موضوع ممتاز من موقع الجزيره...
نحتاجه لتوسيع مداركنا...


"
الصناديق السيادية العربية

صباح نعوش

صناديق الثروة السيادية مؤسسات تابعة للحكومات وتستخدم الأموال العامة في عمليات الاستثمار ذات الأمد الطويل خارج دول المنشأ. وتلعب هذه الصناديق، لا سيما الخليجية منها، دورا بارزا على الساحة الاقتصادية العالمية، كما تثير أيضا عدة مشاكل.


ارتفع عدد الصناديق السيادية في العالم وازدادت موجوداتها وتوسعت استثماراتها على أثر تطور الاقتصاد العالمي منذ منتصف التسعينيات من القرن المنصرم الذي شهد تأسيس منظمة التجارة العالمية وإبرام اتفاقات متعددة الأطراف ترمي إلى تحرير التجارة الخارجية وحركات رأس المال الأجنبي.

"
تتسم جميع الصناديق العربية بالغموض ولا تتمتع بالحد الأدنى من الشفافية: أهدافها غير واضحة المعالم ولا تصدر تقارير مفصلة عن عملياتها ولا تعطي معلومات دقيقة عن موجوداتها وحساباتها
"
لذلك ظهرت غالبية الصناديق السيادية في العالم في السنوات القليلة المنصرمة، ففي عام 1969 كان عددها ثلاثة صناديق فقط ثم 21 صندوقا عام 1999 وارتفع ليصل إلى 44 صندوقا حاليا.

وبلغت موجودات هذه الصناديق 3860 مليار دولار (يتعين التعامل مع هذا الرقم بحذر لاختلاف التقديرات حسب المصادر). ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاعها إلى عشرة ترليونات دولار عام 2015.

والصناديق الثمانية الكبرى التي تزيد موجوداتها على 150 مليار دولار تملكها سبع دول هي الإمارات والصين (صندوقان) وسنغافورة والنرويج والسعودية والكويت وروسيا.

الدولة
اسم الصندوق
التأسيس
مليار دولار


الإمارات
1) مركز أبو ظبي للاستثمار
1976
875

الإمارات
2)دبي للاستثمار
2006
82

الإمارات
3)مبادلة
2002
10

الإمارات
4)رأس الخيمة
2005
1

الإمارات
5)هيئة استثمار الإمارات
2007
-

البحرين
ممتلكات
2006
14

الجزائر
تسوية الإيرادات
2000
47

السعودية
1)ساما
-
365

السعودية
2)الاستثمار العام
2008
5

عمان
الاحتياطي العام
1980
6

قطر
هيئة الاستثمار القطرية
2003
60

الكويت
الأجيال القادمة
1953
264

ليبيا
الاستثمار الأجنبي العربية الليبية
2006
50

موريتانيا
الوطني لعائدات المحروقات
2006
0.3



يبين الجدول (أعده المؤلف انطلاقا من آخر بيانات معهد صناديق الثروات السيادية) أن موجودات الصناديق العربية تبلغ 1779 مليار دولار أي 46% من موجودات الصناديق في العالم.

ويعد مركز أبو ظبي للاستثمار أكبر صندوق في العالم إذ تتراوح موجوداته حسب التقديرات بين 650 و1300 مليار دولار.

ويعد صندوق الأجيال القادمة الكويتي أقدم صندوق سيادي في العالم، الحكمة منه تخصيص نسبة سنوية من إيرادات النفط الكويتي قدرها 10% وتنميتها باستثمارها في أنشطة خارج الدولة.

ويشير الجدول إلى أن الصناديق السيادية العربية خليجية بالدرجة الأولى.


خصوصيات الصناديق السيادية
تبرز خصوصيات الصناديق الخليجية عند مقارنتها بالصناديق الأخرى اعتمادا على مؤشر الناتج المحلي الإجمالي.

تشكل موجودات صناديق النرويج وروسيا والصين 70% و29% و21% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي، في حين تعادل موجودات صناديق السعودية والكويت والإمارات 106% و261% و590% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي.كلما ارتفعت النسبة زادت أهمية الصناديق في تمويل الإنفاق العام لدولة المنشأ.

