عوائد النفط بنت " طبقة شحم سميكة "
تحمي الاقتصادات الخليجية من الأزمة العالمية
أكد جاسم السعدون الخبير الاقتصادي الخليجي المعروف رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية أن ارتفاع أسعار البترول ساهم فيما وصفه بـ "بناء طبقات من الشحم السميك" للقطاعين العام والخاص ستمكن من امتصاص صدمة الأزمة المالية العالمية.
( نبذة عن جاسم السعدون )
http://www.arrouiah.com/node/33029
وقدّر السعدون الذي استعانت به الحكومة الكويتية ضمن شخصيات اقتصادية مهمة على وضع الحلول للحد من تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد الكويتي في حوار مع "الاقتصادية" حجم الخسائر التي يمكن أن تتكبدها الاستثمارات العربية المهاجرة جراء تراجع الأسهم والعقارات في الأسواق الأمريكية والأوروبية بنحو 250 مليار دولار، محسوبا على أساس نسب تراجع مؤشرات داو جونز وقطاع العقار الأمريكي منذ بداية العام، وحتى إغلاق يوم 22 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري وإن أعتبرها تقديرات افتراضية غير مؤكدة.
وأكد السعدون الذي توقع حدوث أزمة سوق المناخ التي ضربت بورصة الكويت أوائل الثمانينيات أن قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في الخليج ستكون الأكثر تضررا من تداعيات الأزمة المالية، وسيكون التـأثير مزدوجا على القطاعين المالي والعقاري من خلال جني فوائد وتكبد مخاطر في الوقت ذاته.وفي يلي نص الحوار:
* هناك اعتقاد من قبل جهات معينة أن الخليج في مأمن من تداعيات الأزمة المالية العالمية .. هل هناك ما يسند هذا الاعتقاد؟
- ليس هناك إقليم أو بلد أو حتى إنسان في مأمن من تداعيات الأزمة إذا كان المقصود هو التداعيات المطلقة غير المحكومة بتعريف دقيق أو بمدى زمني محدد. وأظن أن معظم المقصود هو أن منطقة الخليج في مأمن نسبي من امتداد حريق إفلاسات القطاعات المالي على المدى الزمني القصير، أي ربع السنة إلى نصف السنة اللاحق لانفجار الأزمة. إذ أدت حالة التوسع الاقتصادي العالي في المنطقة خلال السنوات التي أعقبت حرب العراق (2003)، إلى الانتقال إلى حالة تفضيل شديد للأسواق الإقليمية على غيرها، بما جعل استثمارات أو معاملات القطاع المالي المحلي مع قطاعات الدول المصابة بالأزمة في حدودها الدنيا. كما عمل الارتفاع الكبير في أسعار النفط على بناء طبقات شحم سميكة في كل من القطاعين العام والخاص، تجعل امتصاص الصدمة أمرا ممكنا ومحتملا، وتجعل تلك الآثار في حدودها الدنيا.
أما إذا فشلت جهود الإنقاذ، أو بدأت تظهر انعكاساتها السلبية على الاقتصاد العالمي الحقيقي، فستنعكس حتماً بالسلب على كل الموازين الداخلية والخارجية لدولنا، وستنعكس سلباً على قيم استثمارات القطاعين العام والخاص في الخارج.
* الناس تتساءل إذا كانت بالفعل دول المنطقة لن تتأثر بحدة الأزمة فلماذا قامت الحكومات بإجراءات مثل ضخ السيولة المالية وتأمين الودائع؟
- المؤكد أن القطاعات المالية مليئة، والمؤكد أن الحكومات مليئة مالياً، لكن مع قطع خطوط الائتمان الخارجية عن الشركات والأفراد المحليين، ومع تصفية وسحب الأجانب مراكزهم المالية من الداخل، ومع انخفاض كل من أسعار وسيولة الأصول المحلية بسبب التداعيات النفسية لأزمة العالم، لا بد من تعويض السيولة من الملجأ الأخير وهي السلطات النقدية والمالية المحلية.
