- قال ابن جرير: "حدثني محمد بن سعد، قال : ثنى أبي، قال : ثنى عمي، قال : ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس - رضي الله عنهما- في قوله : "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن"، إلى قوله: "وكان الله غفورا رحيما"، قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة، فأمر الله النساء أن يدنين عليهن من جلابيبهن، وإدناء الجلباب : أن تقنّع وتشد على جبينها".
وساق سنده إلى قتادة ومجاهد وأبي صالح بمثل هذا المعنى والسبب في نزول الآية.[التفسير 19/182-183]
وروى ابن سعد في طبقاته [8/176،177] عن محمد بن كعب القرظي قال : "كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المسلمين ويؤذيهن، فإذا قيل له، قال: (كنت أحسبها أمة)، فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن، تخمر وجهها إلا إحدى عينيها، يقول: "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"
وهذا المعنى تتابع المفسرون على حكايته في تفسير هذه الآية، فكلهم ذهبوا في قوله تعالى : "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"؛ أي يعرفن أنهن حرائر، بتغطية وجوههن وأجسادهن بالجلباب، حتى يتميزن عن الإماء.
- قال القرطبي في تفسيره [14/243] : "لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن، كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن، إذا أردن الخروج إلى حوائجهن".
- قال البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل [4/386]: "يدنين عليهن من جلابيبهن" يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن، إذا برزن لحاجة.
- قال الإمام النسفي في تفسيره مدارك التنزيل [3/315]: "يدنيهن عليهن من جلابيبهن" يرخينها عليهن، ويغطين وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك. و (من) للتبعيض، أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها، تتقنع حتى تتميز من الأمة.
- قال ابن جزي الكلبي في تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل [534]: "كان نساء العرب يكشفن وجوههن، كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن، ويفهم الفرق بين الحرائر والإماء، والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، وقيل: هو الرداء. وصورة إدنائه عند ابن عباس: أن تلويه على وجهها، حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها. وقيل: أن تلويه حتى لا ينظر إلا عيناها. وقيل: أن تغطي نصف وجهها".
- قال شيخ الاسلام ابن تيمية [الفتاوى 22/110] :
"قبل أن تنزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذا ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها، لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب، بقوله: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" حجب النساء عن الرجال".
قال : السيوطي : "هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن" [عون المعبود شرح سنن أبي داود 12/158، اللباس، باب قول الله تعالى: "يدنين عليهن.."]
ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن الإمام أحمد :
" كل شيء منها عورة حتى ظفرها" ثم قال : وهو قول مالك. مجموع الفتاوى، الجزء 22، صفحة 110
قال الحافظ في الفتح في كلامه على لبس المحرمة :
قال سعيد بن منصور : " حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها "
ثم قال : قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال:، ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر "
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَراً )البخاري في الصحيح
قال الحافظ في شرحه للحديث :
" قوله: (من) يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص، وقد فهمت ذلك أم سلمة رضي الله عنها فأخرج النسائي والترمذي وصححه من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر متصلا بحديثه المذكور في الباب الأول " فقالت أم سلمة : فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرا، فقالت : إذا تنكشف أقدامهن؛ قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه " لفظ الترمذي" . ثم قال الحافظ :
" فهمت الزجر عن الإسبال مطلقا سواء كان عن مخيلة أم لا، فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة، لأن جميع قدمها عورة ".
نعود إلى قول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
"النساء كن يظهرن أقدامهن أولا كما يظهرن الوجه واليدين كن يرخين ذيولهن فهى إذا مشت قد يظهر قدمها ولم يكن يمشين فى خفاف وأحذية وتغطية هذا فى الصلاة فيه حرج عظيم وأم سلمة قالت ( تصلى المرأة فى ثوب سابغ يغطى ظهر قدميها ) فهى إذا سجدت قد يبدو باطن القدم
وبالجملة قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها فى الصلاة أن تلبس الجلباب الذى يسترها إذا كانت فى بيتها وإنما ذلك إذا خرجت
وحينئذ فتصلى فى بيتها وإن رؤى وجهها ويداها وقدماها كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن فليست العورة فى الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا
وابن مسعود رضى الله عنه لما قال (الزينة الظاهرة هى الثياب) لم يقل إنها كلها عورة حتى ظفرها بل هذا قول أحمد يعنى أنها تشترط فى الصلاة فإن الفقهاء يسمون ذلك ( باب ستر العورة) وليس هذا من ألفاظ الرسول ولا فى الكتاب والسنة أن ما يستره المصلى فهو عورة بل قال تعالى ((خذوا زينتكم عند كل مسجد )) ونهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عريانا فالصلاة أولى وسئل عن الصلاة فى الثوب الواحد فقال ( أو لكلكم ثوبان ) ". مجموع الفتاوى، الجزء 22، صفحة 115
أقول : أفتكون القدمان عورة وفتنة والوجه لا ؟؟!!! سبحان الله .
قال القاسمي في تفسيره محاسن التأويل [انظر: عودة الحجاب 3/201]: "أمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليحتشمن ويهبن، فلا يطمع فيهن طامع".
