النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الأمن الغذائي مرتبط بالأمن المائي ويدعمه الخزن الاستراتيجي

  1. #1
    عضو نشط جداً
    رقم العضوية
    18951
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    1,383

    الأمن الغذائي مرتبط بالأمن المائي ويدعمه الخزن الاستراتيجي

    الأمن الغذائي مرتبط بالأمن المائي

    ((1))

    د. حمد بن عبدالله اللحيدان - الرياض


    لا شك أن الأمن الغذائي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن المائي. والأمن المائي في دولة صحراوية مثل المملكة يكتسب أهمية كبرى خصوصاً في ضوء احتدام الصراع العالمي على مناطق الوفرة ناهيك عن التهديد المتزايد بأن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على صراع من نوع آخر هو الصراع على موارد المياه، والذي سوف تسعى قوى البغي والعدوان إلى تأجيجه والنفخ في مخرجاته ومدخلاته.. وإذا كان الصراع القائم حالياً ليس له علاقة بالموارد المائية فإن الأمن المائي وبالتالي الغذائي من أهم العوامل التي سوف تؤثر في مسار ذلك الصراع المحتدم حالياً.

    وإذا أضفنا إلى ذلك الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وفي ضوء اتجاه بعض الدول المنتجة للسلع الغذائية الاستراتيجية مثل القمح والأرز وغيرهما إلى التحكم بصادراتها من حيث الكم ومن حيث الكيف تمهيداً لجعل تلك المنتجات ذات مردود اقتصادي يدخل ضمن وسائل تعدد مصادر الدخل لتلك الدول حتى ان بعضهم قد دعا إلى أن تشكل الدول الزراعية المنتجة للسلع الزراعية الاستراتيجية مثل الأرز منظمة تتحكم بالعرض على غرار منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في ضوء ذلك كله تجد الدول التي تعاني من شح المياه وقلة الأسعار وجدب الأرض نفسها في مأزق يجب عليها أن تتدبر أمرها بصورة جوهرية على المدى القصير والمتوسط والطويل قبل أن يستفحل الأمر ويصبح كارثة.

    ولا شك ان حكومة المملكة العربية السعودية قد وعت وأدركت المخاطر المحيطة بالمملكة ذات الصبغة الصحراوية والمناخ الجاف والمهددة بنضوب المياه الجوفية نتيجة الاستنزاف الجائر لها.. لذلك أصدرت عدداً من القرارات التي تدعو إلى الترشيد من جهة واتباع سياسة زراعية جديدة من جهة أخرى على أن يتم الوفاء بمتطلبات الحد الأدنى من الأمن الغذائي وذلك خلال مدة زمنية محددة.

    نعم لا بد من أن نسير على مسارين أو أكثر.. الأول هو ما تدعو إليه دولتنا الرشيدة من ترشيد لاستخدام المياه والثاني هو طرق جميع الوسائل والسبل التي يمكن من خلالها إيجاد مصادر بديلة وآمنة للمياه الجوفية والحرص على تعددها وتكاملها.

    أما ترشيد استهلاك المياه فإن من أهم وسائله ما يلي:

    @ استخدام أجهزة الترشيد الحديثة التي بدأ بالفعل تعميم استعمالها في المنازل والمرافق العامة أو في السبيل إلى ذلك من خلال حملة وزارة المياه والكهرباء وكذلك من خلال التوعية إلى أهمية ذلك من خلال وسائل الإعلام.

