تحليل: الاقتصاد الأميركي ما يزال يواجه المتاعب
واشنطن (يو بي أي) :
ما يزال الاقتصاد الأميركي يفقد مئات آلاف الوظائف شهرياً،ولكن معدل هذه الخسائر بدأ يتباطأ، وهذا لا يعني بالضرورة أن الصورة مشرقة بل أن فترة الكساد الاقتصادي لبوش وأوباما بدأت أخيراً بالتلاشي. وبحسب البيانات التي صدرت أول أمس الجمعة عن وزارة العمل الأميركية فقد الاقتصاد الأميركي 345 ألف وظيفة في مايو/أيار الماضي. توصف هذه الأرقام عادة بأنها كارثية، ولكنها بالطبع أقل بكثير من الـ 650 ألف وظيفة التي كانت تفقد شهرياً خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وأقل بكثير مما كان متوقعاً. ومع ذلك، وصلت مستويات البطالة في الولايات المتحدة الآن 9.4 % وهي الأعلى منذ عام 1983. فقد الاقتصاد الأميركي الآن 5.7 مليون وظيفة منذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2007. بإمكان المحللين السياسيين قول ما يشاؤون ولكن هذا هو كساد وليس ركوداً اقتصادياً إذا أردنا الدقة في توصيف هذه الحالة التي بدأت خلال فترة حكم الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش وباتت الآن أسوأ بكثير خلال فترة حكم خلفه الديمقراطي باراك أوباما. ليست هذه كارثة للحزبين ولكنها كارثة للشعب الأميركي واقتصاده. إن إفلاس شركة جنرال موتورز قد يؤدي إلى زيادة أكبر في معدل البطالة خلال هذا الصيف. يتوقع فقدان حوالي 21 ألف وظيفة من الوظائف الـ 54 ألف المتبقية كجزء من إعادة هيكلتها و التي تنوي الحكومة الأميركية فرضها على هذه الشركة العملاقة لصناعة السيارات. سوف يغلق أيضاً ما لا يقل عن نصف مكاتب وكلاء الشركة، وهذه التطورات ستكون لها نتائج سلبية مضاعفة من حيث طلب الحصول على البضائع والخدمات في المناطق المتضررة. وجاء الكشف عن هذه الأرقام بعد مضي" الأيام المائة" من حكم الرئيس أوباما وإدارته. مضى هذا الأسبوع مائة يوم على توقيع أوباما على "القانون الأميركي لإنعاش الاقتصاد وإعادة الاستثمار". إن مبلغ الـ 787 مليار دولار أميركي الذي تمّ تخصيصه لهذا المشروع يهدف إلى تنشيط الاقتصاد الأميركي وانتشاله من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها حالياً. بدأت إدارة أوباما منذ مطلع الأسبوع الجاري بإرسال مسؤولين إلى مختلف مناطق البلاد من أجل التأكد من تطبيق هذا القانون. نظمت يوم أمس الجمعة احتفالات كبيرة لمناسبة البدء بمشروع شقّ طرق في ولاية وسكونسين وإرسال أطباء إلى المناطق الأميركية المحرومة لتوفير الرعاية الصحية لأبنائها. لم تؤدِ كل هذه الأموال لوقف موجة فقدان الوظائف على مختلف مناطق الولايات المتحدة. ما بين حزمة حوافز قيمتها 787 مليار دولار أميركي وعجز في الموازنة بلغ حوالي 3.5 ترليون دولار أميركي يواصل أوباما وإدارته ضخ الكثير من الأموال النقدية وسط مطالبات بإعادة إنعاش الاقتصاد في البلاد. يعتقد خبراء اقتصاديون أن ذلك يفترض أن يؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي ولكن عوضاً عن ذلك نرى تزايد موجة البطالة وفقداناً للثقة في المشاريع التجارية. كما لاحظنا فإن أسرع وأنجح طريقة للنهوض من حالة الكساد أو الركود الاقتصادي الحاد في تاريخ الولايات المتحدة تتطلب إتباع مبادئ مختلفة تماماً. تجاهل الرئيس وارن هاردنغ ووزير خزانته أندرو ميلون في عام 1921 تلك المبادئ لإنقاذ الاقتصاد ، فيما اتبع رونالد ريغان في عام 1982 خطة اقتصادية ناجحة وضعت حداً لفترة تضخم ضخمة دامت 15 سنة وحلت أسوأ أزمة اقتصادية واجهتها أميركا منذ قبل الحرب العالمية الثانية. إن إقامة مناخ آمن للاستثمارات المحلية والعالمية والحفاظ على قيمة الدولار و الجدارة الائتمانية الأميركية من الأمور الأساسية جداً للاقتصاد. بلغت معدلات الفائدة خلال فترة رئاسة ريغان إلى أعلى مستوياتها عندما كان ذلك ضرورياً وكان ذلك على المدى القصير من أجل الاحتفاظ بصدقية واستقرار الوضع المالي في أميركا. إذا نجحت إستراتيجية أوباما فإن الاقتصاد الأميركي قد يخرج من أزمته ويبدأ مسيرته البطيئة نحو الانتعاش خلال الأشهر الثمانية عشرة المقبلة. حتى لو تمّ ذلك فهناك الكثير من الأزمات التي قد تفرغ هذا السيناريو من مضمونه. قد تدفع الحرب مع إيران أسعار النفط إلى أكثر من 147 دولاراً أميركياً لبرميل النفط كما حصل في صيف عام 2008. إذا فقدت المصارف الصينية واليابانية الحكومية الثقة في برنامج أوباما ووزير خزانته تيموثي غيثنر بالحفاظ على قيمة الدولار و الجدارة الائتمانية للحكومة الأميركية فقد يؤدي ذلك إلى تضخم مفرط ورهيب لم يسبق له مثيل منذ تاريخ تأسيس الولايات المتحدة قبل نحو 120 سنوات. سيضطر أوباما للسير في طريق طويل مليء بالعواصف الاقتصادية والاضطرابات من أجل عدم الارتطام بهذه الصخور.