ومن زاوية أخرى تختلف إمكانية استخدام الاحتياطيات الرسمية لتمويل الصناديق السيادية اختلافا كبيرا حسب الدول. ولنتتبع المقارنة التالية بين دول مجلس التعاون والصين.

"
إذا نجحت الصناديق السيادية في التخفيف من وطأة الأزمة المالية تكون حققت طموحات الدول الكبرى، أما إذا فشلت فإن هذه الدول ستتخلص من هذه الصناديق الأجنبية
"
تنجم الاحتياطيات الرسمية الخليجية من صادرات النفط والغاز الطبيعي، وقد بلغ حجمها 51 مليار دولار عام 2002 و80 مليار دولار عام 2006، وتتكون بالدرجة الأولى من عملات أجنبية خاصة الدولار الأميركي.

وبالتالي يمكن استخدامها في أنشطة الصناديق السيادية دون إحداث آثار سلبية على مصالح الغير. أما الاحتياطيات الرسمية الصينية فقد ارتفعت ارتفاعا كبيرا في فترة قصيرة، إذ انتقلت من 233 مليار دولار عام 2002 إلى 1066 مليار دولار عام 2006 أي من 4.5 أضعاف إلى 13.3 ضعف الاحتياطيات الرسمية لجميع دول مجلس التعاون. ثم ارتفعت إلى 1906 مليارات دولار في النصف الثاني من العام الحالي.

باتت هذه المبالغ تطرح مشكلة عويصة ترتبط بكيفية استخدامها، إذ إن 70% إلى 80% منها عبارة عن سندات الخزينة الأميركية.

تراكمت هذه السندات نتيجة اتفاق بين الولايات المتحدة والصين مؤداه السماح للأخيرة بتصدير سلعها للولايات المتحدة مقابل التزام الصين بتمويل عجز الميزانية الفدرالية الأميركية بشراء سندات الخزينة الأميركية.

إن استخدام هذه السندات من قبل الصين في تأسيس صناديق سيادية جديدة أو في تنمية موجودات صناديقها الحالية يعني مطالبة الولايات المتحدة بسداد ما ترتب عليها من ديون. ويقود هذا الوضع إلى تعميق الأزمة المالية الأميركية وبالتالي العالمية.

لذلك لا تستطيع الصين على خلاف بلدان الخليج استخدام احتياطياتها الرسمية في تمويل صناديقها السيادية إلا بموافقة الولايات المتحدة.

ومن ناحية أخرى تتسم جميع الصناديق العربية بالغموض، إذ لا يوجد -حسب الدراسات- صندوق سيادي عربي واحد يتمتع بالحد الأدنى من الشفافية: أهدافها غير واضحة المعالم ولا تصدر تقارير مفصلة عن عملياتها ولا تعطي معلومات دقيقة عن موجوداتها وحساباتها.

من هذا الباب تقترب الصناديق العربية من الصناديق الصينية والروسية والماليزية وتبتعد عن الصناديق النرويجية والكندية والأسترالية.


أنشطة الصناديق السيادية
تهتم الصناديق العربية بمختلف القطاعات الاقتصادية خاصة الصناعة التحويلية والخدمات.

وفيما يلي أمثلة لمساهمات ثلاثة صناديق سيادية في رأس مال الشركات الأجنبية.


مركز أبو ظبي للاستثمار:
16% من إيستيرن أوروبيان البريطانية
8.3% من هرمس المصرية
7.6% من السويس للإسمنت المصرية
4.9% من ستي غروب الأميركية
9% من أبولو مانجمنت الأميركية
3% من فيفالدي الفرنسية
2% من ميدياسات الإيطالية
3% من سوني اليابانية


شركة الاستثمار الأجنبي العربية الليبية:
7.5% من نادي جيفانتوس الإيطالي
50% من مجموعة كورينثيا المالطية
14% من الشرق للبتروكيماويات المصرية
10.1% من المناجم العربية الأردنية