    @ ولعل الاتجاه إلى أن تفرض وزارة البلديات نظاماً ملزماً يتم بموجبه (خصوصاً في المدن الكبيرة) إلزام الشركات والأفراد بحفر آبار ارتوازية في المنشآت التي تزيد مساحتها على ألف متر مربع وذلك من أجل ري الحدائق وكذلك استخدام تلك المياه في صناديق الطرد في الحمامات ناهيك عن استخدامها في غسيل الأرضيات والسيارات والفرش وغيرها مما يخفف من استهلاك مياه الشرب التي تذهب هدراً على الرغم من تكلفتها العالية في تلك الاستعمالات.. ناهيك عن أن تقوم البلديات نفسها بسقيا الحدائق العامة والأشجار التي تزين الطرق بواسطة مياه الآبار التي تحفر خصيصاً لذلك الغرض خصوصاً أن المياه الجوفية السطحية في مدينة مثل الرياض تشكل مشكلة كبيرة لما تسببه من طفح وتسربات.

    @ يمكن لأصحاب المشاريع الزراعية خصوصاً الشركات استخدام مياه الري أكثر من مرة وذلك من خلال وضع طبقة عازلة على عمق معين تحت المزروعات تمنع تسرب المياه وبالتالي يتم تجميعه مرة أخرى حسب طرق هندسية زراعية لإعادة استخدامه أو جزء منه، ناهيك عن استخدام وسائل الري الحديثة مثل التنقيط، وغيره في حالة المزروعات التي تناسبه.. على أن يكون ذلك الزاميا في كلا الحالين.

    @ أن يتم تركيب عدادات على الآبار ووضع تسعيرة لاستهلاك المياه طبقاً لشرائح محددة على أن يكون هناك حد أدنى يكون استهلاكه مجانياً أو شبه مجاني وذلك حتى لا يتضرر الأفراد محدودو الدخل والمعتمدون على مزروعاتهم في معيشتهم.

    أما الأسلوب الثاني فهو العمل على تعدد مصادر المياه حتى لا نكون حبيسي مصدر واحد يصاب بالشلل في حالة توقف إمداداته.. ولعل من أهم السبل التي تضمن وفرة المياه وتعدد مصادره ما يلي:

    @ أن يتشكل تحالف من الشركات الاستثمارية التي تعمل في مجال الزراعة وإنتاج الألبان والعصائر والمياه المعبأة وكذلك تلك التي تعمل في مجال الثروة الحيوانية مثل إنتاج الدجاج اللاحم والبيض وتربية الماشية من أجل إنشاء شركة كبرى تعمل على تحلية مياه البحر على مرحلتين.. المرحلة الأولى إنتاج مياه أقل تكلفة صالحة للزراعة والثانية انتاج مياه صالحة للشرب تباع على الدولة، ناهيك عن إنتاج الكهرباء - المرافقة.. كما أن تلك الشركة العملاقة يمكن أن يدخل في تأسيسها شركات وأفراد ورجال أعمال وبعد نجاحها يمكن طرحها للاكتتاب العام مع علاوة إصدار سيستفاد منها في توسيع أعمال تلك الشركة.

    أن تقوم الدولة مشكورة بمنح أراضي زراعية على السواحل الشرقية والغربية من المملكة لكل شركة من الشركات الزراعية أو شركات الثروة الحيوانية من أجل استغلالها في الزراعة وريها من مياه البحر المحلاة للأغراض الزراعية على أن يكون ذلك باستخدام أحدث أساليب الري حتى تكون التكلفة الاقتصادية مقبولة ناهيك عن منح كل شركة من تلك الشركات امتياز إقامة السدود وحصد مياه الأمطار وتخزينها في المناطق التي تعمل فيها وذلك من أجل تشكيل رافد يساعد على تقليل الاعتماد على المياه المحلاة أو خلطها معها.

    منح امتياز اعادة تدوير ومعالجة مياه الصرف الصحي في كل منطقة من مناطق المملكة لتحالف استثماري يمثل الشركات الزراعية والمستثمرين في المجال الزراعي في كل منطقة وذلك مقابل استخدام تلك المياه في الزراعة بعد أن تصبح آمنة وصالحة لذلك وهذا سوف يخفف من الأعباء التي تتحملها الدولة في هذا الخصوص. وسوف يقلل من الضغط على المياه الجوفية ناهيك عن أن معالجة مياه الصرف الصحي سوف يكون لها نواتج اخرى يمكن استغلالها والاستفادة منها.

    @ دراسة جدوى التنقيب عن المياه تحت مياه البحر خصوصاً أننا نعلم أن المياه الصالحة للشرب تتوفر تحت سطح البحر مثلما تتوفر تحت سطح اليابسة والدليل على ذلك وجود عيون تنبع مياها عذبة في وسط البحر، كما أن استنزاف المياه العذبة من تحت سطح البحر أقل خطورة من نضوب المياه من تحت سطح اليابسة.

    @ دراسة جدوى جلب المياه العذبة بواسطة ناقلات البترول من الدول ذات الوفرة المائية أو من مناطق القطب المتجمد الشمالي أو الجنوبي خصوصاً أن تلك الناقلات تذهب وهي محملة بالبترول وعند عودتها تقوم بملء خزاناتها بمياه البحر حتى تحافظ على توازنها وبالتالي فإن تحميلها بالمياه العذبة سوف يكون أكثر جدوى حتى وان دفع مقابل رمزي لذلك.

    دراسة جدوى جلب المياه العذبة بواسطة الأنابيب على الرغم مما يكتنف ذلك من صعوبات نتيجة للتقلبات السياسية غير المتوقعة في الدول التي تمر بها تلك الأنابيب. ولكن يمكن القول إن جلب المياه بواسطة الأنابيب سوف يكون أقل تكلفة ومشاكل من مد أنابيب نقل البترول والغاز التي تعبر دولا عديدة وأثبت نجاحه واستمراره على الرغم مما ينتابه من مشاكل مؤقتة.

    على أن يؤخذ بعين الاعتبار أن ذلك المصدر للمياه يكون تكميلياً وأنه سوف يكون عرضة للتوقف بين الحين والآخر. على أن ذلك النوع من الاستثمار يجب أن يحمى من خلال ايجاد مصالح مشتركة مع الدولة المصدرة للمياه والدول التي يمر بها أنبوب نقله بحيث اذا تم اللجوء الى تعطيله يتضرر الجانب الآخر وبالتالي لا يعمد الى مثل تلك الممارسات.

    في هذه الأيام يتم الحديث عن قيام رجال أعمال وشركات ومستثمرين سعوديين بإنشاء مشروعات زراعية في بعض الدول ذات الوفرة المائية مثل مصر والسودان وتركيا وأستراليا وغيرها من الدول وهذا توجه جيد يجب أن يحسب حسابه من حيث الفوائد والمخاطر وهو يصب في خانة التكامل العربي الذي تتم المناداة به ليل نهار على أن توجد الأرضية التي تضمن استمراره. وفي الحقيقة فإن سلبياته لا تختلف كثيراً عن سلبيات جلب الماء من المناطق ذات الوفرة المائية مثل مصر والسودان بواسطة الأنابيب. أما ايجابيات كل من الأسلوبين فهي عديدة وتدخل ضمن برنامج الأمن المائي والغذائي العربي، كما أنه يفتح فرص عمل يستفيد منها الجانبان وهما الدولة المستثمرة والدولة المضيفة.

    @ وضع خطة وطنية لاعادة مستوى المياه الجوفية الى ما كانت عليه قبل الاستنزاف وذلك من خلال العمل على تجميع الأمطار في برك أو بحيرات صناعية ومن ثم استخدام الوسائل الحديثة لتغويرها وذلك في المناطق القريبة من الآبار التي تأثرت بالاستنزاف. إن الأمطار التي تهطل على المملكة على قلتها يمكن حصدها وتخزينها في طبقات الأرض بصورة مدروسة بدلاً من أن تذهب أدراج الرياح.

    @ إن الاستخدام السلمي للطاقة النووية أصبح خياراً استراتيجياً وذلك للحاجة الماسة إليه وذلك في المجالات الطبية والزراعية والصناعية وأبعد من ذلك في مجال تحلية مياه البحر وانتاج الكهرباء اللذين نحن في أمس الحاجة إليهما وبما أن الدولة حفظها الله قد وضعت هذا الهدف نصب عينيها فإن المؤمل أن تكون الاستفادة منها وافية كافية بمعنى أن يكون مشروع الاستخدام السلمي للطاقة النووية في تحلية مياه البحر وانتاج الكهرباء مشروعاً عملاقاً ينافس أي مشروع مماثل في العالم وذلك أن من يبدأ قوياً يستمر قوياً، ثم إن تعزيز ذلك البرنامج بمعهد متخصص بأبحاث الاستخدام السلمي للطاقة النووية يكون جوهرياً وذلك من اجل البحث والتطوير والتدريب وتوطين التقنية النووية السلمية بجميع تفرعاتها وتطبيقاتها.

    @ إن أهمية المياه بالنسبة للمملكة تحتم انشاء معهد متخصص على مستوى الدولة يجلب له الخبراء من جميع أنحاء العالم ويجهز تجهيزاً غير مسبوق وتكون مهمته البحث في البدائل المختلفة وتطويرها وايجاد الكوادر الوطنية القادرة والفاعلة وذلك من أجل تحقيق الأمن المائي وبالتالي الأمن الغذائي لهذه الدولة المباركة حكومة و شعباً وأرض.

    نعم الوفرة المادية التي تعيشها المملكة هذه الأيام ترشحها لتذليل كل الصعاب التي تواجهها وفي مقدمتها شح المياه، الذي يجب أن نطرق كل البدائل المتاحة والمقترحة مجتمعة ومتفرقة وأن نأخذ بالتعددية في مصادر امدادات المياه كخيار استراتيجي يعزز الأمن المائي وبالتالي الأمن الغذائي.

    إن دراسة الخيارات المختلفة لتعدد مصادر المياه من قبل الجهات المختصة مثل مجلس الشورى والمجلس الاقتصادي الأعلى ووزارة المياه والكهرباء أصبحت ذات أهمية فائقة خصوصاً مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية التي سوف يكون لها آثار سلبية تزيد من معدلات التضخم المرتفعة فعلاً.



    بتصرف

  2. #2
    عضو نشط جداً
    رقم العضوية
    18951
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    1,383
    الأمن الغذائي يدعمه الخزن الاستراتيجي


    ((2))



    د. حمد بن عبدالله اللحيدان - الرياض


    في مقال الأسبوع الماضي أشرنا إلى ارتباط الأمن الغذائي بالأمن المائي وأن ذلك الارتباط يعتبر وثيقاً وأساسياً، واليوم نضيف إلى ذلك بأن الخزن الاستراتيجي للمواد الغذائية والسلع يعتبر أحد أعمدة الأمن الغذائي خصوصاً في هذا الوقت الذي أصبحت فيه جميع الدول والشعوب معنية بذلك الأسلوب الذي يدخل ضمن استراتيجيات الاستعداد للمستقبل والاحتياط له.
    إن عملية الخزن الاستراتيجي للمواد الغذائية والسلع أصبحت صناعة لها مقوماتها وأساليبها وهي تدخل ضمن استراتيجيات الأمن الوطني لكثير من الدول، فعلى سبيل المثال نجد أن الخزن الاستراتيجي في بعض الدول مثل أمريكا وروسيا وأوروبا واليابان أصبح يشمل المواد الغذائية الأساسية وكذلك السلع والأجهزة بالإضافة إلى الخزن الاستراتيجي للوقود الذي أصبح شائعاً هذه الأيام والذي يعتبر المخزون الاستراتيجي الأمريكي أشهرها والذي يلعب دوراً أساسياً في تحديد أسعار البترول في السوق العالمية. كما أن الصين قد تنبهت إلى أهمية الخزن الاستراتيجي للبترول ولذلك فهي تعمل الآن على إنشاء أكبر مخزون استراتيجي عرفه العالم.