الخوف من تحول الهلع إلى انحدار شديد
* هل صحيح أن ما يحدث في أسواق المال الخليجية هو حالة نفسية، أم أن المستثمرين يخشون بالفعل من أن الشركات قد تكون خسرت في استثمارات خارجية وتخفي المعلومة عن المساهمين؟
- مرة أخرى، لا يبلغ الأثر الحقيقي لأزمة العالم حدود الأزمة في الإقليم، ولا بد أن هناك شركات لها استثمارات في الخارج وخسرت، ولكن أن يؤثر ذلك كثيراً في ملاءتها فهو أمر غير محتمل، ومع الانخفاض في مستوى أسعار أسهمها، ربما لن يؤثر في قراءة مؤشرات الربحية لها. ولكن إن سمح للهلع أن يأخذ مداه، فسيتحول المرض النفسي إلى مرض عضوي، فالهلع سيؤدي إلى انحدار شديد في مستوى أسعار الأصول يحول مراكز مالية مقترضة من مليئة إلى عاجزة، وذلك قطعاً لا يمنع حدوث حالة تستر وربما خسارة كبيرة لشركة أو شركتين، ولكن يفترض ألا تحدث لمؤسسات مالية كبيرة ومحترمة، ويفترض أن يكون ما يحدث إن أصاب مؤسسة متوسطة أو دون، في حدود المحتمل والمقبول.
* ألا تعتقد أن امتناع شركات وبنوك خليجية عن الإفصاح عن مقدار الخسائر التي تكبدتها في أسواق العقار الأمريكي سيجعل المجال مفتوحا لمزيد من عدم الثقة ومزيد من الخسائر في البورصات؟
- لا يجوز من حيث المبدأ امتناع أي شركة أو بنك عن الإفصاح عن خسائره، إذ لا يمكن حجب المعلومة عن المساهمين أو مدققي الحسابات أو الجهات الرقابية الأخرى، خصوصاً ونحن على نهاية الربع الأخير من السنة. وقد يتأخر الإفصاح لبعض الوقت إما نتيجة ضعف إدارة شركة ما، وإما نتيجة تسارع التطورات إلى الدرجة التي يصبح معها إفصاح الأسبوع الفائت، مجرد تاريخ.
خسائر مفترضة للاستثمارات المهاجرة
* ما تقديرك لحجم الخسائر التي خسرها المستثمرون العرب في أسواق المال الأمريكية، خصوصاً أن هنالك مَن يقدر هذه الاستثمارات بأكثر من ألفي مليار دولار؟
- حتى نهاية يوم عمل 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2008، خسر مؤشر داو جونز منذ بداية العام نحو 32.4 في المائة وإذا افترضنا أن المستثمر العربي مستثمر متوسط الكفاءة ويخسر بقدر خسارة المؤشرات، وأن العقار الأمريكي فقد نحو 20 في المائة من أسعاره، وأن نصف الاستثمارات العربية موظفة في أسهم وعقارات، وأن السوق الأمريكي ممثل جيد لأسواق الدول المتقدمة، يفترض أن يكون العرب قد خسروا من إعادة التقويم نحو 25 إلى 50 في المائة من استثماراتهم، أو ربما 250 مليار دولار. ولكن لا يفترض في القارئ أن يعتمد أيا من هذه الأرقام، فكمية الفرضيات كبيرة، وهامش الخطأ في المعلومات عن الثروات العربية المعلنة أرقامها كبير، ولكن الرسالة هي أننا لسنا بمأمن من خسائر عالية غير محققة.
* في رأيك ما الحلول المناسبة لنصل إلى مستوى معقول من الشفافية في القطاعات الاقتصادية الخليجية؟
- مستوى الشفافية مرتبط بالنظام العربي العام وهو نظام متخلف، ولا يعتمد على دافعي الضرائب بما يعنيه من تدفق مستمر في المعلومات عن الأفراد والمؤسسات وعن حصيلتها واستخداماتها، والتحسن النوعي الكبير في الشفافية مرتبط بالتحسن العام في أنظمة الحكم والإدارة. ولا بد من التأكيد أن هناك تفاوتا كبيرا في مستوى الشفافية لصالح القطاع الخاص، وضمنه لصالح الكيانات القانونية المتقدمة –الشركات المساهمة - مقارنة بالعائلية، وأكثر القطاعات شفافية هو القطاع المالي الخاضع لرقابة البنوك المركزية. وتطبيق معايير المحاسبة الدولية، وتفعيل مبادئ الثواب والعقاب من قبل الجمعيات العمومية وأجهزة الرقابة، وتحسين مستوى الموقع التفاوضي لمدققي الحسابات الخارجيين والداخليين، لا بد أن يحسن من المستوى العام للشفافية، وأحياناً تعمل الأزمات الكبرى على تسريع خطوات الإصلاح.
البتروكيماويات الأكثر تضررا
* البعض يعتبر أن تأثيرات الأزمة على القطاعات الاقتصادية الخليجية ستكون متفاوتة كثيراً، في رأيك أي هذه القطاعات سيتأثر بقوة من تداعيات الأزمة؟
- رغم أن الأزمة لم تأخذ مداها بعد، إلا أن تفاوت التأثير في مختلف القطاعات، وحتى بين دولة خليجية وأخرى سيكون كبيرا، فقطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات ستعاني بشكل أكبر، وسيكون التأثير مزدوجا على القطاعين المالي والعقاري، فمن جانب ستكون المؤسسات المالية الإقليمية في وضع نسبي أفضل بما يمكن أن يجذب الأموال إليها، ولكنها ستعاني عند توظيفها تدني مستوى النشاط الاقتصادي وتدني نمو أسعار استثماراتها. بينما سيستفيد قطاع العقار من انخفاض تكاليف الإنشاء بسبب انخفاض أسعار المواد الأولية وتكاليف العمالة والإدارة، وسوف ينخفض الطلب على وحداته من جانب آخر، بما يضغط على مستوى أسعار العقار إلى أدنى. وسيستفيد قطاع التجزئة بشكل عام بما يخفف الضغوط على ارتفاع تكاليف المعيشة لمعظم الناس بسبب هبوط واستمرار هبوط تكاليف الغذاء والكساء والسكن.
* شهد قطاع التمويل الإسلامي في الخليج نمواً كبيراً في السنوات الماضية، وهنالك مَن يرى أن هذا القطاع سيكون عاجزا عن توفير الإمداد اللازم لعمليات الإقراض، حتى في ظل ضخ الحكومات السيولة في البنوك، كيف ترى تأثر هذا القطاع بالأزمة؟
- لا يمكن الفصل بين مكاسب أو مصاعب التمويل، تقليدياً كان أو إسلامياً، والنمو على نوع من المعاملات الإسلامية، إنما هو جزء من نمو الطلب الكلي على التمويل بانحياز أيديولوجي. وعليه فإن الصعوبات التي ستطول سيولة التمويل الإسلامي هي نفسها التي ستصيب التقليدي، والعكس صحيح. على أن القلق في غير محله، فوفرة السيولة لأي من القطاعين ستوازنها تكلفة التمويل من جانب، وشح السيولة سيوازنه انحسار النشاط الاقتصادي، وبالتبعية انحسار الطلب على التمويل من جانب آخر.
غياب التنسيق الخليجي
* هل تعتقد أن استقلال السياسات النقدية في دول الخليج على المحك الآن، وهل سنشهد في المستقبل تدخلا من جهات على حساب البنوك المركزية في رسم هذه السياسات؟
- ربما ما سيحدث هو العكس، فالفكر الاقتصادي الذي ساد العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي Deregulation أضعف دور كل أجهزة الرقابة بما فيها البنوك المركزية، بدعوى أن "اليد الخفية" وحرية القطاع الخاص وآلية التوازن التلقائية لجانبي العرض والطلب، تحتاج إلى أقل قدر من التدخل. وفي السنوات الخمس المقبلة، سنرى فكرا اقتصاديا مختلفا أقرب إلى المدارس التي سادت بعد الكساد القديم في ثلاثينيات القرن السابق، بعد أن تولى روزفلت رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك، من المتوقع أن يقوى دور المؤسسات النقدية على مستوى العالم مثل صندوق النقد الدولي، والبنوك المركزية الإقليمية والقطرية، وهذا ما سيحدث في إقليم الخليج.
* ألا تعتقد أن هنالك غياب عملا جماعيا خليجيا لمواجهة تداعيات الأزمة على دول مجلس التعاون؟
- نعم، هناك غياب كامل للعمل الجماعي، فنحن لم نسمع عن اجتماع لبنوك دول الخليج المركزية، ولم نسمع عن دعوة لاجتماع إدارات بورصاتها، ولم نسمع عن أي اجتماع تنسيقي أو تشاوري من أي نوع، بينما صنفت الأزمة أنها الأعنف منذ 80 سنة. الواقع أن إجراءات المواجهة المنفردة أدت إلى إحراج بعضها، فضمان الودائع في إحداها – الإمارات - اضطر السعودية إلى إعلان مماثل خوفاً من تسرب الودائع خارجها، ووضع الدول الأخرى تحت احتمال إجراء غير ضروري وضار مثل ضمان الودائع، ولكنها ستقوم به لو تعرضت مصارفها لتسرب سيولتها. بينما رأينا حركة دائبة على مستوى العالم، شملت لقاءات وزراء مالية وأعقبتها اجتماعات قمة للتنسيق ليس فقط لإطفاء الحريق، ولكن لوضع لبنات النظام المالي الجديد، أو تجديد "بريتون وودز" أو نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.
* كيف يمكن لمؤسسات العمل الخليجي المشترك أن تؤسس لخيارات عملية جماعية لمواجهة مثل هذه الأزمات خصوصاً بعد الدخول الفعلي في السوق الخليجية المشتركة؟
- معظم ما سيحدث، سيحدث على مستوى العالم وينتقل إلينا، أولاً لأن العالم الآخر واع بما يكفي لكي يأخذ المبادرة، وثانياً لأن مجلس التعاون الخليج "لقد أسمعت لو ناديت حياً". وأشعر بالألم وأنا أذكر بأن التعاون الخليجي لا يختلف ما قبل المجلس عما بعده، ولن يختلف الوضع كثيراً بعد إقرار مشروع السوق المشتركة. وتبقى مساحة التعاون واسعة جداً، ولا نحتاج إلى سرد نظري لتسمية مجالاتها، ويكفي النظر إلى التجربة الأوروبية أو تجربة أمريكا الشمالية أو دول آسيا الباسيفيك، وتقليدها، ولا عيب في ذلك.
* البعض يرى أن الفشل في التوصل إلى سياسات مشتركة في مثل هذه المرحلة يعني أن السوق المشتركة لن تنجح بالقدر الذي كان يعول عليه الكثيرون؟
- نعم لم ولن تنجح ما لم نؤمن بأن كتابة بند باتفاق بيننا هو أمر مقدس يحتاج إلى قتال القيادات من أجل تحقيقه أو محاسبتهم بشدة على الفشل.
التعافي ممكن وأسواق الأسهم "مشروع أزمة"
* إذا استمرت الأزمة المالية العالمية وأدت لحدوث الركود الاقتصادي، كما توقع البنك الدولي، فما مستقبل خطط التنمية في المنطقة، خصوصاً في ظل توقع المزيد من هبوط أسعار الطاقة؟
- يبدو أن الاقتصاد العالمي سيراوح ما بين تباطؤ اقتصادي - نمو ضعيف - للاقتصادات الناشئة، وركود اقتصادي - نمو سالب - لاقتصادات الدول المتقدمة. وإذا صدقت التنبؤات الأكثر قبولاً، ستستمر هذه الحالة حتى نهاية النصف الأول من عام 2009، وأعتقد أن سوء الأمور إلى هذا المستوى في حدود المقبول والمحتمل مع أزمة بهذا المستوى، والتعافي ممكن بسبب سرعة التصرف وكفاءة التنسيق على مستوى العالم. وأظن أن السؤال كبير حول الأثر الذي يتركه هذا السيناريو على خطط التنمية في دول المنطقة، لأنني لا أعتقد أن هناك خطط تنمية يثير تعطلها الكثير من القلق. ما سيحدث هو أن التوسع الاقتصادي العشوائي في معظمه سينحسر مع انحسار دخل دول المنطقة من النفط ومن استثماراتها الخارجية. ولكن، من جانب آخر سوف تهدأ سخونة هذه الاقتصادات وتهبط الضغوط التضخمية فيها بما يساعد على وقف تدهور تنافسيتها.
يتبع