بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السخرية بدعوى المزاح


قال الله تعالى(ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمانِ ومن لم يتب فأولئك هم



الظالمون)نهى الله تعالى المؤمنين عن السخرية من الآخرين مهما كانت صفاتهم وأوضاعهم، فلعل من يسخر منه وينظر إليه نظرة احتقار واستخفاف, خير وأحب إلى الله من الساخر الذي يعتقد بنفسه الكمال، ويرمي أخاه



بالنقص ويعيره, نهى الله تعالى المؤمنين عن تبادل الشتائم،بالألفاظ القبيحة، لأن ذلك يوقع البغضاء بينهم،ومن لم يستجب لله ويبتعد عن احتقار الناس وإيذائهم فقد ظلم نفسه، ومن لبس ثوب الظلم فقد هيَّأ نفسه لانتقام الله الذي



يستحقه حقاً وعدلاً,والسخرية لا تنبعث إلا من نفس مريضة ملوثة بجراثيم العجب والتكبر،لقد استهان إبليس بآدم وسخر منه قائلاً( أنا خير منه )فباء بالخسارة والخذلان،ولو أنه أمعن النظر في صفات آدم لأدرك أنه يمتاز عليه



بصفات كثيرة، أوجدها الله تعالى فيه ليكون مخلوقاً متوازن الصفات,أما إبليس حمله تكبره وطغيانه على الإلقاء بنفسه في دائرة غضب الله تعالى ولعنته,إن سخرية الإنسان من أخيه الإنسان يسعى في تمزيق الأخوة الإيمانية،



حيث يستعلي المرء بماله، أو حسبه، أو جاهه مفاخرة ومباهاة ,دون أن يدرك إمكانية تفوقهم عليه بمواصفات لا تتوافر فيه، وهذه كلها أسلحة إبليس يضعها بين أيدي الخلائق ليفرق بينهم، وليزرع العداوة والبغضاء في



قلوبهم,قال تعالى(ولا تلمزوا أنفسكم)من اللمز التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها من قبيل السخرية والعيب، ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه,أما الألقاب التي تكسب حمداً أو مدحاً فلا تكره، فقد أُطلق



على أبي بكر (الصدِّيق) وعلى عمر (الفاروق) وعلى عثمان (ذي النورين) وعلى علي (المرتضى)قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)أما عن المزاح ألا يكون



فيه شيء من الاستهزاء بالدين,يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ,الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه,كالإستهزاء ببعض السنن على سبيل المزح، وببعض الأحكام الشرعية كتقصير الثوب وإعفاء اللحية أو



الصلاة والصوم وغيرها,ألا يقول إلا صدقاً ولا يكذب,ولا سيما أولئك المعتادين لذكر الطرائف الكاذبة بقصد إضحاك الناس,وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال(ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له)ولا شك



أنهم وقعوا في ذلك بسبب الفراغ وضعف الإيمان والبعد عن ذكر الله ـ تعالى ـ، ومصاحبتهم لجلساء السوء الذين يزينون لهم بعض المحرمات,وعدم السخرية والاستهزاء بالآخرين,فتلك محرمة وتعد من الكبائر،ويعد من صفات



المنافقين,ويخشى على المستهزئ أن تعود عليه تلك الخصلة التي يسخر من غيره فيها فيتصف بها ويبتلى بفعلها,لقوله صلى الله عليه وسلم(لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك)ولقد نهى النبي صلى الله عليه



وسلم عن السخرية بالمسلمين فقال(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره,التقوى هاهنا ,ويشير إلى صدره ثلاث مرات,بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم,كل المسلم على المسلم حرام,دمه، وماله،



وعرضه)ينبغي ألاَّ يداوم على المزاح,لأن الجد سمات المؤمنين،فبعض الناس لا يفرق بين وقت الجد واللعب,إن العالم والكبير لهم من المهابة والوقار منزلة خاصة، ولأن المزاح قد يفضي إلى سوء الأدب معهما غالباً فينبغي



الابتعاد عن المزاح معهما خشية الإخلال بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم,حيث يقول(إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم)وكذلك من آداب الإسلام ألاَّ يمزح مع الغريب الذي لا يعرف طبيعة نفس المازح,فهذا يؤدي إلى



استحقار المازح والاستخفاف به, فهذا عمر بن عبد العزيز يقول,اتقوا المزاح, فإنه يذهب المروءة,قال سعد بن أبي وقاص لابنه,اقتصد في مزاحك, فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرئ عليك السفهاء,لأن من كثر كلامه كثر



سقطه، فهو لا يشعر أنه وقع في الإثم أصلاً,لأنه في زعمه إنما يقول في فلان مازحاً غير قاصد ذلك,وفي سنن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول,اتق الله فينا,فإنما نحن
بك,فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)



أسأل الله أن يؤدبنا بآداب الإسلام، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم.