935 تقرر بدء العمل في حفر بئر الدمام رقم ( 1 ) وبعد سبعة أشهر من التأرجح بين الأمل واليأس والاخفاق والنجاح أنتجت البئر دفعة قوية من الغاز وبعض بشائر الزيت وذلك حينما وصل عمق الحفر إلى قرابة سبعمائة متر ولكن أجبر عطل في المعدات طاقم الحفر على إيقاف تدفق البئر وتم سده بالإسمنت.
وكانت بئر الدمام رقم ( 2 ) أفضل حالاً. وقد بدأ العمل في حفرها في الوقت الذي أغلقت فيه البئر الأولى أي في 8 فبراير 1936. وما أن جاء يوم 11 مايو من نفس العام حتى كان فريق الحفر قد وصل إلى عمق 633 متراً ، وحينما اختبرت البئر في شهر يونيو 1936، تدفق الزيت منها بمعدل 335 برميلاً في اليوم ، وبعد انقضاء أسبوع على ذلك الاختبار ، وإثر المعالجة بالحامض ، بلغ إنتاج الزيت المتدفق من البئر 3840 برميلاً يوميا. شجع ذلك على حفر آبار الدمام 3 و4 و5 و 6 ، دون انتظار التأكد من أن الإنتاج سيكون بكميات تجارية أو التعرف على حجم الحقل المكتشف. ثم صدر قرار في شهر يوليو بإعداد بئر الدمام رقم ( 7 ) لتكون بئر اختبار عميقة.
وكانت زيادة حجم العمل تعني المزيد من الرجال والعتاد والمواد ، وأصبح موقع العمل غير قادر على استيعاب الزيادة في عدد العاملين.
ومع نهاية عام 1936، ارتفع عدد العاملين من السعوديين إلى 1076 عاملا بالإضافة إلى 62 عاملاً من غير السعوديين. وكان يفترض أن تسير الأمور بشكل طبيعي ، لكن حدث في ذلك الوقت ما لم يكن متوقعاً ، فقد أخفقت بئر الدمام رقم ( 1 ) بعد أن جرى حفرها إلى عمق يزيد على 975 متراً. أما بئر الدمام رقم ( 2 ) فقد تبين أنها « رطبة » بمعنى أنها تنتج الماء بشكل رئيس ، إذ كان إنتاجها منه يزيد بمقدار ثماني أو تسع مرات على حجم إنتاجها من الزيت. ولم يزد إنتاج بئر الدمام ( 3 ) على 100 برميل من النفط الثقيل يوميا ، مع وجود الماء في هذا الإنتاج بنسبة 15 بالمئة. وبالنسبة لبئري الدمام رقمي ( 4 ) و ( 5 ) فقد اتضح أنهما جافتان ، أي غير قادرتين على إنتاج أي سوائل. وكذلك كان الحال مع البئر رقم ( 6 ).

في السابع من ديسمبر 1936 بدأ اختصاصي و حفر الآبار الاستكشافية في حفر بئر الاختبار العميقة رقم ( 7 ). وإذا كانت الآبار الأخرى مخيبة للأمال ، فإن البئر رقم ( 7 ) لم تكن خالية من ذلك في البداية. فقد حدث تأخير في عملية الحفر ، كما كانت هناك بعض المعوقات ، حيث انحشر أنبوب الحفر ، وحدث كسر في جنزير الرحى ، وسقطت مثاقيب الحفر في قاع البئر المحفورة ، وكان لا بد من التقاطها. كما حدث انهيار لجدران البئر. ورغم وصول جهاز الحفر الرحوي ـ الذي يعمل بقوة البخار ـ إلى طبقة البحرين الجيولوجية فقد ظلت النتيجة واحدة وهي أنه : لا يوجد نفط ! بعد ذلك بعشرة أشهر، وبالتحديد في 16 أكتوبر 1937، وعند عمق 1097 مترا ، شاهد الحفارون البشارة الأولى : 5.7 لترات من الزيت في طين الحفر المخفف العائد من البئر، مع بعض الغاز. وفي آخر يوم في عام 1937 ، حدث أن أخفقت معدات التحكم في السيطرة على البئر ، وكان أن ثارت البئر قاذفة بما فيها من السوائل والغازات. وبعد الحفر إلى عمق 1382 متراً ، لم يجد فريق الحفر كمية تذكر من الزيت.

لكن سرعان ما تغيرت الأحوال. ففي الأسبوع الأول من مارس 1938، حققت بئر الدمام رقم ( 7 ) الأمل المرجو ، وكان ذلك عند مسافة 1440 متراً تحت سطح الأرض ، أي بزيادة تقل عن 60 متراً عن العمق الذي كان الجيولوجيون يتوقعون وجود النفط عنده ، فقد أنتجت في الرابع من مارس 1938، 1585 برميلا في اليوم ، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 3690 برميلا في السابع من مارس ، وسجل إنتاج البئر 2130 برميلا بعد ذلك بتسعة أيام ، ثم 3732 برميلا بعد خمسة أيام أخرى ، ثم 3810 براميل في اليوم التالي مباشرة. وواصلت البئر عطاءها على هذا المنوال مما أكد نجاحها كبئر منتجة. وفي ذلك الوقت ، كان قد تم تعميق بئري الدمام رقم ( 2 ) ورقم ( 4 ) حتى مستوى المنطقة الجيولوجية العربية. ولم تخب هاتان البئران آمال الباحثين عن النفط ، فقد أعطتا نتائج طيبة. وعم الفرح والسرور أرجاء مخيم العمل في الدمام.

وتتويجاً لعصر جديد توجه الملك عبد العزيز طيب الله ثراه في ربيع 1939، يصحبه وفد كبير الى الظهران مجتازاً صحراء الدهناء ذات الرمال الحمراء حتى وصل إلى مخيم الشركة ، ليجد مدينة من الخيام في مكان الحفل حيث أقيمت مدينة بالقرب من المخيم ، قوامها 350 خيمة لتكون مركزا للاحتفالات التي تضمنت زيارة الآبار. وإقامة الولائم ، واستقبال وفود المهنئين ، والقيام بجولات بحرية في الخليج العربي.

وتزامن توقيت زيارة الملك عبدالعزيز مع اكتمال خط الأنابيب الذي امتد من حقل الدمام إلى ميناء رأس تنورة ، بطول 69 كيلومتراً ، حيث رست ناقلة النفط التي أدار الملك عبدالعزيز الصمام بيده لتعبئتها بأول شحنة من النفط السعودي. وهكذا، كانت هذه أول شحنة من الزيت الخام تصدرها المملكة على متن ناقلة في 11 ربيع الأول 1358هـ الموافق للأول من مايو ( أيار ) 1939.