بواسطة د. قصي الخنيزي بتاريخ 29 مايو 2010

تبعاً لتقرير أوردته ”بلومبيرج” صدر الأحد الماضي 23/5/2010، وعلى لسان الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس اللجنة العليا للسياسة المالية في دبي، تسعى الإمارات إلى إعادة هيكلة التعامل مع السياسة المالية على الصعيد الاتحادي بموازاة مع جهود مماثلة في إمارة دبي لتنسيق الدين العام والتعامل معه من خلال جهة مركزية اتحادياً للشركات والمنشآت شبه الحكومية بجانب التوجه نحو إنشاء وحدة مركزية لاتخاذ قرارات الديون في دبي. يأتي هذا التصريح في منتدى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا الاقتصادي ”ميناسا” الأسبوع الماضي بعد أن اشرأبت أعناق المستثمرين والاقتصاديين نحو دبي لمتابعة هزة الأسواق العالمية وذعر المقرضين والمنكشفين على ديون الشركات المحسوبة على دبي من البنوك الأوروبية والأمريكية وحملة السندات حول العالم, التي أشعل شرارتها إعلان شركة دبي العالمية تجميد دفع الديون والرغبة في إعادة الهيكلة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009, التي تعتبر شبه حكومية, مع العلم أن نظامها الأساسي ينص على عدم دعم وارتباط حكومة دبي بمطلوباتها.

هذا الذعر والهزة الكبيرة التي أصابت الأسواق والبنوك العالمية, التي كانت حينئذ ما زالت تئن من جراح القطاع المصرفي الأمريكي والأوروبي، وبعد إعلان ”دبي العالمية” قرارها بتجميد تسديد الديون وإعادة هيكلتها فتحت المجال لجميع التوقعات والتحليلات إلى أن قامت شركة نخيل, وهي إحدى شركات ”دبي العالمية”, بتسديد ديونها ممثلة في استحقاقات ديون إسلامية تبلغ نحو 4.1 مليار دولار, مستندة إلى دعم بلغ نحو عشرة مليارات قدمته إمارة أبو ظبي وبنكان ظبيانيان. وعلى الرغم من أن الحكم على أي ملكية لأي شركة يجب أن يخضع لقرار التأسيس والسجل التجاري، إلا أن فوضى ذعر الأزمة المالية العالمية وعدم التدقيق من قبل جهات كثيرة من المقرضين وأخرى تابعة للإعلام الاقتصادي, خلطت بسبيل الخطأ أو التعمد أحياناً بين ديون إمارة دبي وديون شركات دبي دون التمييز بين شركة وأخرى. لذا، تم إصدار عديد من التصريحات من قبل دبي وبصورة حرفية تتعلق بالفصل بين الشركات التي تطلب تجميد الديون وشركات أخرى ليست ذات علاقة بأزمة الديون كشركة طيران الإمارات التي تحقق أرباحاً ممتازة وليس على أدائها والتزاماتها أدنى شك، أي أن دبي حاولت إيضاح الخط الفاصل بين مختلف الشركات التابعة للإمارة وديون كل منها.

حقيقة، وعلى الرغم من الفوضى الإعلامية العارمة بشأن النمو المقرون بالاقتراض في أوروبا وأمريكا والتشكيك بنموذج دبي للنمو الذي يدرس الآن في بعض البرامج الأكاديمية، إلا أن مسألة النمو المقترن بالاقتراض تظل رهينة للظروف المحيطة والخاصة بكل حالة. فليس من العدل سحب أي تجربة لدولة أخرى أو مدينة اعتمدت على الاقتراض في تحفيز الأنشطة الاقتصادية على دبي نظراً لاختلاف الظروف المحيطة ومتغيرات التقييم الموضوعي، حيث إن ميزات إسبانيا والبرتغال واليونان, حتى إيرلندا الإقليمية, تعتمد على متغيرات وعوامل من الصعب استدامتها نظراً لمرونة عوامل الإنتاج في هذه الدول من رأسمال وعمالة وتقنية وسهولة انتقالها إلى دول أخرى, مع الأخذ في الحسبان التشريعات والنظم السياسية التي ربما تؤثر في بعض القرارات الاقتصادية المحورية.

وبالإمكان تقسيم النمو المبني على الاقتراض إلى شطرين: الأول هو الاقتراض بهدف الاستثمار الخارجي الذي يرتبط عضوياً بالتغيرات والتقلبات التي تأخذ مكاناً في الأسواق العالمية وتؤثر بشكل ضئيل وتتأثر بصورة كبيرة بتقلبات الاقتصاد الذي يتم الاستثمار فيه, أو كمعادلة ترجيحية لصافي الاستثمارات الخارجية. أما النمو الاقتصادي الآخر، فهو النمو المبني على الاقتصاد المحلي الذي يصب أولاً وآخراً في الاقتصاد الوطني بغض النظر عن قنوات الاستثمار. فعلى سبيل المثال، ربما يتضمن الاستثمار الداخلي تحسين البنية التحتية المرتبطة بالموانئ أو المطارات أو المواصلات بدراسة جدوى تضمن التناسب المعقول والمطلوب بين العائد وتكلفة التمويل والاقتراض، حيث إن كون تفوق العائد من هذه الاستثمارات يفوق تكلفة الاقتراض تبعاً للجدول الزمني المحدد سيؤدي إلى أن يكون الاقتراض رافعة مالية لتحقيق عوائد تتفوق على تكلفة التمويل. وبالعودة إلى مطالبة دبي للدائنين بالتفريق بين الشركات المدينة ومحاولة إعادة الهيكلة، من المهم التمييز بين الشركات الاستثمارية التي تعتمد على نمو الاقتصاد العالمي وأدائه والمستثمر الأجنبي وتفضيلاته مقارنة بالشركات التي تعتمد على متغيرات مرتبطة بالدورة الاقتصادية المحلية أو تلك المرتبطة بالمستثمر المحلي والإقليمي الأكثر دراية بطبيعة الحال بأداء الاقتصاد المحلي.

وختاماً، لقد استفادت دبي من طفرة الإقراض العالمية منذ عام 2003 أيما استفادة، كما تأثرت بالانقباض الائتماني العالمي في الوقت نفسه. كما تمكنت من توزيع محفظتها الاقتراضية بين الاستثمارات المحلية والعالمية بصورة حققت شكلاً من التنويع المعقد من ناحية الأصول، الجغرافيا، والإدارة. لذا، فإن قرار تركيز الإدارة المالية والإنفاق العام في دبي ربما يصب في مصلحة إدارة محفظة التمويل مقابل تكلفة الاقتراض المتعلق بالمحفظة الاستثمارية ليس إلا، فهما محفظتان في نهاية اليوم، يتوجب تحقيق التوازن بينهما أو تحقيق تفوق الأخيرة على الأولى بتغيير الأوزان الترجيحية لأي منهما للاستمرار في طريق التفوق بحسابات مدروسة. إذن، فالأزمة الحالية لإمارة دبي، ربما تكون مجرد محطة لانطلاق جديد إذا ما تم تحقيق التوازن بين المحفظتين بناء على ثقل كل منهما