كان ابنه الصغير طريح الفراش في تلك الليلة .. مصاب بالحمى وسائر توابعها التي انهكت بدنه .. اقترب منه ليمسح على جبهته ..ويحاول معرفة ما اذا كان الدواء الذي احضره من العيادة قد خفف منها ام انها لاتزال على فورتها ..!

جلس بجانب صغيره .. متأملا كيف اصبح هذا المخلوق كل حياته ، لايبخل عليه بالمادة او بالمشاعر .. وكيف ان مرضه شغل تفكيره ، كأنه قطعة من جسده تماما بل أغلى ..! .. ولا يدري بعد جلوسه كيف قفزت به الذاكرة الى الوراء .. متذكرا أباه هو ..! واذا بشريط من الافكار ..تاخذه الى البعيد .. وسلسلة من الذكريات .. فرضت نفسها عليه كشريط سينمائي يعاد عرضه .. فانساق لها دون وعي وغاب عن الحاضر بفعلها لدقائق!!

تذكر كيف كانت معاملة ابيه له .. كانت توصف بالقسوة ..فهو يتعامل كثيرا بالضرب.. وكان والده يردد دائما ان قسوته تلك لم تنبع الا من حرصه عليه .. لانه يحبه ..!!

وكيف كانت افكاره تموج به في تلك اللحظات التي يتحسس فيها اماكن الالم في جسده .. من اثر الضرب الذي تلقاه للتو .. متعجبا كيف يمكن ان يجتمع الحب مع القسوة ..لابد ان في الامر شئ لا افهمه ..وتقوده افكاره الى قناعة بأن اباه لايحبه ..!

ويعود به رشده احيانا .. كيف لا يحبه أباه .. وهو الذي قالها كثيرا في ايام الصفاء ورددها بأنه يحبه اكثر من نفسه .. وانه مستعد لقضاء عمره كله في سبيل سعادته .. اهذا الألم كله في سبيل سعادتي ..!!

تذكر كيف كانت السنوات تمر .. وكلما نضج تفكيره اكثر .. وجاءت تلك اللحظات .. لحظات سوء التفاهم مع ابيه .. كان احتواءه للموقف اكبر .. ولكنه لازال يملك من الشكوك الكثير حول حب ابيه له .. بغض النظر عن توفير ابيه لمايلزمه من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم .. هذا من واجبه ..ليس ألا .. وليس من الحب في شئ ..هكذا كان تفكيره ..!

ومع مرور العمر .. ودخول فترة هدوء التصرفات .. والتعقل .. كان موقف احد اصدقاءه حافزا له لترسيخ فكرة ان اباه يحبه بالفعل ولكن بطريقة لم يفهمها حتى الآن ..!
.. فقد قال له صديقه يوما : احسدك على تصرفات ابيك معك .. فباعتقادي لولا مراقبته لك ولتصرفاتك .. وعقابك على اخطاءك لما كنت كما انت عليه الآن .. افضل من حالي على الاقل .. فأنا ضائع الا قليلا .. فأبي كان عقابي على اخطاءي هو آخر اهتماماته في شأني ..حتى تماديت في الاخطاء..!!


ربما كانت تلك الكلمات لها وقع خفيف في قلبه .. ولكن العودة الى لحظات ترجيه لابيه بالكف عن ضربه ..وتعهداته التي لم تكن تلقى لها استماعا من ابيه بعدم تكرار ذلك الخطأ .. كانت ذا اثر في عدم اقتناعه بعد ..وتعود به الى دائرة اللاحب من جانب ابيه ..!

وتذكر ذلك اليوم .. حين حصل له ذلك الحادث القوي ، الذي تهشمت بفعله مقدمة سيارته ، وفقد الوعي الى ان وجد نفسه في (طوارئ المستشفى) سليما معافى .. الا من اثر الصدمة ..!
فاكمل اجراءات خروجه بعد الفحوصات الشاملة .. فهو ولله الحمد لم يصب بأذى ،، وبعد بضع خطوات من باب المستشفى وجد أباه الذي اتى ليطمئن عليه بعد علمه بالحادث.. وتفاجأ به يركض اليه ..ويحتضنه بقوة كأنه لم يره من قبل ..!!
.. وتفاجأ اكثر بدموعه التي بللت قميص عمله .. يسأله بهستيريا لم يعهدها فيه الا في حالة الغضب .. هل انت بخير .. الحمدلله انك بخير .. هل تتألم ...!!


حسنا .. ان ابي يحبني .. ولكن هل يتطلب الحب بعض الحوادث حتى ينجلي ويظهر الى النور ..!



انتهت افكاره .. وانقطع حبل ذكرياته على وقع كحة ابنه الصغير ..فعاد الى الواقع .. وتأمل في وجه ابنه ..وقارن بين مشاعره التي لاتوصف تجاهه .. فهو يحبه اكثر من نفسه ، ويتمنى له افضل مما تمناه لنفسه ، بل انه على استعداد للتضحية بكل شئ من اجله ، وعلم يقينا ان اباه كان طوال عمره يحبه .. بقدر مايحب هو ابنه .. بل ربما اكثر .. فمشاعر الآباء لاتختلف .. انهم يحبون ابناؤهم .. ولكنهم يختلفون في اظهار هذا الحب والتعبير عنه ..!

اغمض عينيه ، واخذ نفسا عميقا..ثم تنهد.. وردد بينه وبين نفسه قائلا : هل كان هذا اليقين يحتاج لانتظار ان يرزقني الله بأبن حتى اقارن المشاعر ببعضها .. ما اكبر خطأي ..
ابي .. ارجوك ان تعذرني وتغفر لمشاعري .. فقد احتجت الى سنوات .. لأعرف انك تحبني ..كل الحب ..!


لكم كل التقدير ،،


فــ،ــ،ــاصـ،ــلـ،ــ،ـة
==========

تحــيــّــة طــيــبـــة .. يا والـــدي الــطيــّــب
الله يطــوّل عمـــرك .. يا غـــالي يا حــبيــّب
اكتب لـــك رسالــة حــب
ياغالـــي يا اطيــــب اب
وصت عليك الشرايع .. وموصي عليك الرب
ياللى رضاك عليـّـــه .. احلــى واغلى هديّــه