تمر في حياة الإنسان لحظات بائسة، يائسة تتساوى فيها كل الأشياء وتتداخل فيها الألوان فتغدو كلها رمادية. يمكن لهذه اللحظات أن تطول وتمتد فتصبح ليالي من السهر، وأياماً من الرتابة والملل والضياع، فتبدو كل الأشياء عادية ومتشابهة ومكرورة: ظلام الليل مثل نور النهار، العتمة كالضوء، والأبيض كالأسود.



لحظة تساوي الأشياء أشبه بلحظة توقف الأرض عن الدوران، أشبه بتوقف القلب عن الخفقان، وحول هذه الحال قرأت نصاً شعرياً عذباً كتبته امرأة، وإشارتي إلى أن النص عائد لامرأة مقصودة، فالمرأة المسكونة بالشعر، حتى لو لم تكن تكتبه، أكثر رهافة في التعبير عن هذه المنطقة من الروح. الشاعرة من مبلغاريا، واسمها بلاغا ديمتروفا وعرّب النص الأستاذ حافظ جابر. يقول النص: “من اليوم فصاعداً سأحيا من دون حب، متحررة ن الهاتف والأحداث، لن أتألم ولن أشتاق. سأصبح ريحاً مغلولة وجدولاً متجمداً، لن أكون صفراء الوجه بعد ليلة بلا نوم، لن يشتعل وجهي، لن أغور في باطن الأرض من الغم، ولن أطير إلى السماء. لن أكون سيئة، لن أكون إيماءة، أو أبدو مثل أفق لا نهائي، لن يغمرني الظلام، ولن ينفتح لي الفضاء بكامله، لن أنتظر في المساء مسحوقة، ولن يطلع علي الفجر، لن أتيبس من كلمة، ولن أحترق فوق الجمر، لن أبكي على كتفٍ قاسٍ، ولن أضحك من القلب، لن أموت من نظرة، لكن في الحقيقة، لن أكون حينها على قيد الحياة”!



هذه اللحظة القصوى من المعاناة، التي يشعر معها المرء بأنه لم يعد على قيد الحياة، هي ذاتها لحظة تساوي الأشياء، اللحظة التي لا تعود فيها للأشياء ألوان تميزها ولا روائح، حين تتحول إلى شيء أشبه بالروبرت الآلي الذي يتحرك بإتقان ويؤدي المهام لكنه خالٍ من الروح، لا دم يتدفق في عروقه، ولا عروق تنبض فيها الحياة، ليست مصادفة أننا نعيش هذه اللحظات بالذات لحظة توقف القلب عن أن يحب، بعد أن تكون أمواج هذا الحب قد تقاذفته بصخبها بين علوٍ وهبوط.



وحده الحب - بمعناه المطلق لا ما حشرتنا بتقييده الفضائيات - الحب سيد العواطف، وحاكمها، هو من يكسر رتابة الأشياء، ويجعلنا نميّز بينها ونرى بينها الفواصل، حين تمتلئ الروح بالمعاني، وتنبض الحياة في العروق.