بواسطة مارون بدران بتاريخ 18 ديسمبر 2010

في ندوة نظمها بنك «إتش إس ب ي سي»، منذ أيام في الكويت، اعتبر رئيس استراتيجيات العملات الأجنبية في البنك البريطاني، ديفيد بلوم، أن الأزمة المالية العالمية ما زالت في ذروتها. فحسب رأيه، لم يكن انهيار بنك ليمان براذرز هو ذروة الأزمة، كما الاعتقاد السائد في أوساط المستثمرين، خصوصاً أن الأسواق العالمية تشهد اليوم ما هو أخطر من «ليمان»!

وتتقاطع قراءة بلوم مع تحاليل وتحذيرات كثيرة مشابهة، صاغها، أو صرح بها أخيراً عدد من كبار الماليين والاقتصاديين في العالم. وللعلم أن «إتش إس بي سي» البريطاني، من أكثر البنوك العالمية أماناً، خصوصاً أنه استطاع تجاوز الأزمة من دون مساعدة حكومية، كما هي حال الكثير من المصارف العملاقة.

وكان، على سبيل المثال لا الحصر، المحلل الاقتصادي ومؤلف كتاب «البجعة السوداء»، نسيم طالب، أبدى، الأسبوع الماضي، تخوفه من اتجاه العالم نحو أزمات أخرى في المستقبل. وبدوره، اعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك نورييل روبيني أن «جذور الأزمة المقبلة تكمن في الأزمة الحالية». لكن لماذا لا يزال التشاؤم يسيطر على أوساط بعض المحللين؟ وعلى ماذا اعتمدوا في نظرتهم هذه؟

يمكن تقسيم العوامل والأسباب التي ارتكز عليها المحللون لبناء قراءتهم كالتالي:

1- انتعاش الاقتصاد الأميركي ضعيف

يشير بلوم الى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) يدرك تماماً مدى استمرار خطورة الوضع في الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة، والا لما لجأ الى طباعة الدولارات وبدأ بضخ 600 مليار دولار في السندات والأسواق، تطبيقاً لما يعرف بسياسة «التيسير الكمي». فالبطالة في مستويات مرتفعة تاريخياً، وقاربت نسبة العاطلين عن العمل %10 من القوى العاملة، كما أن قطاع المساكن ما زال يعاني من الضعف الشديد، الذي واجهه منذ «اشتعال فتيل» الرهن العقاري.

وعلى الرغم من بدء الحكومة باستراتيجية الخروج من رؤوس أموال بعض الشركات، مثل «جنرال موتورز» و«سيتي بنك» و«إي آي جي»، الا أن ولايات كثيرة توشك على الافلاس بسبب تعثرها في دفع ديونها. وآخر العنقود كان لجوء ولاية كاليفورنيا، برئاسة الحاكم «البطل» أرنولد شوارزنيغر، الى خطة تقشف صارمة ومفاوضات لاعادة هيكلة ديون ضخمة.

ويقول روبيني في مقابلة نشرتها مجلة «فورين بوليسي» في عددها الأخير لشهر ديسمبر الجاري، ان الولايات المتحدة الأميركية تواجه خطراً جدياً في العودة الى الركود، بعد نمو بطيء في عام 2010. فهو يجادل بأن «جذور الأزمة الحالية لم تتم معالجتها كما يجب، وأن مستويات الديون غير الصحية في تزايد مستمر». ويعتبر أنها مسألة وقت فقط «حتى نبدأ بمشاهدة عودة الافلاسات من جديد».

2- أزمة الديون الأوروبية السيادية خطرة

لا جدال حول مدى خطورة الوضع في منطقة اليورو، وفي ازمة الديون السيادية الاوروبية. فالمشكلة لم تعد في قطاع خاص، قد يعتمد على الحكومة في مساعدته، بل في دول اوشكت وتوشك على الافلاس بسبب الاستدانة المفرطة والميزانيات العامة الضعيفة. ويتوقع بلوم الا تقتصر الازمة على اليونان وايرلندا وقد تتعداها الى دول اخرى.

وبالطبع من الدول المرشحة هي اسبانيا والبرتغال، والحبل على الجرار. فالى متى ستتحمل المانيا، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي وبعض الدول الاسكندينافية، وزر انقاذ الجيران؟

ويعتبر بلوم ان ارتفاع مستوى ترابط الاسواق خلال الازمة «زاد الطين بلة». لذا بات للعبة سقوط احجار الدومينو معنى اشمل واوسع واقصى. والجدير ذكره ان في الجانب الاخر من الكرة الارضية، تنام اليابان، ثاني اكبر اقتصاد في العالم، على برميل ديون ضخم، يكاد ينفجر ايضا بين لحظة واخرى. وما استمرار «المركزي» في بلاد «الساموراي» بضخ تريليونات الينات في الاسواق الا دليل على التخوف من المستقبل.

