في بيان توضيحي شمل فتوى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ...السالوس: لا يجوز شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض تعاملاتها ربا



أصدر الاستاذ الدكتور علي احمد السالوس عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، بيانا توضيحياً حول الاسهم المختلطة، وما يتعلق بحكم شراء اسهم الشركات والمصارف اذا كان في بعض معاملاتها ربا.

وفيما يلي نص البيان:

بيان للتوضيح حول الأسهم المختلطة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

أما بعد: كتبت كلمة سريعة نشرت يوم بدء الاكتتاب في أسهم شركة الخليج للخدمات البترولية، وعلى اثرها زاد الاتصال والتساؤل من اخوتي وابنائي الاحبة الاعزاء، وقد بدا فيما أثير اللبس


في بعض الامور، ولذلك اكتب هذا البيان للتوضيح فقط وليس لمناقشة أي أحد.


أولاً: فتوى عدم الجواز:

سئلت هل هذه فتوى شخصية أم فتوى المجمع؟

قلت: لقد علم الجميع الكرام من سيرتي في قطر انني لا افتي فتوى شخصية، وانما التزم بقرارات المجامع الفقهية التي هي المرجع الاعلى في الفتوى الجماعية في عصرنا.

وقد جاء في نص الفتوى ما يأتي:

بشأن: حكم شراء أسهم الشركات والمصارف اذا كان في بعض معاملاتها ربا؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم:

أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الاسلامي برابطة العالم الاسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20 من شعبان 1415هـ- 1995/1/21 قد نظر في هذا الموضوع وقرر ما يلي:

1- بما ان الاصل في المعاملات الحل والاباحة فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة أمر جائز شرعاً.

2- لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الاساسي محرم، كالتعامل بالربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها.

3- لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالما بذلك.

4- إذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا، ثم علم فالواجب عليه الخروج منها.

والتحريم في ذلك واضح، لعموم الادلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا، ولان شراء اسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك، يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لان السهم يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة، فللمساهم نصيب منه، لان الذين يباشرون الاقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه، والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين:

ونلاحظ هنا ان المجمع الموقر لم يكتف بذكر التحريم، وإنما بين الاسباب، فليس الامر متعلقا باختلاط الحلال بالحرام، وانما الامر يتعلق بارتكاب كبيرة من اكبر الكبائر، ومن السبع الموبقات، حيث ان المساهم هو نفسه شريك في التعامل بالربا كما وضح القرار، والمتعامل لا يقل عن الكاتب والشاهد، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم «هم سواء» أي الآكل والمعطي والكاتب والشاهد.


ثانياً: معاملة من كان غالب أموالهم حراماً

منذ بضع سنوات ذكر أخ كريم أن الأسهم المختلطة حلال، واستدل بقول شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن معاملة من كان غالب أموالهم حراما: إذا كان الحلال هو الاغلب لم يحكم بتحريم المعاملة، وإن كان الحرام هو الأغلب قيل بحل المعاملة، وقيل بل هي محرمة، فأما المتعامل بالربا فالغالب على ماله الحلال... الخ.

قلت: وهذا استدلال في غير موضعه، وخلط عجيب!

ففرق بين أن أعامل ببيع أو شراء أو إجارة شخصا معظم ماله حرام، وبين أن أتعامل أنا في مالي بالحرام، فأنا لست مسؤولا عن كسب غيري وإنما مسؤول عن مالي من اين اكتسبته، فقليل الربا وكثيره حرام كما جاء في قرار مجمع البحوث الاسلامية في مؤتمره الثاني سنة 1385هـ.

والشركات التي نشاطها حلال ولا تتعامل بالربا ليس كل من اشترى أسهمها ماله حلال، فهذا ليس بشرط، والشركة ليست مسؤولة عن كسب المساهمين من نشاطهم الخاص، فكل امرئ بما كسب رهين، فالمساهمون مسؤولون عن نشاط الشركة، وليس أحد منهم مسؤولا عن نشاط غيره.

ثالثا: يهود خيبر

عندما نشر مقالي في جريدة الشرق ونزل على صفحتي على موقع الأسهم القطرية، جاء على الموقع تساؤل -أو اعتراض- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم شارك اليهود في خيبر كما هو معلوم، مع أن اليهود أكالون للسحت، مستحلون للربا، فلو كانت معاملة ومشاركة أصحاب الأموال والتصرفات المختلطة محرمة أو غير مشروعة لكان أول من يتنزه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان تركها أفضل لكان أول من تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم.... إلخ.

