مقال بقلم لحدان عيسى المهندي
بعنوان
مع د. علي الكواري في كيرلا الهند
وهي ترتب لي حقيبة السفر الى الهند، كيرلا،اتيت لها بكتاب "تنمية للضياع ام ضياع لفرص التنمية" للدكتور على بن خليفة الكواري كي تضعه في الحقيبة، فعرفت الكتاب من عنوانه فقالت، وهي تعلم حساسيتي لمثل هذه المواضيع : " الواحد لي سافر يشوف له شي ايوسع خاطره مهب ايضيق خاطره"، وقد صدق حدس زوجتي في ذلك فقد كانت قراءة الكتاب مؤلمه رغم انها شيقة.
ربما حصلت على هذا الكتاب متأخرا لكنني عندما بدأت قراءة لم استطع وضعه، فقد صحبني في المطار في الطائرة في كل مكان في كيرالا وكأن د. علي يحدثني بهذا الحديث الشيق المؤلم في كل وجهة قصدتها.
اختلطت عندي في قراءتي المتعة بالالم، وقد كنت سمعت هذا التعبير من احد الاجانب قال " Mixing pain with pleasure " ولم اعرفه وقد عرفته الان ، الالم من حالنا الذي وصلنا اليه بزيادة معدل تسارع الانحراف، والمتعة في ان هذا الانحراف شخص سببه الكواري بحرفية علمية، واذاً، معروف علاجه.
المشكلة الحقيقية انك تشعر بالمرض ولا تعرف السبب، لكنك اذا عرفت سببه وشخصه لك دكتور ماهر فما اسهل الدواء، حتى ولو كان مرا، فالتشخيص كما يقال تسعون في المئة من العلاج.
ساق د.علي الكواري في كتابه القيم هذا احصائات كثيرة قيمة واخرج منها نتائج ودلالات علمية منطقية تشخص حالة المجتمع القطري وتحولاته منذ اكتشاف النفط حتى منتصف التسعينيات وقت صدور الكتاب، والخمسة عشر سنة التالية كانت مصدقة لجل استقراءات الكواري حول تحولات المجتمع ان كان لازال هناك عندنا مجتمع.
سبق الكواري الكثير في اخراج مصطلحات تعبر عن وضع المجتمع القطري في ظني لم يسبقه اليها احد فذكر ان المجتمع تحول من حال الانتاج الى حالة الريع اي ان المواطن كان مساهما في الانتاج العام من خلال انتاجه الشخصي كانتاج الغوص مثلا وكان بذلك يملك قرار مجتمعه، ثم تحول الي حالة الريع وهو ريع النفط بالذات فاصبح ريعه معتمدا فيه على الدولة على عوائد النفط فلم يعد يستطع التحكم في قرار المجتمع لانه لم يعد يسهم وبالتالي يتحكم في الانتاج.
مصطلح اخر ذكره الكواري يعجب ويؤلم في نفس الوقت وهو حقيية مرة، وهو مصطلح ان مجتمعنا يمكن ان يطلق عليه "بقايا مجتمع" وهذا في رأيي هو ادق مايمكن ان يوصف به مجتمعنا.
ذكر ان لفظ المجتمع يطلق على تجمع او تجمعات بشرية يجمع بينها ولاء مشترك ومصير مشترك وهم مشترك وان هذا المجتمع يكون فيه الاناث اكثر من الذكور ويكبر بواسطة التكاثر الطبيعي لمنتسبيه، اما مجتمعنا والذي يمثل المواطنون نسبة ١٤ ٪، فان الذكور فيه اكثر من الاناث-العماله والوافدين للعمل- والتجمعات البشرية الموجودة عندنا في قطر كل له هم مختلف ومصير مختلف وولاء مختلف حتى بعض المجنسين القطرين فان مصيرهم وولائهم مرتبط ببلدهم الاصلي لذلك فان كثير من هؤلاء يحمل الجنسية القطرية لكنه مقيم في بلده الاصلي ويعمل هناك وليست قطر بالنسبة له الا "بقرة حلوب" واعتذر عن هذا التعبير فقد آلمني عزيزي القاريء قبل ان يؤلمك ، ثم ساق شبهة مقارنة مجتمعاتنا بالمجتمع الامريكي من حيث هو مجتمع من اختلاط مهاجرين ومع ذلك فهو مجتمع متقدم وله خصوصيته الثقافية والاجتماعية، فقال ان السبب في ذلك والفرق هو ان المجتمع الامريكي يمثل التيار الرئيسي بين السكان على الرغم من وجود مهاجرين، وقد استفاد المجتمع الامريكي من الهجرة "..التي يتم استيعاب بعض افرادها ودمجهم في المجتمع الامريكي واكسابهم الثقافة الامريكية وتعميق الانتماء لديهم ثم اعطائهم الجنسية بما لها من حقوق وعليها من واجبات.. " انتهى "..وان الهجرة لم ينتج عنها تفكك المجتمع بل زادته قوة وحيوية وغذته بالعقول والطاقات دون تحمل تكاليف اعدادها وانشائها.." انتهى، فالمهاجر كي يقبل في المجتمع الامريكي لابد وان يذوب في هذا النسيج الاجتماعي الخاص اولا ويثبت ولاءه وبهذه الطريقة فان المهاجر يعطي للوطن الامريكي اكثر مما ياخذ منه.
يتبع =