قيمتها 1.5 تريليون دولار.. منها 400 مليار في سندات الخزانة الأميركية
أزمة أميركا تضع استثمارات العرب الدولارية في مهب الريح

تتابع المؤسسات الاقتصادية والمالية العربية تطورات محادثات الدين الاميركية التي تشهد تجاذبات قوية بين قطبي الكونغرس، الجمهوريين والديموقراطيين، وفيما حذر الرئيس الاميركي من ان عدم التوصل الى حل لهذه الازمة من شأنه ان يلقي بتداعيات شديدة الخطورة على الاقتصادين الاميركي والعالمي، اعتبر خبراء ان الدول العربية ستنال نصيبها من الخسائر جراء تلك الازمة.
وقال البيت الابيض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما ما زال يعتقد انه يمكن التوصل لاتفاق لرفع سقف الدين الحكومي بحلول الاسبوع المقبل بما يتيح تفادي اشهار افلاس الخزانة الاميركية.
اشهار الافلاس المحتمل، في حال عدم التوصل الى اتفاق في الكونغرس، جعل الاسواق العربية والعالمية، تتعرض لتقلبات قد تزيد خطورتها كلمها تعثر الكونغرس في رفع سقف الدين العام البالغ 14.3 تريليون دولار حاليا، وذلك قبل الثاني من اغسطس، وتشير آخر الاحصائيات الى ان الاستثمارات العربية في سندات الخزينة الاميركية بلغت نحو 400 مليار دولار اميركي.
وتشير آخر المعلومات المتاحة الى أن الدين العام الاتحادي في الولايات المتحدة بلغ 14.3 تريليون دولار أو بمعدل يقارب 130 ألف دولار لكل مواطن أميركي، أو ما يساوي خمسة أضعاف معدل دخل الفرد السنوي.
وبموجب تقارير صندوق النقد الدولي فان نسبة الدين العام الأميركي الى الناتج المحلي الاجمالي كما كانت في نهاية يونيو/حزيران الماضي %96.3 مما يجعل الولايات المتحدة في المرتبة الثانية عشرة بين دول العالم من حيث نسبة المديونية.
ولا تشير احصائيات المديونية الاتحادية الأميركية الى الديون المستحقة على حكومات الولايات، أو الحكومات المحلية على مستوى المقاطعة أو المدينة.
وهناك ولايات غنية مثل كاليفورنيا التي تعتبر من أكبر اقتصادات العالم تكاد تصل حد الافلاس، ومدن مشهورة مثل شيكاغو تعاني من ضائقة مالية خانقة.
اذا أضفنا الى هذه الأرقام حجم الأموال التي التزمت بها الحكومة الأميركية، فانها تصل حدودا مخيفة تقارب الـ 55 تريليون دولار.
ووفق برنامج الانقاذ الاقتصادي الذي تعهدت به ادارة الرئيس باراك أوباما، فان حجم الالتزام يقارب 11 تريليون دولار سدد منها نحو 3.6 تريليونات.
وبالطبع فان الحزب الجمهوري ورجالاته في الولايات المتحدة يتمسكون بهذه الأرقام ويركزون عليها عبر وسائل الاعلام لكي يظهروا أن الحزب الديمقراطي هو الذي فرط بالفلسفة الاقتصادية الأميركية القائمة على حكومة محايدة لا تأخذ أموال الناس ولا «تصادرها»، بل تتصرف بها بأسلوب تبذيري غير منتج على برامج «اشتراكية» مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي ودعم الفقراء.
وحيث ان الانتخابات الأميركية باتت على الأبواب لتشمل انتخابات الرئاسة، ومجلس الممثلين بكامل أعضائه، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ونحو ثلث حكام الولايات، فان الصراع محتدم بين الحزبين الرئيسيين. ولا شك أن التقدم الذي أحرزه الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي عام 2010 قد عَقَّد حياة الرئيس أوباما، وقلل من نفوذه وفاعليته في اتخاذ القرارات.

حاملو السندات
وبالطبع فإن الأزمة التي تواجه الولايات المتحدة تضع كثيرا من الدائنين لها أمام مشاكل كبيرة، حيث إن استثمارات الدول الدائنة مركزة في الأذونات والسندات الصادرة عن الخزانة الأميركية، ويأتي تخفيضها ليؤكد أن هذه السندات - وإن بقيت موثوقة حتى هذه اللحظة - ستهبط أسعارها في أسواق رأس المال الثانوية.
فالدائنون الراغبون في الحصول على السيولة أو تنويع استثماراتهم سيضطرون إلى بيع جزء من محفظتهم بالسندات الأميركية بأسعار أقل من الأسعار التي اشتروها بها، وهكذا يتكبدون خسائر رأسمالية في استثماراتهم بها.
ومما يذكر أن أوراق الدين السيادية في الولايات المتحدة بدت استثمارا مغريا وآمنا بالقياس إلى الاستثمارات في الرهونات العقارية والسندات الخاصة، أو أي من المشتقات المالية الأخرى التي تهاوت أسعارها بسرعة حين انفجرت الأزمة المالية عام 2008. وقد تباهى بعض المسؤولين الماليين والنقديين العرب بأن استثماراتهم لم تتعرض لخسائر بسبب تركيزها على أوراق الدين السياديّة. أما الآن فإن الصورة اختلفت عن السابق، والمطلوب إعادة النظر في هذه القضية.
وحول انعكاسات الأزمة الأميركية على اقتصادات العالم العربي، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور صلاح الدين هارون إن انعكاسات هذه الهزة على اقتصادات العالم العربي ستكون كبيرة، خاصة وأن هذه الأزمة ليست بالحديثة، إذ إنها تفاقمت خلال السنوات العشر الماضية، وبالضبط منذ عام 2000 حينما كان سقف الدين الأميركي في حدود 5950 مليار دولار، في حين أصبح سقف هذا الدين الآن في حدود 14.3 تريليون دولار، أي انه تضاعف أكثر من مرة خلال عشر سنوات، وأسباب ذلك معروفة، منها الحروب في أفغانستان والعراق وارتفاع النفقات الأميركية داخليا وخارجيا.
وانعكاسات هذه الأزمة على العالم العربي كبيرة، وذلك من ناحية تراجع قيمة الدولار على الصعيد الدولي، وإذا علمنا أن معظم عملات الدول العربية، خاصة الدول النفطية، مرتبطة بالدولار، فهذا يعني أن هذه الدول ستتعرض لخسائر كبير جدا، فالمتتبع لتطورات نمو الدولار خلال السنوات العشر الماضية يلحظ تراجع هذه العملة بنسبة 50 في المائة، بالمقارنة مع اليورو. وبما ان معظم موجودات (مداخيل) الدول العربية تأتي بالدولار، فإن هذه الدول قد خسرت خمسين في المائة من عائداتها خلال السنوات العشر الماضية، وقد تزيد هذه الخسائر في حال تعرض الدولار الأميركي إلى انتكاسة بسبب أزمة الديون الأميركية.
وأضاف أن الدول المنتجة للنفط لديها حوالى 400 مليار دولار كسندات في الخزينة الأميركية، وهذه الأزمة تجعل تلك السندات مشكوكا في استرجاعها، بالإضافة إلى أن قيمة الدولار ستتراجع ما يؤثر في قيمة تلك السندات. فالأوضاع الاقتصادية في العالم العربي سيئة، ونأخذ على سبيل المثال دبي التي مازالت تتخبط في أزمتها المالية، التي هي أصلا انعكاس للازمة المالية العالمية التي كانت مصدرها الولايات المتحدة.
فما يحدث في الولايات المتحدة ينعكس دائما على اقتصادات العالم العربي، نظرا للعولمة التي باتت تربط الشرق بالغرب، اقتصاديا واجتماعيا، لذلك فإن الانعكاسات المرتقبة من أزمة الدين الأميركي ستكون كبيرة وكبيرة جدا.
وحول مصير الأموال العربية المستثمرة في سندات الخزانة الأميركية، قال الهارون: سنشهد تأخرا في السداد، وفي الواقع فإن الأكثر أهمية من ذلك أن الولايات المتحدة التي خفضت معدل الفائدة على الدولار إلى واحد في المائة، فإن هذه السندات لا تنتج ما يغطي التضخم، بالتالي هناك خسارة مهمة جدا للدول التي تملك هذه السندات التي يكون مردودها من 2 إلى 3 في المائة، وعندما ينخفض الدولار بنسبة كبيرة، فهذا يعني ان هناك خسارة كبيرة في قيمة الموجودات (السندات) التي قيمتها بالدولار، وهنا أشبه وضع الدول العربية بأنها كائن يحمل حجرا كبيرا، ولا يستطيع التخلص منه خوفا من أن يسقط الحجر على رجليه، أي ان هذه الدول ستتأذى في جميع الأحوال. ووضع الدول العربية هو وضع الصين وأوروبا نفسه في ما يتعلق بأزمة الدين الأميركي.
وأضاف: عندما تتراجع إرادات رؤوس الأموال العربية فإنه لا يبقى فائض كاف للاستثمار، وللأسف، فإن الدول العربية لا تهتم بالاستثمارات الداخلية، إنما فكرة توسيع مجوعة دول الخليج لتشمل كلا من الأردن والمغرب ستفتح المجال لإعادة رسم استراتيجية الاستثمار في هذه الدول لتتوجه نحو الدول العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة.
وهل هذا يعني أن الاقتصادات العربية باتت في مهب الريح في حال لم يتوصل الكونغرس الأميركي إلى اتفاق يرفع بموجبه سقف الدين الأميركي؟
يجيب هارون: من المؤكد أنها ستتأثر، ولكن اعتقد انه في نهاية المطاف سيتم التوصل إلى حل وسط، فللعلم ان الدستور الأميركي يعطي للرئيس حالات استثنائية يستطيع بموجبها رفع سقف الدين قليلا، لكن اوباما يريد أن يتجاوز هذه الأزمة من دون أن يتخطى الكونغرس، واعتقد انه سيتم التوصل إلى حل، لكن هذا الحل سيكون مؤقتا لمدة أشهر قليلة، فالجمهوريون لا يريدون رفع السقف بصورة كبيرة حتى لا يمنحوا الديموقراطيين صكا أبيض.
وحول الدروس المستفادة من الأزمة، يقول هارون: الدرس الذي يمكن أن يستفيد منه العالم العربي من خلال هذه الأزمة هو محاولة خلق تكامل اقتصادي عربي، وتخفيف الانعكاسات السلبية للعولمة من خلال التركيز على الاقتصادات الداخلية للدول العربية أكثر من الاستثمارات الخارجية. فدول الخليج - مثلا - مرتبطة بالعالم الخارجي أكثر بكثير من ارتباطها ببقية اقتصادات العالم العربي، ومن هنا تجب إعادة توجيه تلك الاستثمارات نحو بقية الدول العربية، مثل: مصر والسودان والمغرب، وبقية الدول الأخرى وذلك لتخفيف حدة انعكاسات الأزمات المستورة، وهنا أعني الأزمة الاقتصادية والمالية في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

الاستثمارات العربية
العرب الذين تقدر استثماراتهم الخاصة والعامة بالدولار بنحو 1.5 تريليون دولار يواجهون مشكلة حقيقية، ولذلك فإنهم مطالبون بتنويع استثماراتهم إلى الحدود التي تسمح لهم بذلك. وقد يكون من الصعب إعادة تنويع الاستثمارات السيادية في أوراق الدين الأميركية، ولكن تمكن إعادة النظر في أوجه الاستثمار للمداخيل الجديدة، حيث إن سعر النفط مرشح للبقاء مرتفعا مع احتمالية تراجع الدولار.

المصادر: دويتشه فيليه والجزيرة نت