كثيرا ماقرأت في الصحف الرسمية او المنتديات او سمعت او رأيت بعض الاشخاص ينادي شخصا كبير السن او اكبر منه سنا بكلمة ياوالدي كنوع من التقدير والاحترام
او تتناقل الصحف والمنتديات هذه الكلمة مثل توفي الوالد فلان او مرض الوالد فلان او ينادي شخصا جاره الطاعن في السن ياوالدي
وكان لزاما ان نبين الفرق في المعنى ومتى وكيف وعلى من تصلح ان تقال هذه الكلمة
التي لابد لنا من معرفة الفرق في القول بين الوالد والأب
الفرق بينهما: أن الوالد لا يطلق إلا على والدك من غير واسطة والذي كان هو سببا بولادتك من صلبه
والأب: قد يطلق على الجد البعيد ..
او الرجل الطاعن في السن او المربي ومنه يظهر الفرق بين الولد والمولود، فإن الولد يطلق على ولد الولد أيضا، بخلاف المولود، فإنه لمن ولد منك من غير واسطة .
كلمة أبّ تدلّ على الأبوة بحكم تربية الأب لأولاده والأبوّة هي باعتبار قدرة الإنسان على تربية أولاده ومسؤوليته عنهم ورعايته لهم
كلمة والد في القرآن الكريم تعني كل من هو قادر على الإنجاب
والوالدية مُطلقة وعليه فيجب البر بالوالدين ولو كانوا مشركين أما الأبوة فهي خاصة وكل أب وأم تختلف تربيتهما لأولادهما عن غيرهم
فى تقديرى فان الوالد هو الذى ولـِد و أنجب .. العلاقة هنا علاقة خروج جسد من جسد:
(وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)) البلد

(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)) المجادلة

(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)) البقرة
نلاحظ ان لفظ اولادهن يشمل البنين والبنات لان اللفظ يفيد الولادة او الانجاب.
علاقة الوالد والمولود علاقة بيولوجية لا يتميز فيها الانسان عن الحيوان..لذلك نجد ان حقوق الوالد ثابتة لا تتغير حتى مع اختلاف العقيدة:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)) لقمان
الوصية هنا للوالدين وليس الابوين...لان "الولادة" لها حقوق ثابتة لا تتغير بتغير العقيدة.
اما "الأب" فهو الذى يربى أى يشكل الفرد نفسيا وفكريا وإجتمعايا وعقائديا...."الوالد" يمكن ان يكون نفسه هو الاب: اى يلد ثم يربى..
اما لفظ "الاب" يرمز لعلاقة التربية وتشكيل شخصية فقط...لذلك نجد إنتقاء القرآن للفظ الابوة – حتى مع الوالد- لتغليب علاقة التربية وتشكيل الشخصية على على علاقة الولادة الجسدية حينما يكون الاب الذى ربى هو نفسه الوالد الذى ولد كما فى قصة يوسف عليه السلام:
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

نلاحظ هنا ان يعقوب كان والد يوسف عليهما السلام...لكنه ايضا كان والد اخوته... لكن الذى ميز صلة يوسف بابيه هو انه اتبع ملته وتربيته اكثر من اخوته الذين شاركوه فى الولادة من ابيه:
(قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)) يوسف

بمعنى ان يعقوب كان والد يوسف, لكن سبب الثقة بينهما كانت الابوة وليس الولادة التى اشترك فيها يوسف مع اخوته لكنه تميز عنهم انه كان اقرب الى ابيه منهم. فكان سياق قصة يوسف كلها فى اطار الابوة وليس الوالدية:
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)) يوسف

وكانت نهاية القصة منطقية فى ذات السياق, حيث نلاحظ هنا ان يوسف حمل ابويه على العرش......ليس والديه.... هذا يعنى ان حملهم على العرش ليس من باب التوريث (الوالدين) وانما تكريما للتربية التى قادته الى ذالك المقام الكريم. نلاحظ ايضا ان الاب يمكن ان يكون ذكر او انثى لانه حمل "أبويه":
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)) يوسف

على النقيض من علاقة الابوة الايجابية تلك, لكن فى ذات السياق الذى يخصص الابوة تخصيصا فكريا تربويا, نجد ابراهيم عليه السلام كان فى علاقة أبوّه مختلفة:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)) الانعام
الى هنا فان السياق اللغوى يحتمل ان يكون أبو ابراهيم المعنى هنا هو نفسه والده, لكن السياق سياق يركز على العلاقة الفكرية والعقائدية....لكن الآية التالية تلمح الى ان اباه المعنى لم يكن والده:
(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)) التوبة
لو كان والده لما تبرأ منه مهما اختلف معه فى العقيدة وانما كان الواجب ان يصاحبه فى الدنيا معروفا لان ذلك حق الوالد وان كان مشركاً.
تداخل مفهوم الابوة والوالدية له تداعيات كثيرة معقدة خصوصا حينما يدخل فى ظروف العلاقات الاسرية والموت والميراث...لكن للاختصار اتجاوز تلك المواضع واكتفى بلفته فنية لغوية فكرية فى الآية
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)) الاحزاب
الواقع ان محمداً قبل البعثة كان قد تبنى زيد وفق العرف السائد فى المجتمع.... والواقع ان محمداً ربى زيداً وشكل شخصيته كما هو معروف, وان لم يكن والده....لكن الآية تفيد ان الاسلام لم يلغ مفهوم التبنى فحسب, وانما اوضح ان محمد ابن عبدالله ابن عبدالمطلب كان نبيا رسولا فى علم الله وتقديره حتى قبل البعثة, وان كلما وقع منه كان من تمهيدات النبوة والرسالة التى يشترك فيها زيد مع كل افراد امته, وان كان زيدٌ سعيد الحظ قد سماه القرآن بالاسم ورباه محمدٌ فردا قبل البعثة.
اى ان القرآن ينفى تلك الابوة لانها لم تكن امرا عشوائيا كما كان سائدا فى المجتمع الجاهلى , وان محمدا لن يربى زيدا وفقا لهواه وانما كانت من ارهاصات النبوة التى دبرها الله تعالى لمحمد ان يرعى زيدا... تمهيدا لرعايته كل المجتمع المسلم...لذلك يجب ان نعرف متى ولمن نقول يا أبي او يا والدي
ولكم الشكر