- قال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان [6/586] : "ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن".
قال المفسر الواحدي : قال المفسرون : يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر.
وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود [12/158]، اللباس، باب في قوله الله تعالى : "يدنين عليهن من جلابيبهن" : "أي يرخين بعضها على الوجوه، إذا خرجن لحاجتهن، إلا عينا واحدة، كذا في الجلالين. وقال في جامع البيان: الجلباب: رداء فوق الخمار، تستر من فوق إلى أسفل؛ يعني يرخينها عليهن، ويغطين وجوههن وأبدانهن".
- قال إمام الحرمين الجوينيُّ، رحمه الله : اتفق المسلمون على منع النِّساء من الخروج سافرات الوجوه؛ لأنَّ النَّظر مظنَّة الفتنة، وهو محرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع سدُّ الباب فيه، والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية.
(روضة الطالبين 7/24)، و بجيرمي على الخطيب (3/315).
والروضة لعالم شافعي كذلك. وهذا الاجماع يفهم كذلك من كلام علماء شافعية آخرين .
- قال العلامة الشافعي ابن حجر، رحمه الله : استمر العمل على جواز خروج النِّساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهنَّ الرِّجال (فتح الباري 9/337).
- وقال الغزَّاليُّ، رحمه الله : لم يزل الرجال على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه، والنِّساء يخرجن منتقبات (فتح الباري 9/337).
- وأما المالكية فقد " ذكر الآبِّيُّ : أنَّ ابن مرزوق نصَّ على : أنَّ مشهور المذهب وجوب سـتر الوجـه والكفين إن خشـيت فتنة من نظر أجنبي إليها (جواهر الإكليل 1/41).
ولمطالعة مزيد من أقول الفقهاء المالكية في وجوب تغطية المرأة وجهها، يُنظر :
المعيار المعرب للونشريسي (10/165و11/226 و229)
ومواهب الجليل للحطّاب (3/141)
والذّخيرة للقرافي (3/307)
والتسهيل لمبارك (3/932)
وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/55)
وكلام محمد الكافي التونسي كما في الصارم المشهور (ص 103)
وجواهر الإكليل للآبي (1/186).
وأما السادة الحنفية فنقل بعضهم الاجماع كما ورد آنفا :
قال سماحة مفتي باكستان الشيخ محمَّد شفيع الحنفيُّ: وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء، وجمهور الأمَّة على أنَّه لا يجوز للنِّساء الشوابّ كشف الوجوه والأكفّ بين الأجانب، ويُستثنى منه العجائز؛ لقوله تعالى :[وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ ] (المرأة المسلمة ص 202).
وقال السهارنفوريُّ الحنفيُّ، رحمه الله: ويدلُّ على تقييد كشف الوجه بالحاجة: اتفاق المسلمين على منع النِّساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لاسيما عند كثرة الفساد وظهوره (بذل المجهود شرح سنن أبي داود 16/431).
وأما الإمام أحمد فكما سبق آنفا :
قال الإمام أحمد، رحمه الله : ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها فلا تُبِن منها شيئاً ولا خفها، فإنَّ الخفَّ يصف القدم، وأحبُّ إليَّ أن تجعل لكمها زراً عند يدها حتَّى لا يبن منها شيء (انظر الفروع 1/601).
وقال ابن تيميّة، رحمه الله : وقبل أن تنزل آية الحجاب كان النِّساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرِّجال وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تُظهر الوجه والكفين ... ثم لما أنزل الله -عز وجل- آية الحجاب بقوله: [يَـأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ]حجب النِّساء عن الرِّجال.
وقال : وكشف النِّساء وجوههنَّ بحيث يراهنَّ الأجانب غير جائز، وعلى ولي الأمرِ الأمرُ بالمعروف والنهي عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنَّه يعاقب على ذلك بما يزجره.
- وقال ابن القيِّم، رحمه الله : الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههنَّ عن الأجانب، وأمَّا الإماء فلم يوجب عليهنَّ ذلك .
- ورد عن السيدتان عائشة وأسماء رضي الله عنهما :
" قولهما في الإحرام كنا بالجمع فإذا حاذينا الرجال, سدلت إحدانا خمارها على وجهها, فإذا جاوزونا كشفنا".
ختاما همسة للأخ الكريم عبد العزيز :
الشيخ الألباني رحمه الله كتب مسودة الكتاب وكان ردا على الشيخ التويجري، ولكنه ما أراد أن ينشرها، ثم نشرها من بعده من نشرها !
نافخا في كير الفتنة أو طامعا في متاع الدنيا ! وإلا فما الذي منع الشيخ الألباني رحمه الله تعالى من الإنتظار اثنتين وعشرين عاما لينشر رده المفحم ، إن كان يريد أن ينشره !!!
ولا أحسب مثل العلاّمة الألباني رحمه الله يحتاج لإثنتين وعشرين عاما ليكتب مثل هذا الرد ! إلا أن يكون كتاب الشيخ التويجري (والذي نشرته دار شامية !) قد خفي على الشيخ الألباني (الشامي) رحمه الله طوال هذه المدة !!!