عاصفة أزمة الديون الأوروبية والأمريكية (1/2)
http://www.mubasher.info/portal/ASE/...iteLanguage=ar
.04 يناير 2012 04:55 ص المصدر: الخليج الاقتصادي الإماراتية آخر تحديث : 04 ينا 2012 04:55 ص .
أرسل لصديقطباعةشاركضبط الخط
.
.
د . أشرف دوابه
منذ أيام قلائل صرحت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي (كريستين لا جارد) بخصوص أزمة الديون الأوروبية بأنه: “لن تكون أي دولة بمنأى عن عاصفة مالية محتملة تنطلق من أوروبا” . وهذا مؤشر خطير عن القادم نتيجة لهذه الأزمة التي ولدت من رحم الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 بفعل المدمرات الثلاث: الربا والمقامرة وبيع الديون والتي حرمتها شريعة الإسلام .
فقد نتج عن الأزمة المالية العالمية ركود في دول الاتحاد الأوروبي ترتب عليه ضخ سيولة للتحفيز فتم اللجوء للاستدانة الخارجية وهو ما نتج عنه تباطؤ النمو فالعجز عن سداد الديون السيادية التي تضخمت حتى وصلت في إيطاليا 7 .1 تريليون يورو، وفي إسبانيا 700 مليار يورو، وفي اليونان 350 مليار يورو .
وإذا كان انفجار الأزمة المالية العالمية تم في ظل غياب عامل الثقة في الاقتصاد الأمريكي نتيجة لإفلاس بنك ليمان براذر وكف الحكومة الأمريكية يدها عن إنقاذه، وإن تحركت متأخراً بعض ذلك وأنفقت أموالاً مضاعفة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن بعد فوات الأوان وانفجار الأزمة، وصعوبة عودة الاقتصاد إلى ما كان .
فإن انفجار أزمة الديون الأوروبية كانت بفعل غياب الثقة أيضاً في الأسواق الأوروبية نتيجة لموقف المستشارة الأمريكية (ميركل) السلبي في بادئ الأزمة تجاه اليونان، حيث أعلنت صراحة عن عدم تقديم أي عون لها رغم أن ديونها وقتها لم تكن تتعدى 300 مليار يورو وهو ما انعكس أثره سلبا في كل الأسواق الأوروبية . وفي الوقت نفسه لا يمكن إهمال أسباب تلك الأزمة من خلال وجود اتحاد أوروبي نقدي مع انفصام في السياسة المالية، وغض الطرف عن التجاوزات المالية الحاكمة لهذا الاتحاد وفقا لاتفاقية ماسترخيت، وخاصة سجل الديون في العديد من دول الاتحاد وفي مقدمتها اليونان .
وقد عمدت دول الاتحاد الأوروبي إلى علاج أزمة الديون المستفحلة وليس بآخرها ما تم منذ أيام من إبرام قادة الاتحاد الأوروبي اتفاقاً مالياً جديداً يضمن تشديد ضبط الميزانيات ووضع حد للدين العام لدول الاتحاد، وفرض عقوبات تلقائية بحق الدول المخالفة، والبدء في إنشاء اتحاد مالي رغم رفض بريطانيا والمجر والدنمارك لهذا الاتفاق .
ومن قبل تم إنشاء صندوق إنقاذ بقيمة 440 مليار يورو استفادت منه إيرلندا بمبلغ 85 مليار يورو في عام ،2010 واليونان بمبلغ 110 مليارات يورو في عامي 2010 و160 مليار يورو في عام ،2011 والبرتغال بمبلغ 87 مليار يورو في عام 2011 .
فضلاً عن التقشف في الميزانيات من خلال خفض النفقات وخفض الرواتب وزيادة الضرائب وقد لقيت تلك التوجهات الأخيرة رفضاً شعبياً واحتجاجات واسعة، إضافة إلى ذلك اتجهت أنظار دول الاتحاد الأوروبي للمساعدة الخارجية من الصين التي تملك نحو 2 .3 تريليون دولار من الاحتياطيات الدولية، ولكن الصين -في عالم تحكمه المصالح- ربطت مساعدتها برفع القيود عن صادرتها لمنطقة اليورو .
ومازال خطر الإفلاس يحيط بدول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها اليونان وإيرلندا والبرتغال . بل وخطر تفكك الاتحاد الأوروبي وإن كان ذلك أمراً صعبا باعتباره توجهاً سياسياً قبل أن يكون اقتصادياً . وقد كان وزير الخارجية البريطاني (وليم هيغ) محقاً، حينما شبه اليورو بأنه مثل مبنى اندلع فيه حريق ولا مخارج له، كما وصف رئيس المفوضية الأوروبية (جوزيه مانويل باروسو) أزمة الديون الأوروبية بقوله: (إن الاتحاد الأوروبي يواجه أكبر تحدٍ في تاريخه ويتعلق الأمر ليس بأزمة مالية واقتصادية واجتماعية فحسب وإنما بأزمة ثقة سواء تجاه قادتنا أو أوروبا نفسها أو قدرتنا على إيجاد الحلول) .