    المملكة تنبهت إلى أهمية الخزن الاستراتيجي لمشتقات البترول على الرغم من أنها أكبر دولة منتجة له وذلك عقب حرب الخليج الثانية ولذلك أنشأت مخازن استراتيجية لمشتقات البترول في عدة مناطق من المملكة وذلك لاستخدامه وقت السلم وتحسباً للظروف غير المواتية والطارئة لا قدر الله وذلك على قاعدة الحديث النبوي "اعقلها وتوكل" الحديث.

    نعم الخزن الاستراتيجي يمكن أن يشمل عددا كبيرا جداً من المتطلبات الحياتية مثل المواد الغذائية والمياه والوقود والمعدات ووسائل الاتصال والانقاذ وكذلك الأسلحة ومثل ذلك الأسلوب موجود في كل من أمريكا وروسيا ودول أوروبا وغيرها ممن عانى من الظروف الاستثنائية أو أنه يحسب حسابها. إن عملية الخزن الاستراتيجي تتم في مواقع تحت الأرض يصعب الوصول إليها حتى إن روسيا على سبيل المثال حولت بعض المناجم بعد إعادة تأهيلها، إلى مخازن استراتيجية وهم يفكرون اليوم بتحويل المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية والسلع إلى صناعة لها أصولها .

    ومن ناحية أخرى تعمل إدارة المخزون الاستراتيجي على تجديده وعدم تفاديه ولذلك يجعلون لتلك المخازن أبواب لإدخال المواد الجديدة وأبواب لإخراج المخزون القديم وطرحه في السوق قبل انتهاء صلاحيته أو تقديمه كمساعدة لضحايا كوارث في الدول الأخرى، ولذلك يضمنون استمرارية صلاحية تلك المواد وعدم خسارتها، ومن ناحية أخرى يفكر الروس هذه الأيام في إيجاد مخزون استراتيجي من المواد المعدنية والسلع المهمة عن طريق دفنها تحت الثلوج الدائمة في منطقة سيبيريا شمال وشرق روسيا.

    إن المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية والمياه والسلع له أهمية كبرى لجميع الدول والشعوب في حالة السلم وفي حالة الطوارئ، ذلك أنه يمكن استخدام ذلك المخزون لإعادة التوازن إلى السوق عند المغالاة في الأسعار وكذلك عند شح المعروض منها، وذلك بقصد منع الاحتكار الذي يسبب الغلاء وبما أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت منطقة موتورة بسبب وجود الكيان الصهيوني وبسبب المطامع في ثروات تلك المنطقة وموقعها الاستراتيجي وكذلك بسبب نشر ظاهرة الإرهاب وزرع الطائفية والعصبية وسباق التسلح ومحاولة إعادة رسم خريطة المنطقة بما يتوافق مع أهواء من لهم أطماع في تلك المنطقة والذين ظهرت نواياهم من خلال الممارسة والتطبيق، لذلك فإن الخزن الاستراتيجي للمواد الغذائية وتعدد مصادر المياه أصبح ذا أهمية قصوى.

    نعم لقد شهدت المنطقة حروبا متتالية هدفها القضاء على ثروات الأمة وإيقاف مسيرة تقدمها واستنزاف مقدراتها والقضاء على زهرة شبابها وكهولها وعلمائها، كما هو حادث في العراق وغيره من المواقع.