صندوق الأجيال القادمة:
23.8% من فكتوريا السويسرية
6% من ستي غروب الأميركية
7.2% من دايملر (ميرسدس) الألمانية
4.8% من بنك ميريل لنش الأميركي
9.3% من الفوسفات الأردنية
1.7% من برتش بتروليوم البريطانية

دور الصناديق السيادية
تفترض السياسة الاقتصادية الرشيدة استثمار الأموال العامة بصورة منتجة بدلا من إنفاقها في ميادين الأبهة أو وضعها في حسابات مصرفية لا تدر دخولا حقيقية بسبب هبوط أسعار الفائدة وارتفاع معدلات التضخم.

وتتجلى أهمية الصناديق السيادية في حصول الدولة على دخول لتغطية عجزها المالي عندما تهبط إيراداتها وترتفع نفقاتها لسبب أو لآخر.

طيلة الفترة الواقعة بين 1990 و2004 سجلت ميزانية الإمارات عجزا وصل إلى ثمانية مليارات دولار عام 1999، وفي التسعينيات لم تسجل ميزانية الكويت فائضا إلا في عام 1997، وحينذاك تم اللجوء إلى عدة وسائل لتغطية هذا العجز منها الاستفادة من أرباح الصناديق السيادية.

أما إيجابيات الصناديق السيادية في الدول المتلقية فهي كثيرة، إذ إن استثمارات هذه الصناديق تؤدي مباشرة إلى تحريك الاقتصاد المتلقي وإنعاشه.

كما تساهم في معالجة بعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية كالبطالة، فعلى سبيل المثال أدت مساهمة صندوق مبادلة الإماراتي بنسبة 8.1% من شركة أي أم دي الأميركية إلى توفير 1400 فرصة عمل مباشرة ترتبط بقطاع الإلكترونيات في هذه الشركة وحوالي 5000 فرصة عمل ترتبط بالأنشطة الأخرى ذات العلاقة بهذا القطاع.

وعندما اندلعت الأزمة المالية العالمية رصدت عدة دول، خاصة الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، أموالا طائلة لإنقاذ شركاتها من الانهيار وما يترتب عليه من تعطيل الأنشطة الاقتصادية، كما اتجهت أنظار هذه الدول إلى الصناديق السيادية الخليجية والآسيوية للمساهمة في هذا الإنقاذ.

ستتحقق طموحات هذه الدول إذا نجحت الصناديق السيادية في التخفيف من وطأة الأزمة المالية، أما إذا فشلت بسبب تعرضها للخسارة، فإن هذه الدول ستتخلص من هذه الصناديق الأجنبية المتهمة أحيانا بممارسة أنشطة خطيرة وأحيانا أخرى بالهيمنة على مؤسسات صناعية ومصرفية.

والواقع أن الصناديق السيادية ليست مؤسسات مصرفية، بل هي أجهزة استثمارية لا تشتري الحصص في الشركات نتيجة ضغوط سياسية بل نتيجة دراسة اقتصادية مستفيضة.

إن المقدرة المالية للصناديق الخليجية هبطت في الآونة الأخيرة تحت تأثير عدة عوامل في مقدمتها تراجع أسعار النفط وتضررها بسبب مساهمتها في شركات هبطت أسعار أسهمها. وقد تطالبها دولها بعدم استثمار أرباحها لتعويض هبوط أسعار النفط. وهذه هي الحكمة الأساسية من تأسيسها.

وبات المستثمرون داخل منطقة الخليج يطالبون حكوماتهم بالتدخل لإنقاذ شركاتهم الوطنية من الإفلاس بدلا من ضخ الأموال في الشركات الأجنبية في الخارج.

"
الصناديق السيادية العربية لا تقوم بأنشطة استخبارية لأن هذه الممارسات لا تخدم مصالح بلدانها، ولكن من الخطأ عدم استغلال هذه الصناديق لتحقيق أهداف أخرى خارج نطاق اعتبارات الربح
"
خطورة الصناديق السيادية
الصناديق السيادية إحدى الأدوات التي تستخدمها دول المنشأ لتنفيذ سياساتها الاقتصادية والإستراتيجية، وتختلف طبيعة هذه السياسات حسب حجم الصناديق وثقل دولها.

الصين دولة صناعية لها ترسانة عسكرية هائلة، تتسابق مع الآخرين في تصنيع وتصدير الأسلحة، وهي قوة نووية وعضو دائم في مجلس الأمن. وتنطبق هذه المواصفات على روسيا أيضا.

وتبلغ الصادرات السلعية للصين 969 مليار دولار أي 8% من الصادرات العالمية، وهي بذلك تحتل المرتبة العالمية الثالثة بعد ألمانيا والولايات المتحدة.

إن هذا الوضع العسكري والسياسي والتجاري يجعل روسيا والصين في حالة تنافس تجاري حاد وأحيانا صراع سياسي مع البلدان الصناعية الغربية. وعلى هذا الأساس يصبح من البديهي أن تستخدم الصناديق السيادية لهاتين الدولتين في تحقيق أهداف سياسية.

أما دول مجلس التعاون خاصة، والدول العربية عامة، فلا ينطبق عليها هذا التحليل، فهي ليست صناعية بل ريعية تستورد ما تحتاجه من المنتجات الزراعية والمواد الصناعية بما فيها الأسلحة، كما أن مكانتها الدولية لا ترتكز على قوتها العسكرية ولا على تأثيرها في المنظمات الدولية.

ولا تتأتى الأهمية التجارية الخليجية من حجم صادراتها بقدر ما تنجم عن طبيعة المادة التي تصدرها وهي النفط. وقد بلغت صادرات الإمارات (تملك أكبر الصناديق السيادية في العالم) 134 مليار دولار أي 1% فقط من الصادرات العالمية.

انطلاقا من هذه المعطيات نستنتج أن الصناديق السيادية العربية لا تقوم بأنشطة استخبارية لأن هذه الممارسات لا تخدم مصالح بلدانها. ولكن من الخطأ عدم استغلال هذه الصناديق لتحقيق أهداف أخرى خارج نطاق اعتبارات الربح.

على سبيل المثال تستطيع الصناديق الخليجية ممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي للإسراع في توقيع اتفاق الشراكة مع بلدان مجلس التعاون.

ويستحسن تأسيس لجنة تابعة للأمانة العامة لمجلس التعاون مهمتها تنسيق أهداف الصناديق الخليجية السيادية دون مراقبتها أو التدخل في إدارتها وأنشطتها.

لقد أبدت الدول الصناعية عدم ارتياحها من ممارسات الصناديق السيادية التي تفتقر للشفافية وتتجاوز النشاط التجاري وتتدخل في ميادين إستراتيجية كالدفاع والبنية التحتية.

تعرضت هذه الصناديق لانتقادات حادة في مناسبات كثيرة من بينها اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة الدول السبع الكبرى المنعقد بواشنطن يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول من السنة الماضية.

انصرفت أجهزة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي بتكليف من ذلك الاجتماع إلى وضع برنامج ينظم العلاقة بين الصناديق السيادية والدول المتلقية للاستثمارات.

يرتكز هذا البرنامج على عدة نقاط أهمها:
1- اعتماد الصناديق السيادية على الشفافية.
2- مساهمة الصناديق السيادية في استقرار النظام المالي العالمي.
3- اعتماد الصناديق السيادية على القواعد التجارية فقط في اختيار استثماراتها.
4- تمسك الدول المتلقية بحرية حركة رأس المال الأجنبي.
5- احترام مبدأ عدم التمييز بين الصناديق السيادية التابعة لمختلف الدول.


لا تزال البلدان الصناعية تمارس ضغوطا على الحكومات العربية لا سيما الخليجية بهدف مساهمة صناديقها السيادية في رأس مال الشركات الأميركية والأوروبية المفلسة.

ترى لماذا يتعين على الدول العربية تحسين الوضع المالي للبلدان الصناعية الكبرى في حين لا توجد نية لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في منع انهيار أسعار النفط؟
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/8...3ACE2AB682.htm
"