(4) القدوس :
التقديس في اللغة التطهير ، ومنه سميت الجنة حظيرة القدس كما ورد
عند البزار من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
عن رب العزة : ( من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه
في حظيرة القدس ، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه
في حظيرة القدس ) ، وكذلك سمى جبريل روح القدس قال تعالى :
( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) [النحل:102].
والقداسة تعني الطهر والبركة ، وقدس الرجل ربه أي عظمه وكبره ، وطهر
نفسه بتوحيده وعبادته ، ومحبته وطاعته , ومن ذلك قول الملائكة :
(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) [البقرة:30] ، فالقدوس لغة يعني المطهر
المنزه عن كل نقص المتصف بكل أنواع الكمال.
والقدوس سبحانه هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا تضرب له الأمثال ، فهو
المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، والتقديس الذي
هو خلاصة التوحيد الحق إفراد اللَّه سبحانه بذاته وأصافه وأفعاله عن
الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين
وأصافهم وأفعالهم ، فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص فقال :
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشورى:11] ، فلا مثيل له نحكم على كيفية أوصافه
من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد
تحكمه كما تحكمهم لأنه القدوس المطهر المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد ، ثم
أثبت الله لنفسه أوصاف الكمال والجمال ؛ فقال سبحانه بعد نفي النقص مطلقا وجملة :
( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى:11] فلا يكون التقديس تقديسا ولا التنزيه تنزيها إلا بنفي وإثبات ، ومن ثم لا يجوز في حق الله قياس تمثلي أو شمولي وإنما يجوز
في حقه قياس الأولى لقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ) [النحل:60].