بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا حديث ابن مسعود رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال(إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له بعمل أهل النار،وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له بعمل أهل الجنة)حديث صحيح رواه الشيخان(البخاري،ومسلم)
معناه،أن الرجل قد يعمل بعمل أهل الجنة من طاعة الله،ولكن في قلبه أشياء وفي داخله أشياء، ثم ينتقل إلى عمل أهل النار، فيكتب له في ذلك،
وفي بعض الروايات فيما يبدوا للناس يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدوا للناس،يعني داخل قلبه عنده نفاق، وعنده خبث،
فهو يتظاهر بالأعمال الصالحة،وهو غير مؤمنٍ بها،وإنما أظهرها إما رياءً وإما لمقاصد أخرى من الدنيا، ثم يغلب عليه ما كان في قلبه من شر، فيعمل بعمل أهل الشر ويموت على الشر،ويختم له بخاتمة أهل الشر،
وقد يكون عنده عمل نية صالحة طيبة، ثم يتعاطى بعض المعاصي، وبعض الشرور في آخر حياته فيكتب له في ذلك،وقد يرتد عن دينه والعياذ بالله بسبب حظ عاجل،أو بسبب مساعدة المشركين على المسلمين، فيكون في ذلك من أهل النار،لأنه ارتد عن إسلامه بما فعله من النواقض مثل سب الدين، وسب الرسول، صلى الله عليه وسلم،ومساعدة الكفار على المسلمين في الحرب، والاستهزاء بدين الله،وما أشبه هذا من أسباب الردة ،
وهكذا الرجل قد يعمل بعمل أهل الشر زمناً طويلاً،ثم يمن الله عليه بالإسلام فيموت على الإسلام ويدخل الجنة، كما جرى لعمر بن الخطاب،وجمع من الصحابه، كانوا على الكفر والضلال ثم هداهم الله ودخلوا في الإسلام، وبعضهم لم يبق في الإسلام إلا مدة يسيرة أياماً قليلة، ثم توفاه الله، أو قتل شهيداً فدخل الجنة وكان في غالب حياته على الكفر والضلال، ثم هداه الله للإسلام ومات على ذلك،
يعني،عند الموت ما يموت عليه الإنسان، إن مات على خير فهو من أهل الخير، وأن مات على الشر فهو من أهل الشر)وربك حكيم عليم،سبحانه وتعالى،
وإذا كان على أعمالٍ سيئة خُتِمَ له بشر بخاتمة سيئة،
انحرف عن الدين،وما أكثر الذين ينحرفون بسبب الفتن ولا حول ولا قوة إلا بالله،فإذا خُتم له بالإنحراف عن الدين،ولذلك يجدر بالمسلم، إن يسأل الله دائماً، حسن الخاتمة،
وقد قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
لأجل إذا جاءه الموت،يكون على عمل صالح،وإذا وقع بالمسلم خطاً، يبادر بالتوبه ولا يؤجل التوبة(وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ،السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ)فلا تقبل التوبة،عند الغرغرة،
فعلى الإنسان اذا وقع منهُ خطيئة أو زلة، يبادر بالتوبة،والله يتوب على من تاب، لتكون خاتمتهُ،طيبة وحسنة،
وفي رواية للإمام أحمد(وإنما الأعمال بالخواتيم)
والمراد بالأعمال،ما يعمله العبد من عمل صالح أو سيئ،
والمراد بالخواتيم،ما يعمله في ختام عمره وآخر حياته،على أن آخر عمل الإنسان يجازي عليه،
وأن من انتقل من العمل السيئ إلى العمل الأحسن يعتبر تائباً،
ومن انتقل من الإيمان إلى الكفر يعتبر مرتدّاً،
قال ابن حجر،على من يعمل العمل الصالح رياء ونفاقًا ثم يختم له بالشر،
ويدل حديث البخاري(إن العبد ليعمل في ما يرى الناس عمل أهل الجنة،وإنه لمن أهل النار،
ويعمل في ما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة،وإنما الأعمال بخواتيمها)
ويدل في الحديث الذي رواه أحمد (لا عليكم أن لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً،
وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً)
وعن أنس،رضي الله عنه،أن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال(إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً استعمله،فقيل،وكيف يستعمله يا رسول الله،قال،يوفقه لعمل صالح قبل الموت)رواه الترمذي،وصححه الألباني،
أنَّ فلاناً من الناس الذي كان ظاهره الصلاح، فكانت خاتمته سيئة،
فيركن إلى الدنيا،ويدع العمل، فيخسر في الدنيا والآخرة،أو أنه يسوف بالتوبة،ويقول سأتوب في آخر عمري، أو سأفعل، وهكذا،فيبغته الموت وهو على تلك الحال،
قوله(حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)وذلك أن الكافر إذا قال، لا إله إلا الله محمد رسول الله،ثم لم يتمكن من فعل الصالحات، فمات بعد قوله تلك الكلمة دخل الجنة،
بدليل حديث،أبا هريرة رضي الله عنه،يقول،حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يُصلِّ قط،فإذا لم يعرفه الناس سألوه،من هو،
فيقول،عمرو بن ثابت،وكان يأبى الإسلام على قومه، فلما كان يوم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم،إلى أحد بدا له في الإسلام فأسلم، ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة،
فقالوا،ما جاء بك يا عمرو،أحدبٌ على قومك أم رغبة في الإسلام،قال،بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت، ثم أخذت سيفي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني،
ثم لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال(إنه من أهل الجنة)رواه أحمد،
والمسلم الذي كان ظاهره الصلاح إذا تكلم في آخر عمره بكلمة الكفر،والعياذ بالله،دخل النار،
فإن نصيب الإنسان من الدنيا عمره، فإن أحسن استغلاله فيما ينفعه في دار القرار ربحت تجارته، وإن أساء استغلاله في المعاصي والسيئات حتى لقي الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين،
والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله، وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سبباً في هلاكه،
وأمر،سبحانه وتعالى،نبيه،صلى الله عليه وسلم،بقوله(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)سورة الحجر،
أي،استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات، فامتثل،صلى الله عليه وسلم،أمر ربه، فلم يزل دائباً في العبادة، حتى أتاه اليقين من ربه،صلى الله عليه وسلم،
فمن ختم له بخير فقد أفلح ونجح،ومن ختم له بشر فقد خاب وخسر والعياذ بالله،
فعلى كل مسلم أن يخاف من سوء الخاتمة،وأن يسأل الله،عز وجل،الثبات على الدين حتى الممات،
اللهم بشرنا بما يسرنا،وكف عنا ما يضرنا،وثبت يقيننا،وأبعد عنا كل شر يؤذينا،
اللهم فرج علينا فرجاً عاجلاً قريباً،فانت حسبنا يا الله ونعـم الوكيل،
نسأل الله العافية والسلامة،اللهم اميين يارب العالمين.
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيمqtr
