أكاذيب جديدة.. وهراء ودجل..
بدأ الإعداد إليه منذ زمن بخطى مدروسة حثيثة، وأوشك أن يؤتي ثماره..
يضاف عفنه إلى السجل الحافل لإنجازات دعاة التغريب والتخريب لعقولنا..

فقد أصبحت السمة المميزة الجديدة لدعاة الإنبطاح عند أحذية الأسياد.. والشكل المشوه الممسوخ الذي يقدمه جهال أمتنا لأعدائنا المتربصين بنا ليل نهار.. هو الإستحياء والخجل من هذا الدين.. وأحيانا أخرى البغض لبعض الرواسخ التى جاء بها الإسلام.. والنظر إليها على أنها من النقائص التي لا تتماشى مع متطلبات العهد الجديد.. عهد المسارعة فى أهل الغي والباطل والتزلف لهم.. إما طمعا فى رضاهم وطلبا لولايتهم، أو لمأرب آخر.. وصَفه الله عز وجل بقوله (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة)..
حتى صار بعضهم يتمنى لو نام نومة ثم إستيقظ فوجد هذه العقائد التي تسبب حرجا سياسيا قد تبخرت وإندثرت..

ومن تلك الأمور التي أصبحت الآن مجالا جديدا للمزايدة، ومرتعا خصبا للمنافقين والمتحذلقين.. هو موضوع كفر الكافرين وإيمان المؤمنين..
فالكافر الآن ليس بكافر.. لأن ذلك يتعارض مع سماحة الإسلام!

وغير المسلم ليس على ضلال وخطر عظيم بعدم إتباعه دين الحق.. بل هي حرية كفلها الإسلام لغير المسلمين فى إعتناق ما يشاؤون!
وعقيدة الولاء والبراء أصبحت الآن سببا لـ (البلاء والوراء)!

فقد ذابت العقائد في رؤوس هؤلاء.. وإختلط الكفر والإيمان في هذا الظلام الفكري المتعمد، حتى لم يعد لأي منهما حد واضح أو تفصيل مستبين..
وعمد أهل الهزيمة النفسية ممن يتكلمون بإسم الإسلام إلى آيات الكفر والإيمان فحرفوا معانيها لتناسب الدعوة الجديدة لتقارب (الأديان)!!

فدائما تأتيك الإجابات منهم على أسئلة لم يسألها أحد من الأساس.. ويتجاهلون سؤالك!
فإن قلت لهم.. ما الكُفر ومَن الكافر إذن؟.. يقال لك لا شأن لنا بعقائد العِباد والإسلام دين تسامح!

فإن قلت أعلم أن الإسلام دين تسامح، وأدري أن الناس أحرار فى إعتناق ما يشاؤون..
ولكن أليس من إبتغ غير الإسلام دينا فهو كافر ضال بشهادة القرءان؟..

تأتيك الإجابة السياسية العجيبة.. الإسلام لا يُكره الناس على الدخول فيه وإعتناقه!
وهكذا.. أسئلتنا لم يعد لها جوابا عند هؤلاء إلا تلك الإجابات الدبلوماسية العجفاء.. التى تميد معها كل عقيدة راسية.. وفى أغلب الأحوال تكون مبرمجة ومعدة سلفا..


الأكذوبة الجديدة هذه المرة.. هى ذاك الهراء المسمى (الأديان السماوية)..
يعنون بذلك الإسلام.. واليهودية بشكلها الحالي.. والنصرانية بعقائدها ومفهومها الحالي..
وهي نفس العقائد التي ينصرون أبناء المسلمين عليها!
والذي يسمع هذه المقولة يشعر وكأن الله عز وجل أنزل أديانا شتى.. على أقوام وأمم مختلفة..
ليتوهم السامع الجاهل والقارئ البسيط أن هذه الأديان كلها من عند الله..
وأنها أوجه مختلفة للحقيقة.. وأن الجميع يعبدون الله بدين سماوى مختلف..

فكلهم مؤمنون صادقون.. وإختلافهم إختلاف تنوع ورحمة!.. بغض النظر عن ماهية تلك العقائد..
ومع أن الإسلام هو المعني بتلك الدعوة من الأساس.. وهو المتهم الذي يسعى لتقبيل مؤخرات الجميع ليعترفوا بوجوده وكيانه..
إلا أن هذه الدعوة لتقارب الأديان (السماوية) لا تشمل الإسلام -فيما يبدو لنا- كعضو كامل الأهلية فى (جمعية الأديان السماوية) المشبوهة..

فدور الإسلام فى هذه المهزلة هو الإقرار والإذعان بسماوية الأديان الأخرى على هيئتها الحالية.. في الوقت الذي لا يعترف بـ"سماوية" الإسلام أحد!!.. وفي الوقت الذي نشهد فيه (بصدق) أنهم أهل كتاب لهم علينا حقوق وواجبات معروفة، وفي حين أننا نؤمن برسلهم ورسل الله جميعا.. نجدهم لا يقرون لنا بأي من ذلك..