وكان ردي هو الآتي:

المساهم مالك لحصة شائعة في الشركة كلها حلالها وحرامها، أما التعامل مع من يحل الحرام فلا مانع منه، لأن الحرام الذي يقع فيه إنما في ماله الخاص وليس في مال الشركة فهو المسؤول وهو الذي يحاسب، وأرض خيبر ليست شركة مساهمة بحيث يكون الكل مالكا لحصة شائعة في الشركة وإنما ملكية الأرض باقية ليس فيها شريك، واليهود يعملون في هذه الأرض كعامل المضاربة ولهم نسبة مما تخرجه الأرض، فما علاقة هذه الصورة بالشركة المساهمة التي يكون المساهم له حصة شائعة في كل مال وممتلكات الشركة، وكيف نقيس الشركة المحرمة على الشركة مما تخرجه الأرض وليس شركة مساهمة له حصة شائعة في الأرض والثمر.

أرجو عندما نتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن نوقره وألا نتحدث عنه كحديث بعضنا عن بعض وأرجو في محاولة الانتصاب للرأي ألا يكون ذلك على حساب ديننا ومقام رسولنا صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: لا تطهير بدون توبة

من فتن العصر ما ذهب إليه عدد من علماء عصرنا من إجازة التعامل بالربا مع التخلص منه، فأجازوا شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا ما دام المساهم يتخلص من الزيادة الربوية، أي أنهم أحلوا التعامل بالربا مادام المساهم لا يأكل الربا، وهذا قول خطير لا أعلم انه صدر من أي عالم قبل عصرنا؟ وكيف يلعن من كتب المعاملة الربوية أو شهد عليها ولا يأثم من قام بها؟!

ولذلك فإن القرآن الكريم قرن التطهير بالتوبة حيث قال سبحانه وتعالى: «وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم»، (البقرة).

إذن بدون ترك التعامل بالربا، وبدون التوبة لا يتطهر المال ولا صاحب المال.

خامساً: قولهم: إنما العلم الرخصة من ثقة وأما التشديد فيحسنه كل أحد:

هذا القول صحيح غير أن كثيراً ممن يستشهدون به في عصرنا يضعونه في غير موضعه، ويقتطعونه دون أصله، مما يؤدي الى خطأ في الاستشهاد، فهذا القول نقله الإمام النووي عن سفيان الثوري رحمهما الله في مقدمة كتابه المجموع تحت فقرة تتعلق بآداب المفتي والتحذير من التساهل في الفتوى.

قال رحمه الله: الثالثة: أي المسألة الثالثة من أحكام المفتين - حرم التساهل في الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه، فمن التساهل ألا يتثبت ويسرع الفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، فإن تقدمت معرفته فلا بأس بالمبادرة، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضي من مبادرة ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، وأما من صح قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها فذلك حسن جميل، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحوه هذا، كقول سفيان الثوري: «إنما العلم الرخصة من ثقة، وأما التشديد فيحسنه كل أحد».

ونقل هذه الفقرة الأستاذ الدكتور محمد الساعي في بحثه القيم الذي قدمه للمؤتمر الخامس لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا وعقب بقوله:

قلت: فظهر بهذا أن الرخصة قد يلجأ إليها الفقيه اعتمادا على قول سابق أو استخراجا لقول ابتداء، أو اقتضاء لضرورة وضع فيها السائل، او حاجة ملجئة، واما ان يكون ديدن هذا الفقيه ابدا أو في غالب احواله البحث عن رخص المذاهب والأقوال وافتاء السائلين بها حتى يعرف بين العامة والخاصة بشيخ الرخص فهذا أمر لم يقصده سفيان ولا غيره.

سادسا: التحليل والتحريم

الحلال هو ما أحله الله تعالى، والحرام هو ما حرمه، وليس لبشر ان يحل أو يحرم إلا بيانا لحكم الله تعالى، ولكن إذا لم يكن الحلال بينا أو الحرام بينا فما موقف المسلم: أيحكم بالحل أم بالتحريم؟

في الحديث الصحيح المشتهر «الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام».

ويؤخذ من توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم إلحاق المشتبهات بالحرام وليس بالحلال، فترك الحلال ليس كالوقوع في الحرام، وهذا أمر واضح جلي.

ومن أشد الأقوال جهالة ونكرا ما ذكره أحد الباحثين الناشئين من ان تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام!


http://www.al-sharq.com/DisplayArtic...mics&sid=local