    لذلك ومن خلال أخذ العبرة من تلك المواجع يحسن بنا أن نتجه لبناء مخزون استراتيجي من المواد الغذائية والمياه والسلع الأساسية وذلك وفق استراتيجية حديثة تبدأ من حيث انتهى الآخرون على أن يكون ذلك المخزون يكفي لمدة لا تقل عن سنة في حالة سوء الظروف. إن أزمة الغلاء التي تمر بها المنطقة وكذلك توتر المنطقة وتهديد طرق المواصلات والخليج نتيجة لأزمة الملف النووي الإيراني واحتمال ارتفاع وتيرة التضخم وأسعار المواد الغذائية عالمياً واحتمال حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم العالمي، كل ذلك يحتم علينا أن نقوم بعملية تحول جذري فيما يتعلق بخزن المواد الغذائية وهذه تتمثل في أن تقوم بإنتاج الحد الأدنى من جميع أنواع المواد الغذائية الأساسية محلياً والتي تفي بالحد الأدنى من احتياجات الناس داخل المملكة وبالأسلوب الذي يستهلك أقل قدر ممكن من المياه. كما أن إقامة مخازن استراتيجية للمواد الغذائية في أماكن آمنة تحت الأرض أسوة بخزن مشتقات البترول أصبحت ضرورة لا بد من النظر إليها بعين الاعتبار.

    ولعل أزمة الدقيق الذي عانت منه بعض مدن ومناطق المملكة وكذلك تأخر نزول الأرز المعان وتأخره في الموانئ من الأمثلة التي يمكن منعها أو حلها بصورة آنية في حالة وجود مخزون استراتيجي من تلك السلع يمكن أن يستخدم لسد الفجوة متى حدثت.. ومن ناحية أخرى يعتبر الماء سلعة استراتيجية أهم من البترول وقت الأزمات لا قدر الله في دولة صحراوية مثل المملكة. وهذا يحتم زيادة الاهتمام بتنويع مصادر هذه المادة للأسباب السالفة الذكر. من هذا المنطلق لا بد من وجود خزانات استراتيجية للمياه في كل مدينة وقرية مربوطة بمصادر تغذية متعددة أحدها مستمر والآخر يستخدم وقت الطوارئ فقط، والأخير لا بد وأن يأتي من آبار يتم تجهيزها وعدم استخدامها إلا وقت الضرورة.

    نعم الماء بالنسبة لنا يعتبر سلعة استراتيجية ربما تصل أهميتها إلى المرتبة الأولى، وهذا يحتم علينا البحث عن وسائل تحافظ على امدادات المياه وتضمن استمرار تدفقها وجعلها أكثر أمناً واستقراراً من خلال الخزن الاستراتيجي وتنويع مصادر الحصول عليه وزيادة عدد الأنابيب الناقلة لمياه التحلية، بالإضافة إلى إيجاد وسيلة لربط محطات التحلية على الخليج بمحطات التحلية على البحر الأحمر بحيث تصبح الأولى احتياطي للثانية والعكس صحيح مما يمكن من دم انقطاع المياه في حالة تعطل أي منهما. وكذلك يمكن أن أجرى عمليات التجديد والصيانة دون خوف من نقص امدادات المياه عن أي مدينة أو قرية.

    وعلى العموم فإن توجه حكومة خادم الحرمين الشريفين بالصرف بكل سخاء على تحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي والحد من استنزاف المياه الجوفية وتشجيع الاستثمار في عملية تحلية مياه البحر يعتبر ذا أهمية بالغة في توفير مثل تلك السلعة الاستراتيجية الكبرى والتي بسبب ندرتها وشحها سوف تقوم حروب ونزاعات مستقبلية على مناطق الوفرة المائية خصوصاً في الشرق الأوسط والتي ظهرت أولى معالمها فيما يحدث من مشاكل في أعالي النيل جنوب السودان وقيام تركيا ببناء سدود ضخمة مثل سد أتاترك على مجرى نهر الفرات وقيام إسرائيل بسرقة مياه نهر الليطاني والتحكم بمياه نهر الأردن واستنزاف المياه في بحيرة طبرية وغيرها.

    إن الدول المتقدمة تخطط للمستقبل وتبني استراتيجياتها على أسوأ الاحتمالات حتى إذا جاءت الظروف بعكس ما يشتهي السفن وجدوا ما أعدوه لذلك اليوم من تحسب واستراتيجيات خير معين ومنقذ بعد الله سبحانه وتعالى.