كما ذكر صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (سبتمبر/ أيلول 2011): أن تداعيات أزمة الديون المتفاقمة في منطقة اليورو ستؤثر في استقرار النظام المالي العالمي وحذر من فشل زعماء المنطقة في احتوائها . وذكر الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) أن العالم مقبل على أسوأ أزمة مالية وركود منذ أزمة الكساد العظيم وأن أوروبا لم تتعامل بجدية وبشكل فعال مع نظاميها المصرفي والمالي حتى الآن وأن جانباً من أزمة الديون التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً يتعلق بأزمة الديون الأوروبية .
وإذا كان الرئيس الأمريكي يلقي بجانب من أزمة الديون الأمريكية على دول الاتحاد الأوروبي ناسياً أو متناسياً أن بلاده هي السبب -ليس لأزمة المديونية الأوروبية فحسب- بل للأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها من سوق العقار الأمريكي وضربت اقتصادات دول العالم في عقر دارها . وهي التي أوصلت الاقتصاد الأمريكي إلى ما هو عليه من الترقيع والتهافت، فالموازنة الأمريكية تعاني من عجز مزمن بلغ 6 .1 تريليون دولار، ففي حين بلغت الإيرادات العامة 2 .2 تريليون دولار وصلت النفقات العامة إلى 8 .3 تريليون دولار، كما بلغ الدين العام 3 .14 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريبا الناتج المحلي الأمريكي . وبلغ نصيب الجهات الخارجية من هذا الدين 7 .9 تريليون دولار أما الباقي ومقداره 6 .4 تريليون دولار فهو لأطراف داخل الولايات المتحدة كحكومات الولايات أو الحكومة الاتحادية . ويعكس هذا الرقم أن متوسط نصيب الفرد الأمريكي من الدين العام يبلغ 46 ألف دولار تقريباً منها 30 ألف دولار من نصيب دول العالم . وحين يقسم الدين العام الأمريكي على عدد دافعي الضرائب الأمريكان فهذا يعني أن حصة كل واحد منهم هي قرابة 129 ألف دولار أمريكي . ووفقاً للوتيرة الحالية فإن هذا المبلغ يزداد يوميا بمقدار 85 .3 مليار دولار .
وهذا نتاج طبيعي لسلوك المواطن الأمريكي المعروف بشراهة الاستهلاك، والواقع أنه يعيش من جيب غيره . فمن المعلوم عن الاقتصاد الأمريكي أنه يعتمد بشكل أساسي على مدخرات غيره . ففي حين يقدر نصيب الأسرة الأمريكية في المتوسط من الدين العام نحو 174720 دولاراً، يقدر متوسط ادخار الأسرة الأمريكية نحو 6738 دولاراً فقط . أي أن نصيب الأسرة الأمريكية من الدين العام يصل لنحو 26 ضعف مستوى ادخارها .
وقد كان تنامي أزمة الديون الأمريكية نتيجة حتمية في ظل نمو الدين الأمريكي أسرع من نمو الثروة، ونمو خدمة الدين أسرع من نمو الدخل، وهو ما يتعذر مع الاستمرار من دون تصحيح، والنتيجة تضخم أو إنهيار . وقد كان لفاتورة الحرب على أفغانستان والعراق التي قدرت بنحو 6 تريليونات دولار دوراً مهمًا في ذلك، فضلاً عن الإنفاق على الأزمة المالية العالمية والذي قدر بنحو 4 تريليونات دولار .
ويتوقع أن يرتفع حجم الدين العام الأمريكي إلى 5 .15 تريليون دولار مع نهاية العام الجاري و7 .16 تريليون دولار في عام 2012 في ظل سياسة ترقيع الديون التي تبنتها الحكومة الأمريكية خاصة في ظل الاختلاف بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في السياسات الاقتصادية للخروج من الأزمة من حيث تخفيض النفقات وزيادة الضرائب والإصدار النقدي والتمويل بالدين .
فكلما تعثرت الولايات المتحدة في سداد التزاماتها لجأت إلى إصدار سندات خزانة جديدة فتأخذ من هذا وتعطي ذاك . وليس بآخر تلك الإصدارات ما أصدرته من سندات خزانة بلغت قيمتها 600 مليار دولار في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 . وبلغ دين الولايات المتحدة الخارجي أقصى حد له بموجب تشريعاتها الوطنية . ولم يكن بإمكان وزارة المالية الأمريكية أن تقترض لتمويل نفقات الدولة وتغيير الحد الأقصى لدينها الخارجي الذي من صلاحية الكونغرس الأمريكي .