فالنصارى واليهود لا يعترفون بدين الإسلام كدين سماوي.. وإنما يتعاملون معه على أنه دين (محمدىي).. إخترعه محمد (صلى الله عليه وسلم) من عند نفسه وأعانه عليه قوم آخرون!..

فالمطلوب منا هو إضفاء القداسة على عقائد أبطلها الله تعالى وشهد بفسادها..
إما مجاملة لهم.. أو إن شئت الدقة.. تزلفا و إذعانا.. في حين أن الإسلام لا شهود له من أصحاب الديانات (السماوية الأخرى)!

وأذكر أنه في البيان الختامي لمؤتمر الأديان الذي عقد فى الأسكندرية (مصر) منذ عدة سنوات، وحضره في ذلك الوقت مجموعة من حاخامات إسرائيل ممثلين عن الديانة اليهودية.. (السماوية)، رفض النصارى واليهود الإقرار في البيان الختامي بأن الإسلام دين سماو! وهي واقعة معروفة لمن يتابع مثل هذه الأمور..


وقبل أن نتحدث عن بطلان هذه الدعوى وفساد تلك المقولة.. لابد لنا من فهم حقيقة المؤامرة..
هذا التزوير الذى يروجون له ما هو إلا مقدمة لازمة لمفهوم (عولمة الأديان)..
فكما أن العولمة الإقتصادية والمعلوماتية باتت واقعا مريرا لا فكاك منه..

فهناك مسار آخر لتلك العولمة، يهدف بالدرجة الأولى إلى إلغاء ما يسمى بـ (الحقيقة المطلقة).. بمعنى آخر.. لا ينبغى أن يوجد من يدعي أنه هو الصواب وأن غيره الباطل.. فليس هناك دين حق ودين باطل.. فالكل ينتمون لدين إنساني واحد، والكل يعبد إلها واحدا وإن إختلفت مسمياته بينهم..

والمطلوب تحقيقه من ترسيخ هذا المفهوم -فى زعمهم- هو المساعدة على إلتقاء الحضارات وتسامحها!!.. وإشاعة السلام بين الناس!!

ولا حاجة لنا هنا لإثبات أن من يروجون لهذه المفاهيم المغلوطة المزورة بدعوى نشر السلام والمحبة.. هم الذين ذبحوا حمامة السلام وطبخوها فى أفرانهم المحيطة بعالمنا الإسلامي!

والحقيقة إخوتي الكرام.. أن المراد من هذه الحملات والدعوات المشؤومة هو إستئصال عقيدة المسلمين فى ولائهم للإسلام وأهله وبرائتهم من الكفر واهله..

وكذلك المطلوب تمييع قضية الإيمان بالله والدعوة إلى ترك الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي هي من صلب هذا الدين..

فكل ذلك سيصبح بفضل عولمة الأديان من الأساطير والخرافات..
لأن عندها سيصبح الجميع على حق.. والبشر كلهم إخوة في دين الإنسانية.. والبقرة التي يعبدها البعض هي نفس الإله الذي يعبده المسلمون.. ويستوي من يعبد صليبا أو حجرا مع من يعبد الله الواحد الأحد..


الأمر قد يبدو ثقيلا على العقول والنفوس فى البداية.. ولكن لأنه لا مستحيل مع التدرج و العمل الدؤوب المستمر الذي لا ينقطع.. فستأتي ثمار التغيير لا محالة.. وما تأباه عقولنا اليوم.. سيصبح مفهوما متقبلا بعد سنين بفضل الآلة الإعلامية الجبارة وبخيانة مَن خان وبصمت مَن خنس وإستكان..

الخطة تبدأ من مقولة (الأديان السماوية).. وإطلاقها وصياغتها بشكل يحدث اللبس والتخليط فى عقول المسلمين.. فالدعوة هي لتقارب (الأديان) وليست (للشرائع)..
وشتان بين المعنيين.. فاللفظين متقاربين ولكن الفرق بينهما هو الفرق بين الإيمان والكفر..


السؤال الآن هو.. هل أنزل الله (أديانا).. أم أنزل دينا واحدا لا يتغير..!؟
فالدين عند الله الإسلام.. هو دين الأنبياء والمرسلين..
هو قول لا إله إلا الله.. ولا معبود إلا الله.. بصفاته وأسمائه ونعوت جلاله..
ما أتى نبي قومه إلا بهذا الدين.. (إن الله ربي وربكم فاعبدوه).. (أن اعبدوا الله ربي وربكم).. (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي قول لا إله إلا الله)..

فدين الله واحد.. ودين الأنبياء والرسل واحد.. وكلمة الحق واحدة خالدة، ما إختلف فيها الظالمون إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.. فأنبياء الله ورسله كلهم مسلمون..
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون).. ووصف الله إبراهيم بأنه (حنيفا مسلما وما كان من المشركين)..
إذن ما الذي إختلف فى رسالات الرسل ودعوة الأنبياء؟!
الإختلاف كان فى الشرائع وليس فى الدين..
فكان الرسول يبعث إلى قومه خاصة بدعوة التوحيد، وبشريعة تناسب ما هم عليه.. وتنهاهم عن الإثم الذي فشا فى مجتمعهم بالذات.. هذا بالإضافة إلى إرساء منظومة الأخلاق والآداب التي كانت قاسما مشتركا فى كافة الشرائع السماوية..

