بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلمات في الحب

الحب ميل الطبع إلى الشيء، والانجذاب نحوه، بشتى أنواع الانجذاب ، والحب من فطرة الإنسان التي فطر الله الخلائق عليها، وهو ميل فطري في الطبع السليم، ولا حياء منه ولا خجل، فهو مجبول مع طبيعة كل إنسان، يدخل شغاف القلب, فيرهف الأحاسيس، ويرقق المشاعر، والحب يغيُّر الطباع، ويحسِّن الأخلاق، وينشِّط الهمم,والحب متنوع متعدد، فقد يحب الإنسان نفسه، وقد يحب المال والثروة، أو الجاه والمنصب، أو يحب الوالدين والعائلة، أو يحب الأصدقاء والأخلاء، وقد يحب امرأة بعينها,وينصرف المحب إلى محبوبه بالكلية، فيهيم فيه شوقاً، وينسى كل ما حوله ويذوب في محبوبه ، فمن الإعجاب حتى الألفة والمحبة، ثم الوجد والشوق، ثم الوله والتيم، إلى آخر هذه المراحل, وكثير من الناس من ينزل تحت أوامر المحبوب سلباً وإيجاباً، وطواعية وسمعاً، وقد أخذ منه الحب كل مأخذ، حتى أصبح لا يرى ولا يسمع ولا يتنفس إلا ذكر المحبوب، وقد قيل, حبك الشيء يعمي ويصم,فيظن أن الوجود كله تمثل في محبوبه, وهذا من المبالغة المذمومة، والانجراف السيء، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه,أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما,وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما,وقد تقبل الإسلام الحب، وشرع له سبلاً وطرقاً، فمهد للزواج بالخطبة، ومهد للخطبة بالسؤال وكيفية اختيار صفات الطرف الآخر، وقد صرح الصحابة بحبهم في غير مناسبة أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر أو يعنف عليهم، ولكن كان الموجه والمصوّب،هذا إن كان المحبوب من البشر، إلا أن أعظم الحب هو ذلك الذي يكون لله جل وتعالى، فذاك الحب مما يصعب وصفه، ولا يعرفه إلا من ذاق طعمه،إن ذلك الرب الكريم الذي منح الإنسان وجوده وأعطاه من الملكات ليستفيد من كل شيء، أجدر بمحبة القلب وانشغاله من العبيد، والذين آمنوا أشد حباً لله، وهو تعالى أشد محبة لنا كما قال(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) فقدم محبته على محبتنا، ومع أنه تعالى هو الذي خلقهم ورزقهم وتولاهم، فهو سبحانه يقدم حبه على حبهم,ولا يكتمل إيمان المرء حتى يغلب حب الله تعالى على حب كل شيء في نفسه، ولست أجد أرق من الحديث القدسي الذي يرويه لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسالة صادقة من ربه إلينا ,يقول الله تعالى(يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ عَلَى مَا كَانَ فيكَ ولا أُبالي, يا ابنَ آدمَ لوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالي, يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لوْ أتيتني بِقُرابِ الأَرْضِ خَطَايا ثُمَّ لَقِيتَني لا تُشرِكُ بي شيئاً لأتيتُكَ بِقُرابِهَا مَغفِرةً)ومن بعد محبة الله تعالى تأتي محبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم القائل(والذي نفسي بيده, لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده وماله وأهله والناس أجمعين)وحديث عمر رضي الله عنه شاهد ودليل حين قال للرسول صلى الله عليه وسلم,لأنتَ أحب إليّ من كل شيء إلا نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم(لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) فقال له عمر رضي الله عنه, ,فإنك الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم(الآن يا عمر)إن المرء مع من أحب في دنياه، ويُحشر معه في أخراه، فلينظر أحدنا من يخالل,ومن يحب, وما يحب.