هاشم بن عبد الله الصالح - جامعة الملك فيصل ـ الدمام 17/02/1427هـ
مثلما احتار أرباب الخبرة والفكر في المال والاقتصاد من الصعود السريع للأسهم السعودية في السنتين الماضيتين تنتابهم اليوم حيرة أشد من هذا الانهيار السريع للسوق في ظل ثبات الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده المملكة والتوقعات المستقبلية المبشرة بخصوص الأسعار العالمية للبترول. فمن المتوقع أن يحافظ الاقتصاد السعودي على نمو يتجاوز 6 في المائة سنويا, وهناك ميزانية ستكون لها إسهامات كبيرة في تحريك الكثير من مفاصل الاقتصاد المحلي, ولم يلحظ هناك أي تراجع بالنسبة للعرض النقدي, وفوق كل هذا استطاعت المملكة أن تحظى بعضوية كاملة في منظمة التجارة العالمية. وفي ظل كل هذه المؤشرات الإيجابية ينتفي المبرر الاقتصادي لهذا الانهيار الذي نشهده في السوق السعودية. ولكن من يستطيع أن يقول إن الأسهم ترتفع وتهبط فقط بفعل حركة الاقتصاد, فهناك عدة قوى ومؤثرات تدفع بالمؤشر إما صعودا أو هبوطا. وقد يبدو لنا في بعض الأحيان أن هناك عاملا أو قوة معينة بذاتها تستطيع أن ترفع أو تهبط بالمؤشر مثلما يعتقد البعض أن القرارات الأخيرة لهيئة السوق هي التي تتحمل مسؤولية هذا الانهيار الذي نشهده في الوقت الحاضر. ففي نظر هؤلاء, أخطأت الهيئة عندما ضايقت هوامير السوق والمضاربين الكبار بتدخلاتها المباشرة وغير المباشرة مما دفع بهؤلاء إلى الإضراب عن البيع والشراء وليس بالضرورة الخروج من السوق, وبالتالي بدأ السوق ينحدر ولن يقف هذا الانحدار إلا بعودتهم وبقبول شروطهم. ويضيف هؤلاء أن على هيئة السوق أن تعترف بضعفها وأنها سمحت للقوى المتنفذة بالسوق أن تدفع بالسوق إلى هذه المستويات العالية من الأسعار وهي تعلم علم اليقين أن وراء هذا الصعود المجنون مذبحة حقيقية ستكون لها عواقب وخيمة اقتصاديا واجتماعيا. لقد نفخت ونفخت أسعار الكثير من الشركات وكأنها خراف أطعمت بهرمونات لكي تسمن وتسمن استعدادا لذبحها في حفلة يضحك فيها الكبار وهم يلملمون فيها غنائمهم وينتحب فيها الصغار وهم يحتضنون فيها دموعهم وآهاتهم.
كان السوق في نظر الكثير فرصة لتحقيق طموحات وأحلام وأمانٍ كانت غير ممكنة في أرض الواقع, فالشاب كبرت شقة أحلامه لتصير فيلا كبيرة, والفقير اتسعت دنياه واطمأن أن الفقر لن يكون من نصيب أولاده وعياله, ولكن في ظرف أسبوعين طارت الأحلام وضاعت الآمال وخابت الظنون, فالصغير بات أكثر صغرا والكبير بات أكبر حجما, وريالات الصغار والبسطاء والمساكين اصطادتها شباك الكبار ومن يدري قد تنزع هذه الريالات ثيابها لتلبس لباس الدولار واليورو فصاحبها يستعد للهجرة من جديد. قد يحتج علينا الكبار وممن يتكلمون باسمهم بأن الحياة للأقوى وأن القانون لا يحمي المغفلين, ولكن إذا سمحت فئة لنفسها أن تستغل المواطن فما ذنب الوطن. الملايين من صغار المساهمين حشدوا ما يملكون وما سيملكون ليدفعوا بها في السوق ثقة منهم بما سمعوه من تحاليل وآراء بأن السوق بخير وأنه محصن ما دام الانتعاش الاقتصادي مستمرا ولكن في المقابل ألا يستحق هؤلاء من يهتم بهم ويتكفل بتوعيتهم ويضمن سلامة ما يدور حولهم وخلفهم وبينهم؟ قد يرى البعض أن من الظلم تحميل المسؤولية كلها على هيئة السوق ولكن بالتأكيد لم تستطع الهيئة أن تواكب الحركة المتسارعة للسوق ولم تكن لها إحاطة بكل ما يدور في السوق من نشاطات مشروعة وغير مشروعة، وهذا كان له دور كبير في تهاوي السوق بهذا الشكل وبهذه الصورة المؤلمة. وإذا أردنا أن نبتعد عن شجون السوق ولو قليلا لنتحدث عن بعض الحقائق التي تكشف لنا ما دار وما حدث في السوق وما سيجيء به المستقبل من احتمالات لتوجه السوق إما استمرارا في النزف والهبوط وإما ارتدادا يعيد للأسعار بعض عافيتها. وتفاديا للإطالة سنكتفي بذكر خمسة من هذه الأمور:
1- الكل كان يعرف أن في السوق خليطا غير متجانس من الأسهم, فهناك أسهم لشركات هي فعلا منتجة ولها فرص واعدة للنمو والاتساع وأن المساهمة فيها هو استثمار حقيقي, وفي المقابل هناك شركات متعثرة والبعض منها مشكوك حتى في وجودها كشركة وكيان اقتصادي منتج فعلا. وعندما استساغ البعض لعبة المضاربة على أسهم مثل هذه الشركات المتعثرة أتيحت الفرصة لكبار المضاربين أن يلعبوا لعبتهم وأن يبالغوا بأسعار هذه الشركات ولكن المضارب يبقى مضاربا وليس مستثمرا وخروجه من السهم وارد في أي وقت ومن دون مبررات اقتصادية أو مالية, والمحظوظ من ساير هذا المضارب وخرج في الوقت المناسب ولكن ليس للحظ أصحاب كثر وإلا ما خاطر هذا المضارب في لعبة يريد أن يربح فيها الكثير.
2- لقد كان هناك تغييب كامل للثقافة الاستثمارية بحجة أن السوق السعودية سوق ناشئة وأن المملكة مقبلة على طفرة اقتصادية ستنقل كل الشركات المساهمة, الصغيرة والكبيرة, إلى المستوى العالمي, وبالتالي فهذه الأسعار مبررة في ظل كل هذه المعطيات. فلم نعد نعطي بالا إذا كانت لهذه الشركات قوائم مالية أم تكتفي بتصريحات صحافية تتلون كل يوم, ولم يعد يهمنا أصلا إذا كان لهذه الشركات أرباح تشغيلية حقيقية أم أنها هي الأخرى باتت تضارب في السوق برأسمالها بعيدا عن النشاط التجاري الذي أسست من أجله. وعندما نغيب المنطق والعقل وخبرة من سبقنا فإننا بالتأكيد سنتحرك في ظلام, وإذا كنا لا نلام إن سقطنا في حفرة لم نرها بسبب الظلام فإننا بالتأكيد نحن من أصر على أن يطفئ النور ويسير في الظلام.
3- يعرف خبراء المال والاقتصاد أن الانفتاح في الاقتصاد هو مطلب مهم وضروري لدفع عملية التنمية بشرط أن يحاط هذا الانفتاح بشفافية وأطر تنظيمية صارمة تؤمن النزاهة والعدالة وتضمن حقوق كل الأطراف. وعندما تتسارع وتيرة الانفتاح وتتباطأ وتتلكأ الأنظمة في كشف المستور وإنارة الواقع فإن هذا الانفتاح سيعود بالضرر على الاقتصاد الوطني. وحالة الانهيار التي يشهدها السوق السعودي هي نتيجة لأننا ارتضينا بانفتاح ونمو في تجارة الأسهم تدعمه بعض المقومات الاقتصادية الحقيقية ولكن لم نردف هذا الانفتاح بمؤسسات وأنظمة قوية ترشد من حركة هذا الانفتاح وتضمن للمساهم الحد الأدنى من الشفافية والنزاهة.
4- الجميع يريد أن يعرف هل هناك من عودة تخفف من خسائرهم وتعيد لهم أموالهم ومدخراتهم وما زادوه عليها من قروض واقتطاعات من هنا وهناك, لقد تعبوا وهم ينتظرون ذلك الارتداد الذي يعدهم به البعض من المحللين وإن كان بتفاؤل حذر. انحدار المؤشر بهذه القوة لا يقف في طريقه نقاط مقاومة أو مستويات ممانعة ولن يوقفه إلا القاع والأمل أننا قد قربنا من الوصول إليه لنأمل بعدها عودة هادئة تعيد ثقتنا بالسوق وبما يتيحه من فرص استثمارية تقوي من اقتصادنا الوطني. بالتأكيد هناك جانب نفسي وراء التأخر في عودة السوق ولكن لا بد أن تتاح فرصة كافية للمستثمرين صغارا وكبارا أن يستوعبوا صدمة هذا الانهيار وأن يتقبلوا المستويات الجديدة من الأسعار وأن ينسوا بعض الشيء جمال الأرقام السابقة وحتما ستعود الشجاعة والجرأة للكثير من المساهمين للمباشرة من جديد في شراء الأسهم وتحريك المداولات التي تبعث الحياة في السوق.
5- هناك فرصة كبيرة لهيئة السوق أن تدرس ما حدث للسوق بانطلاقته وبانحداره, ولن تعذر بعد اليوم أن تترك الأمور من دون ضبط وعليها أن تكون هي الهامور الأكبر والأقوى في السوق الذي يقف لكل المتلاعبين وبكل حسم وشفافية. ولا يعني هذا دعوة للمزيد من البيروقراطية والتردد لاستثمار كل الفرص المتاحة لتطور السوق ونموه. ويحق لنا أن ننتظر من مؤسسات الدولة المختلفة أن تبادر بتأسيس شركات مساهمة يكون لها دور اقتصادي وتنموي لأن اتساع وجود مثل هذه الشركات ذات الأساس الاقتصادي المتين سيبعد السوق مستقبلا من مخاطر المضاربات وتلاعب المضاربين.
الآن وبعد أن حدث الانهيار وتناثرت بقايا البالونة المنفجرة على رؤوسنا جميعا, علينا أن نعود لأنفسنا لنبني أحلاما جديدة وأماني جميلة ولكن بتمهل ومن دون مبالغة ومخاطر عالية, فالإثراء السريع والربح السريع قد يغرينا ولكن وكما شاهدنا في الأيام الماضية, الربح الذي يأتي بسهولة قد يطير قبل أن تمسكه أيدينا وتنعم به نفوسنا. لقد استعجلنا ببناء سوق أسهم كبير جدا وصرنا نتفاخر به بأنه الأكبر في الشرق الأوسط, ولكن نسينا أن اقتصادنا لا يزال في بداية انتعاشه ولا ندري هل نسينا أن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة؟

تعليقات الزوار
- ابها 17/02/1427هـ ساعة 11:29 صباحاً (السعودية)

ردا على عنوان الكاتب الفاضل انهيار الأسهم.. قدر أم خطيئة؟
اقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين .وبينهما امورا متشابهات .فمن استبرأ ......... الحديث