    نعم إننا اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بإيجاد مخزون استراتيجي للسلع والمواد الغذائية والأجهزة والمياه وأن يعزز ذلك بمرونة مدخلات ومخرجات ذلك المخزون مع الضبط والربط الذي يمنع التلاعب.

    إن العالم اليوم يواجه مشكلة نقص المعروض من المواد الغذائية وهذه المشكلة سوف تتفاقم خلال الأعوام القادمة بصورة كبيرة وذلك بسب التزايد المستمر في عدد سكان العالم ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة والجفاف والأعتى والأمر اتجاه الدول الكبرى مثل أمريكا وغيرها إلى تصنيع الوقود من الزيوت النباتية والحبوب مما سوف ينعكس على المعروض منها وبالتالي ارتفاع أسعارها. ناهيك عن الاحتكار، كل ذلك يدفع بنا إلى أن نجعل من الاستثمار في تعدد مصادر المياه وأن نفعِّل من عمليات البحث والتطوير التي تمكن من تحلية مياه البحر للأغراض الزراعية من خلال تحقيق تكلفة التحلية بالاضافة إلى دعم وجود تحالفات استراتيجية بين الشركات المستهلكة للمياه مثل الشركات الزراعية وشركات الألبان وإنتاج الدجاج اللاحم والبياض بالإضافة إلى تلك المهتمة بتربية الأغنام والماشية والإبل بما يمكنها من تكوين شركات تحلية عملاقة تمد تلك الشركات بحاجتها من المياه وتبيع الفائض من الماء والكهرباء مما يضمن لها الربحية والاستمرار على الأقل.

    إن الخزن الاستراتيجي أصبح اليوم احدى أهم وسائل التوازن والصمود في أيام الرخاء وكذلك في الأيام العصيبة أبعدها الله عنا. لذلك فإن الخزن الاستراتيجي للمواد الغذائية والمياه والسلع يعتبر أنموذجا من نماذج الحيطة والحذر والاستعداد واليقظة.

    إن طرح موضوع الخزن الاستراتيجي للمواد الغذائية وتعدد مصادر المياه على طاولة البحث في كل من المجلس الاقتصادي الأعلى وفي مجلس الشورى ودراسته من قبل القطاعات ذات الصلة سوف يكون أهمية كبرى نحو تبنيه وربما يحتاج الأمر إلى قرار سياسي لأهميته وحيويته. والله المستعان.

  3. #3
    عضو نشط جداً
    رقم العضوية
    18951
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    1,383




    كل العالم بدأ ينتفض ذرعاً من المخاطر التي تهدد الأمن الغذائي الذي يعتبر جزء لايتجزأ من الأمن القومي لكل دولة مستقلة.

    بدأت الدول العربية تطرح ملفاتها للدراسة وسيناريوهات الطوارئ حين يصاب الأمن الغذائي العالمي والمحلي بكارثة .. حيث بدأت المخاطر تلوح في الأفق.

    ولعل من أكثر الدول الخليجية اهتماماً بهذا الموضوع هي المملكة العربية السعودية .. فالمتابع للصحافة المكتوبة يجد أطروحات الكتاب والمفكرين والأساتذة والخبراء .. كل يوم .. كل يدلي بدلوه لتفادي الوقوع في هذه المحنة.



    أما هنا في قطر ..



    مازال السكون يعم أرجاء الجهات المسؤولة العليا والدنيا برغم صيحات ومعاناة المواطنين... من صعوبة الحصول على المواد التموينية الأساسية؟

    فكيف سيكون الحال بعدئذ؟ وهل هناك توجه أو تحرك رسمي لتكوين مخزون وطني للمواد الغذائية الاستراتيجية للأوقات العصيبة؟؟؟؟!!!!!
    التعديل الأخير تم بواسطة Affable Lady ; 07-06-2008 الساعة 03:08 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •