كفى بالموت واعظا

الموت هو الخطب الأفزع و الأمر الأشنع الذي يُلين قسوة القلوب المتحجرة.. فالإنسان يهرول وراء الدنيا... ثم يفيق على جرس الموت ليدخل بعد موته بدقائق إلى عالم الآخرة، فالموت يقرع الأبواب و لا يهاب حجاباً و لا يقبل بديلا ً ولا يأخذ كفيلا ً ولا يرحم صغيراً و لا يوُقِر كبيراً.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى عليه السلام؟ قال: كانت عِبراً كلها .. عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصَبُ، عجبت لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، وعجبت لمن أيقن بأن الحساب غداً ثم لا يعمل.

تذكر الموت دائما و باستمرار، فتفكر يا مغرور في الموت و سكراته و صعوبة كأسه ومرارته . فهل تفكرت يا أبن أدم في يوم مصرعك و انتقالك من دنياك من سعة إلى ضيق و خانك الصاحب و الرفيق، و هجرك الأخ و الصديق، وأخذت من فراشك و غطائك إلى أن غطوك بلحاف من تراب؟

فيا جامع المال و المجتهد في البنيان ليس لك من المال إلا الأكفان، بل هي و الله للخراب و ذهاب جسمك للتراب. فأين الذي جمعته من مال؟! أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها. فهل راح منها بغير القطن و الكفن؟

وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله÷ : (( أربعة من الشقاء: جمود العين و قسوة القلب و طول الأمل و الحرص على الدنيا )).



إن المتأمل في أمر الموت و الاستعداد له في كل لحظة سوف تغدو الدنيا أمامه بلا قيمة و يزهد فيها. وروى عن أنس قال رسول الله ÷ : (( أكثروا من ذكر الموت فإنه يُمحِص الذنوب و يُزهٌِد في الدنيا )).قال ÷ (( كفى بالموت واعظاً، كفى بالموت مفُرِقٌاً )).



وقيل له: يا رسول الله ، هل يحشر مع الشهداء أحد...؟ قال ÷ : (( نعم من يذكر الموت في اليوم و الليلة عشرين مرة )).



أتعظ أخي المسلم قبل فوات الأوان فالموت موقف رهيب يحتاج إلى كثير من التأمل و الاعتبار..أنه إنسان مسجى لا حركة و لا همس ..، ومنذ لحظات كان يدك الأرض دكاً. و يرفع صوته و يسعى في حياته غير خائف لا يعلم أن الموت ينتظره وأن ملك الموت وُكٌل به، وأنه صباحاً في الدنيا – على وجه الأرض – ومساءً في بطن الأرض حيث القبر و ظلمته.



ماذا تعرف عن ملك الموت؟

ملك و كله الله بقبض الأرواح. و يقُال: إنه الوحيد الذي نجح في إحضار قطعة الطين التي خلق الله منها آدم. من أجل ذلك أوكل الله إليه مهمة قبض الأرواح .. فقال: يا رب إن البشر سيكرهونني و يلعنوني .. فقال الله عز و جل : ﴿ وعزتي و جلالي لأجعلن لكل منهم سبباً يموت به ينسيهم ذكر أسمك ﴾ .. وبالفعل فنحن في حياتنا تتعدد الأسباب و الموت واحد.. فنقول: فلان مات بكذا و كذا ( من الأمراض و الحوادث ).



ماذا تعرف عن صورة ملك الموت و كيف يأتي الإنسان؟

روى عن عكرمة أنه قال: رأيت من صحف شيث أن آدم عليه السلام قال: يا رب أرني ملك الموت حتى أنظر إليه، فأوحى الله تعالى : إن له صفات لا تقدر على النظر إليها و سأنزله عليك في الصورة التي يأتي فيها الأنبياء و المصطفين؛ فأنزل الله عليه جبريل وميكائيل، وأتاه ملك الموت في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة ألاف جناح، منها جناح جاوز السماوات و الأرض، وجناح جاوز الأرضين ، و جناح جاوز أقصى المشرق، وجناح جاوز أقصى المغرب. وإذا بين يديه الأرض بما اشتملت عليه من الجبال و السهول و الفياض و الجن و الإنس و الدواب، و ما أحاط بها من البحار، و ما علاها من الأجواء في ثغرة نحره كالخردلة في فلاة الأرض، و إذا له عيون لا يفتحها إلا في مواضع فتحها، و أجنحة لا ينشرها إلا في مواضع نشرها، وأجنحة للبشرى ينشرها للمصطفين، و أجنحة للكفار فيها سفافيد و كلاليب و مقاريض .. فصعق آدم صعقة لبث فيها إلى مثل تلك الساعة من اليوم السابع ثم أفاق.

وروى عن أبن عباس – رضي الله عنه – أن إبراهيم خليل الرحمن سأل ملك الموت أن يريه كيف يقبض روح المؤمن فقال له: اصرف وجهك عني فصرف، ثم نظر فرآه في صورة شاب حسن الصورة حسن الثياب طيب الرائحة حسن البشر فقال له: والله لو لم يلق المؤمن من السرور من شيئاً سوى وجهك كفاه ثم قال له: أصرف وجهك عني فصرف وجهه عنه، ثم نظر إليه فإذا صورة إنسان أسود رجلاه في الأرض و رأسه في السماء كأقبح ما أنت راءِ من الصور تحت كل شعرة من جسده لهيب نار فقال له: والله لو لم يلق الكافر سوى نظرة إلى شخصك لكفاه!