الدوحة.. بين ثراء الثقافة وعدل القانون
2009-06-02
لم يتطرق الباحثون كثيرا الى العلاقة بين الثقافة والقانون، على الرغم من اهمية هذه العلاقة ودورها في تعزيز القيم الثقافية السائدة وتفاعلها مع التشريعات القانونية التي تنظم حياة المجتمعات وتتيح لها التطور والنماء والرقي على سلم المدنية والحضارة.
وللحديث حول هذا الموضوع اهمية خاصة واكثر من مناسبة لعل ابرزها ذلك اللقاء الجامع الذي اتاح لاهل الثقافة والقانون الالتقاء على هامش اعمال المنتدى الدولي للقانون بقطر، وكان هذا اللقاء في رحاب صرح ثقافي عظيم هو متحف قطر الاسلامي، ولقد سعدت على نحو خاص بالحوار الذي تناول موضوع قلَّ التطرق اليه في الاوساط الثقافية العربية وربما القانونية ايضاً.
فقد حملت اكثر تعريفات الثقافة شيوعاً الاشارة الى كون القانون احدى مفردات الثقافة.
ومثلما يعمل القانون على تنظيم الحياة فان الثقافة بدورها الحضاري تحاول دائماً تشكيل رؤى تحمي الحياة من العبث والفوضى.
* * *
فقد نظر بعض علماء الاجتماع الى القانون بصفته ثقافة.
ورأى البعض الآخر ان القانون شكل من اشكال الثقافة وهذه الثقافة تحمل القوة التنظيمية للممارسات والمعايير القانونية.
* * *
ولا شك ان ثقافة القانون من مظاهر المجتمعات الديمقراطية حيث يُراد للمعرفة القانونية ان تصبح ثقافة اجتماعية يدرك الناس من خلالها حقوقهم وواجباتهم واشتراطات النظام العام.
ان الدول الحديثة لا تُبنى بالجهود الارتجالية وانما بعمل مؤسساتي يستند الى تشريعات قانونية.
وربما كانت فكرة "السياسة الثقافية" هي افضل تجسيد ايجابي للعلاقة بين الثقافة والقانون.
ومن الصعب الحديث عن تنمية جادة دون ان تكون الثقافة والقانون متلازمين في مقدمة المسيرة.
فالقانون يستفيد في نصوصه من القيم الثقافية ويتطور مع تنامي الوعي الثقافي.
وبالمقابل فان الثقافة تحتاج من القانون تشريعات تضمن حرية التعبير وتحفظ التراث المادي والشفاهي وتصون الملكية الفكرية وتنشئ المنشآت الثقافية.
* * *
واذ تتطلع الثقافة دائماً الى حرية لا تعوق ابداعها أية قيود، حتى لو كانت قانونية، يصعب الحديث عن قانون الثقافة او قانونية الثقافة دون ان يعني ذلك ان هذه الحرية غير منضبطة، لان الانضباط الايجابي جزء من طبيعة الثقافة عموماً.
* * *
الا انه من المهم الاشارة الى ان العلاقة بين القانون والثقافة مازالت تكتنفها الريبة.
فالقانون يريد ان يضم كل شيء تحت جناحه بنوايا تبدو طيبة، غير ان الثقافة تخشى دائماً من أن يأتي هذا الضم على حساب حريتها، وهي غالباً على حق في قلقها لان الكثير من الدول استخدمت القانون لتحجيم دور الثقافة.
ولهذا فان الحل هو في احترام كون الثقافة مهماز التطور الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات، وأن يتوجه القانون الى تشريع قواعد عامة لا تتوجه لتحديد الثقافة مباشرة، بينما تنطلق الثقافة في ابداعها دون ان تغفل المحددات القانونية التي تحمي المجتمع، وهو أمر تعمل الثقافة والقانون معاً من اجله.
وطالماً ان الثقافة تدخل في كل تفصيل من تفاصيل حياة الانسان بالاستناد الى الحرية والاعراف، وطالما ان القانون يتدخل في تنظيم حياة الانسان بالاستناد الى حدود وقيود والتزامات، فان ذلك يعني ان كلاً من الثقافة والقانون يتواجد حيثما يتواجد الآخر وان حياة الانسان الحديث لا تستقيم بالثقافة وحدها كما لا تستقيم بالقانون وحده.
اننا في دولة قطر بقيادة صاحب السمو أميرنا المفدى، نولى الثقافة وعلاقتها بالقانون جل اهتمامنا، وفق الضوابط التي تحقق الالتزام والحرية والابداع، ومن منطلق بناء المؤسسات وسيادة القانون.
لتكن الثقافة من اجل قانون اكثر عدلاً وليكن القانون من اجل ثقافة اكثر عطاءً وحرية.
بقلم
د. حمد بن عبدالعزيز الكواري
المصدر الشرق الغراء 2-6-2009
http://www.al-sharq.com/articles/more.php?id=149031