●●● مقال ورأي: صناديق استثمار أم صناديق سوداء



د. سليمان بن عبدالله السكران

تعد صناديق الاستثمار أوعية استثمارية من شأنها توسيع قاعدة ومنافذ الاستثمار في سوق المال وتهدف بالدرجة الأولى إلى توزيع وتنويع راشد ما تحويه من أدوات استثمارية سواء كانت قائمة المحتويات تلك أسهمها أو سندات أو غيرهما.

ولكل صندوق سياسة استثمارية محددة تنتهجها وتستمدها أصلاً من استراتيجيته التي حددها المؤشر في بداية إنشاء الصندوق. وفي الأغلب يكون لهذه الصناديق لجنة متخصصة وإدارة محددة بفعاليات وآليات الاستثمار حيث تدير عملياته بشكل آني بعد القيام بدراسات متأنية وحثيثة للوصول إلى الاختيار الأنسب من بين الخيارات الاستثمارية المتوافرة في ذلك السوق المالي وبما لا يتعارض مع الاستراتيجية التي اختطها الصندوق في بداية إقامته.

والصناديق الاستثمارية في طبيعتها تحقق عدداً من المميزات من أهمها التنوع وبالتالي تقليل المخاطر وتوافر المعلومة واستقراءها بشكل أكثر دقة من الأفراد حين تكون إدارة الصندوق عن طريق احترافيين من المنتظر أن يفوقوا الأشخاص العاديين بمهنيتهم وتعليمهم وتدريبهم على أسالب الاستثمار.

وفي سوق المال السعودي بدأت المؤسسات المالية وتحديداً البنوك التجارية بتكوين صناديق استثمارية مكوناتها الأسهم المحلية مع تزايد الاهتمام بسوق الأسهم فوجدت تلك البنوك أنها فرصة لتنويع أعمالها فبدأت بواكير ظهور صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية في مطلع التسعينات (عام 1992م) وزادت أعدادها مع تزايد الأسهم المدرجة واكتشاف البنوك التجارية أن مثل هذا النوع من المنتجات المالية غدا فرصة لتحقيق مكاسب للطرفين.

لقد لعبت البنوك التجارية دوراً حيوياً في تكوين نواة هذه الصناديق الاستثمارية حتى وصل عددها حتى تاريخه 27صندوقاً كلها تستثمر فقط في سوق الأسهم السعودية. ومع طفرة سوق الأسهم السعودي إجمالاً منذ مطلع عام 2003م حتى الانهيار الذي حصل للسوق في فبراير 2006م والصناديق كانت تعيش فترة رخاء ونمو جيد موازياً تقريباً في معدلاته إلى معدل نمو السوق كلياً. إلا أنه ومنذ الانهيار (فبراير 2006م) وحتى تاريخه فبالكاد ترى صندوقاً من تلك الصناديق الاستثمارية المتداولة تسجل نتائج معايرة عن إجمالي السوق أيضاً. وإن وجدت فهي وقتية سرعات ما تعصف بها تقلبات السوق الحادة والتي أصبحت سمة من سماته التي درج عليه منذ ذلك الوقت.

إن المحك الرئيس والقناعة بالأداء لصناديق الاستثمار هي النتائج التاريخية مقارنة بالوضع العام للآخرين وهي بالتالي كما "وحبة الخال الجميلة" والفارقة على صفحة النتائج التي تميز ذلك الصندوق في إدارته ورشده وكفاءته. ولكن الملاحظ أن واقع النتائج مخالف في جملته لذلك. فالصناديق تهبط مع السوق إن لم تكن أكثر وترتفع مع السوق وبالتالي فهي صناديق مؤشر تدلل على عدم وجود فروقات ذات بال بين من يشتري المؤشر (وهو مكونات السوق كلياً) وبين من يشتري وحدة في تلك الصناديق خصوصاً لتلك التي تتسع فيها حرية الاختيار في الاستثمار من واقع استرتيجية الصندوق، والأسباب في تقديري عديدة منها ما يتصل بإدارة الصندوق واستراتيجيته التي لا يفصح عنها بالقدر الكافي حتى إنها غدت أشبه ما يكون بالصندوق الأسود الذي لا يفك شفرته إلا الندرة.

وهذا بلا شك ولد انعكاساً على أسلوب الاستثمار المتبع وآليته ومن يقوم عليه وكيفية اتخاذ القرار فيه. ومن الأسباب لتواضع الأداء أيضاً ما يرجع إلى الكفاءة المتوافرة وحداثة التجربة وتكوين خبرات مهنية ترقى إلى مستوى التنافسية لتحقيق مكانة أفضل من الآخرين. ومنها أيضاً حداثة السوق وهيكله ومحدودية الآليات المتوفرة لصانع القرار الاستثماري.

إن التغيير المنتظر لأداء تلك الصناديق يمكن في حل أسباب تواضع أدائها.. فتغيير التشريعات ونقل الإشراف لهذه الصناديق لهيئة السوق المعنية بسوق المال والترخيص للشركات الاستثمارية للتعامل مع هذه الصناديق ونقلها عن مظلة البنوك التجارية سيساعد في التخصيص للقيام بهذه الأعمال مما يؤمل بالتالي زيادة تنافسها وتحقيقها لنتائج إيجابية ننتظرها بكل أمل.


@ أستاذ العلوم المالية المشارك

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن