التفنيش.. عنوان سوق العمل في دبي


دبي – نور العبدالله:
بات سوق العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديداً في إمارة دبي، طارداً للعمالة بعد سنوات كان فيها أكثر أسواق العالم جذباً وجاذبية على وقع الأزمة المالية العالمية، وتأثر قطاعات حيوية في الإمارات، وباقي الإمارات بشكل أقل وطأة، بها، مثل: العقار وما يرتبط به من قطاعات، والخدمات المالية، والسيارات.
وأصبح الحديث الأوحد للعاملين في قطاع المعمار، بشكل مطلق، في إمارة دبي مرتبطاً بالركود الذي يشهده السوق العقاري وما نتج عنه من حركة تسريح للعمالة، فأمام الإعلانات المتواترة من شركات التطوير العقاري الكبرى عن الاستغناء عن مئات من الموظفين، وأحياناً يكون الرقم بالآلاف، باتت هذه القرارات مادة للأحاديث الشخصية والعامة ليس للعاملين في قطاعات الهندسة المعمارية والإنشاءات والديكور الداخلي فحسب، بل إلى كل العاملين في دولة الإمارات الذين تضرروا بشكل أو بآخر بأوضاع السوق العقاري.
فهذا السوق كان يشغّل ما يزيد على ثلث الأيدي العاملة في دبي وترتبط به قطاعات مجتمعية عريضة في أكثر من إمارة.
وبحسب مشاهدات «القبس» بات العاملون في السوق العقاري، سواء بين العاملين في قطاع الوساطة، أو المكاتب الهندسية، أو شركات المقاولات من الباطن، أو مكاتب الديكور والتصاميم الداخلية، في تسريح أعداد ترى أنها زائدة عن حاجتها في سوق راكد، فيما لجأت شركات أخرى إلى خيارات أخرى، كل بحسب السيولة المتوافرة لديها وتوقعاتها المستقبلية للسوق، فبعض الشركات سرحت بعض القياديين من ذوي الرواتب العالية والمزايا المرتفعة، وأخرى قررت خفض رواتب العاملين لديها بنسب تتراوح بين 10% و20% كما حدث مع الاستشاري المعماري الفلسطيني حامد، أو إعطاء موظفيها إجازات قسرية مدفوعة إلى حين كما حدث مع المصري خالد الذي يشغل موقعا قياديا في إحدى شركات التطوير العقاري.
ويقول حامد في هذا الشأن عاكساً تلاشي أي آمال في العثور على البدائل: «مع بداية العام كنت أتلقى عشرات الردود عبر الإيميل (البريد الإلكتروني) على أي سيرة ذاتية أرسلها إلى شركات التوظيف أو إلى الشركات التي يصلني أنها بحاجة إلى مهندسين، أما الآن ومنذ شهرين لا أحد يرد، والشركات التي كانت تركض لإقناعي بالعمل لديها باتت تعتذر لعدم وجود شاغر».
وأمام معطيات الواقع الذي بات الحديث الأول في اللقاءات والمجالس، بدأ المتضررون أو الذين يتوقعون امتداد الركود إليهم في البحث عن بدائل، وهنا اتجه المهندسون العاملون في المجال العقاري إلى أبوظبي بحثا عن فرص في سوقها العقاري الواعد الذي لا يزال في بداية نهضته ولم تصله حمى الركود بعد، في حين بدأ آخرون في تقصي أوضاع السوق القطري.
فسوق العقار في أبوظبي لا يزال في بداية نهضته، وطفرته وليدة عام 2006 وهناك مشاريع عديدة عملاقة لا تزال قيد التطوير تقدر قيمتها بنحو 700 مليار درهم (نحو 200 مليار دولار) إلى جانب توافر سيولة كبيرة جراء عائدات النفط والغاز التي تتوافر في الإمارة، والتي قدرت عوائدها في العام الحالي بنحو 300 مليار دولار.
أما قطر، فيرتكز اقتصادها على حقول غنية بالغاز تدر عليها نحو 100 مليار دولار سنوياً مع احتياطيات كبرى واستثمارات أكبر، ودور لافت للشركات الحكومية في قطاع التطوير العقاري.
وكان قطاع العقار قد شهد منذ نحو شهر تسريح عدد من الشركات من بينها «نخيل» و«داماك» و«الشعفار» مئات من العاملين لديها في مسعى لتقليص النفقات ومواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتراجع المشاريع العقارية وما يتصل بها من خدمات مساندة.
وإذا كان هذا حال الشركات الكبرى ذات أحجام الأشغال الكبرى التي لاتستطيع أن تخفي حقيقة أوضاعها المالية، فإن شركات المقاولات والهندسة الأصغر حجماً (المتوسطة والمحدودة الأعمال) باتت تقترب من إنهاء أعمالها مع تجميد On Hold العديد من المشاريع التي كانت قيد الإنشاء أو في مرحلة التصميم وتسريح العمال ووضع البدائل المتاحة في حسابات الربح والخسارة، وسط جدل اقتصادي بين الخبراء حيال لجوء شركات التطوير العقاري والمقاولات الى خيار الاستغناء عن العاملين لمواجهة الضغوط الحالية قبل أن تلجأ إلى إجراءات أقل حدة لخفض النفقات، محذرين من «انعكاسات سلبية» على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
وفي هذا الإطار، يقول العضو المنتدب وكبير المسؤولين التنفيذيين في شركة دبي للاستثمار خالد بن كلبان لـ«القبس» إن الشركات الاستثمارية توسعت في معظم أنحاء العالم بشكل كبير في توظيف العمالة خلال السنوات الخمس الماضية، ولجأت إلى تقليص عاجل للنفقات في ضوء توقعات شبه مؤكدة بانخفاض وتيرة النمو».
ويضيف ان التخلص من العمالة الزائدة يأتي على رأس «الوسائل الناجعة» لتقليص النفقات، إذ يرى أن الرواتب تشكل جزءاً كبيراً من المصروفات، لكنه يشير إلى «بدائل أخرى» لتسريح العمالة، مثل: تخفيض الرواتب، وإلغاء الحوافز والمكافآت، وتقليص نفقات القرطاسية والدعاية.
من جانبه، يقول رجل الأعمال المرموق ماجد سيف الغرير إن تسريح عدد من الشركات لأعداد كبيرة من موظفيها «إجراء اضطراري» لأن الرواتب تستحوذ على قدر كبير من النفقات.
ويوضح الغرير أن الأزمة المالية العالمية وشح السيولة المتوافرة لدى المصارف فرضا معطيات جديدة على الشركات التي لم تجد بداً من تخفيف أعبائها وتقليص نفقاتها عن طريق التخلص من العمالة الزائدة. مشبهاً الشركات في ذلك بـ «الرياضي الذي يسعى إلى تخفيف وزنه عن طريق التخلص من الشحوم الزائدة بهدف التمكن من تسريع خطواته».