3- عودة «غول» التضخم إلى الأسواق الناشئة

العالم في حيرة. ايهما اخطر بالنسبة للاقتصاد العالمي: الانكماش المحتمل في الدول المتقدمة ام الضغوط التضخمية العائدة في الاسواق الناشئة؟ فأغلب الدول حول العالم خفضت اسعار الفائدة الاساسية الى مستوياتها الدنيا. والامر مستمر على حاله منذ سنتين، ونيف. وتشير الارقام المنشورة اخيرا الى ارتفاع في الطلب الاستهلاكي في الدول الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل ودول الخليج. وهذا ما سترافقه زيادة في اسعار المستهلك والتضخم، وفق توقعات المحللين.

ويعتبر هؤلاء ان الخطورة تكمن في احتمال توجه الدول النامية الى رفع الفائدة لمحاربة التضخم، في وقت ما زالت الشركات الرازحة تحت الديون «تلعق جراحها»، والاستراتيجيات الحكومية للخروج من الاسواق غير واضحة بعد.

4- النفط يشتعل على نار حرب العملات

اكثر الاسواق تقلبا في الفترة الاخيرة هي اسواق العملات. فمرة «يبشر» المحللون بانتهاء عصر الدولار كعملة احتياط عالمية، ومرة اخرى «يفتي» الخبراء بضرورة التحوط لان اليورو اوشك ان يقع. وعلى صوت قرع طبول حرب العملات، يرقص برميل النفط الذي ارتفع سريعا وتخطى سعره مستويات 90 دولارا في اقل من شهرين. ويعتبر المحللون ان ارتفاع سعر النفط الذي اججه ضعف الدولار الاميركي غير صحي بالنسبة لتعافي الاقتصاد العالمي. فقطاعات الاستهلاك والتجارة والانتاج لم تتعاف كليا من جراح الازمة المالية، والتمويل المصرفي ما زال يعاني «عسر هضم».

كما يعتقد هؤلاء ان لحرب العملات، التي اشتعلت بين الولايات المتحدة من جهة، والصين واليابان ومنطقة اليورو من جهة اخرى، آثارا اقل ما يقال عنها انها سلبية ومضرة بالاقتصادات، خصوصا الناشئة منها، او التي ترتبط عملاتها بالدولار، مثل دول الخليج.

5- تحسن الأسواق ودور سلبي للإعلام

في حوار نشرته مجلة التايم البريطانية الاسبوع الماضي، يرى نسيم طالب ان الاعلام الاقتصادي والمعلومات المقدمة للجمهور بشكل متزايد خلال السنوات الماضية كان لها ابعد الاثر في الازمة المالية الحالية. فهذا الاعلام جعل الانسان العادي في احتكاك مباشر ودائم مع الارقام والاسواق، خصوصا عبر البرامج التلفزيونية التي تتناول الاقتصاد على مدار الساعة.

هناك شبه اجماع ان للاعلام دورا اساسيا لعبه ويلعبه خلال الازمات. فهو «تيرمومتر» او ميزان حرارة الاسواق والمستثمرين، يؤثر على عقولهم وقلوبهم وجيوبهم. تارة يفلح في نقل الصورة الحقيقية وطورا يفشل. ينشر الرعب في بعض الاحيان فيضعف الثقة بالاسواق، وفي احيان كثيرة «يغطي» على المشاكل والصعوبات، بقصد او بغير قصد، فيذيع تفاؤلا في غير محله.

وحسب الخبراء، عادت اخيرا نغمة «التطبيل» و«التصفيق» لارتفاع اسعار الاسهم في الاسواق العالمية، حاملة معها موجة من التفاؤل، قد تكون مزيفة.

فاغلب الديون والاصول المسمومة والكثير من اساليب التلاعب ما زالت متوافرة ومنتشرة بقوة. فكم من «مادوف» ما زال طليقا خارج السجون، يعبث باموال الناس. ويشير طالب هنا الى ان «الرأسمالية تعاني من مشكلة بنيوية لم تتمكن من معالجتها، وتتعلق بغياب المحاسبة الحقيقية للشركات التي ارتكبت وترتكب الاخطاء بحق المساهمين (…) هي لم تدفع الثمن، والمديرون استمروا بتلقي المكافآت رغم الخسائر»