فشريعة قوم (عاد) حملت لهم النهي عن الفساد والتجبر في الأرض.. وشريعة (مدين) حملت لهم النهي عن قطع الطريق وبخس الناس أشياءهم، و أمرتهم بالقسط في الميزان.. وقوم لوط جاءتهم النذر والنهي عن فعل الفاحشة.. وبني إسرائيل أتاهم من الأنبياء والرسل مالا يعلمه إلا الله فكفروا و عاندوا، فقتلوا أنبياءهم وهموا بقتل آخر رسلهم عيسى إبن مريم..

فالشرائع مختلفة بإختلاف أحوال الأمم.. والمنهاج مختلف بما يناسب أعرافهم وزمانهم.. أما الدين فواحد ثابت.. لم يتغير ولم يختلف.. فما قاله المسيح بن مريم فى المهد هو ما قاله للحواريين لاحقا.. هو ماقاله موسى لقومه.. هو ما قاله نوح لقومه.. وهو ما حمله كل رسول ونبي إلى قومه.. (أن إعبدوا الله ربي وربكم) .. التوحيد.


وكان ذلك قائما حتى بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة.. فنسخت كل الشرائع السابقة، إنتبه أخي فى الله إلى كلمة الشرائع.. فلم نقل الأديان السابقة، وجاء بالشريعة الجامعة إلى يوم القيامة.. وخاطب الله بها الناس جميعا.. إنسهم وجنّهم.. عربهم وعجمهم.. يهود ونصارى.. فكل الناس مطالبون بإتباع هذه الرسالة الخاتمة والإيمان بالرسول العاقب.. (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته وإتبعوه لعلكم تهتدون)..

فما كان من شرع قبل بعثة النبى فمنسوخ، ولا يقبل الله من عباده إلا إتباع دين الإسلام والإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.. فهذا هو (الدين السماوي) الوحيد الذي نعرفه..

والأمر لا يحتاج لكثير فهم ليتيقن المرء من بطلان هذه الدعوى وزيف تلك المقولة..
فنصارى اليوم لا يقولون بالتوحيد.. بل جعلوا المسيح ابن الله.. وبعض فرقهم تقول أن المسيح هو الله.. واليهود أعظموا الفرية على الخالق.. فقالوا يد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء.. وقالوا فى أنبياءهم ما لم يقله فاجر فى فسق داعرة..

فكيف يعقل -يا عقلاء- أن يكون هذا الهراء والكفر البواح دينا سماويا من عند الله؟!
فهل يعقل أن ينزل الله فى القرءان أنه واحد أحد وأنه لم يلد ولم يولد، ثم نأتي نحن ونضفي القدسية (السماوية) على من قال بأن الله ثالث ثلاثة أو أنه المسيح بن مريم؟؟!!

فكيف يكون كل منهما دينا سماويا من عند الله؟


أصحاب هذه الدعوة الفاشلة لم يتعرضوا في بياناتهم الرصينة ولا في خطبهم الرنانة عن تسامح الأديان السماوية إلى حقيقة التحريف الذي نال تلك العقائد، أو أن الكتب التي بين أيديهم لم يبق فيها إلا الحق القليل مختلطا بباطل عظيم.. بل لا يجرؤون على قول ذلك!

أليس هذا هو دورنا كمسلمين أن نبين الخطأ.. ونخرج الناس من الضلالة إلى الهدى..
أم نقول للضالين أنتم مثلنا.. أصحاب دين سماوي.. أو أنكم مهتدون!؟


فقد أتوا بأبواب كاملة منقولة من كتب الفقه إسمها (أحكام اهل الذمة)، ثم أعادوا صياغتها وسموها (تسامح الإسلام مع أهل الديانات السماوية)..

ونحن لا ندرى لماذا لا يسمونها بإسمها الحقيقي؟.. وما الذي حشر هذا المصطلح المشبوه وسط عقائد المسلمين وأدخله بين مفرادتنا؟؟

فأين هى حقيقة هذه الأديان يا دعاة التجهيل؟

قولوا لنا من قال بمثل هذا الكلام فى الأولين أو فى الآخرين؟!
فكأن دعوتنا لغير المسلمين من أهل كتاب أو غيرهم لدخول الإسلام هي من قبيل التحسينات العقائدية أوإضافة بعض الكماليات الغير ضرورية للعقيدة، بإعتبار أنهم على صواب بالفعل!

فكيف نقول أن هناك أديان سماوية مختلفة في العقائد وفي صفات الرب.. بل حتى في أوصاف الحق والباطل.. وأوصاف أهل الجنان وأهل الجحيم؟!

ولعمري كبرت كلمة تخرج من أفواه النخاسين..
الذين يريدون بيع ديننا وترك فريضة الجهاد و دعوة الناس لدين الحق..


هذا للتنبيه.. والله أعلم
وقانا الله وإياكم شر الزيغ بعد الهدى
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون