مقالة أعجبتني للكاتب القطري لحدان بن عيسى المهندي
مقالي الذي حدثني
بينما أنا جالس أتصفح بعض المقالات، قفز في وجهي مقال لي لم أكتبه بعد، وجعل ينظر إلي شزراً ويقول: لماذا لم تكتبني بعد رغم ان الافكار والمشاهد تزدحم في عقلك وامام ناظريك؟، قلت: انا مشغول، قال مقالي: واي شغل تافه هذا الذي يصدك عن إسداء الرأي او توجيهة نصح، يكون فيه اصلاح، فهذا افضل من شغلك الذي يقتصر نفعه عليك انت، إنها انانية! قلت: أخشى ان اكتبَ وأوصمَ بأني صاحب نظرة سوداوية، لا ينظر الا الى الاخطاء ولا يصفق للنجاحات ولا للإنجازات، أو أني أستخدم مساحة الكتابة الممنوحة لي لتصفية حسابات شخصية مع خصوم، قال مقالي: أمّا عن التصفيق للإنجازات فهناك من يكفيكها.. فهناك أناس وظيفتهم التصفيق حتى تحمر أيديهم!! لا يعرفون شيئاً اسمه نصح أو تقويم، لقد كفيت هذه الثغرة، أما عن خشية الناس وليس الإخلاص للوطن كما تدعي، فتذكر قوله تعالى: "وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه"، قلت: إن المرء يجب ان يكون مظهره جميلا وملبسه جميلا، ثم ان هناك اعتبارات اخرى لا تعلمها انت، قال مقالي: وما هي: قلت: الشخصانية، فنحن حينما نتحدث عن سلبيات معينة في عمل عام أو عن شخصية عامة، فعادة ما يفهم هذا على أنه نقد شخصي لهذه الشخصية لا للموقع الذي تشغله، مما يؤدي الى تعكير صفو العلاقات الشخصية بيننا وبينهم، خصوصاً أن كثيراً من القيادات تربطني بهم علاقة شخصية واحترام متبادل بل وحتى مصلحة شخصية، قال مقالي: تلك رجعية في التفكير فالقيادات في اي مكان هم وحدهم المسؤولون عن الخلل في المؤسسة، ثم قال مقالي: هممم.. مصلحة شخصية؟ قلت: لا تفهمني "غلط" مصلحة شخصية بمعنى معاملاتي عندهم قد يعطلونها.
قال مقالي: ألستَ من يصفك أصدقاؤك بأنك جريء في الحق ولا تخشى أحداً، وأنك تطرقت الى مواضيع لم يتطرق لها أحد، فقلت له منتشياً: أحقا ما تقول؟! ثم قلت لمقالي: في الحقيقة إن ما كتبته لا يدل لا على شجاعة ولا على جرأة!! قال: كيف؟ قلت: الشجاعة والجرأة تكون بأنك تقول رأيك وتعلم أن هناك خطراً محدقاً بك قد يؤدي بك الى مهلكة، أما أنا فأكتب ويجيرني ـ بعد الله ـ شخص أعلم أنه سيمنع عني الاذى إن حاول أحد الإضرار بي، قال: من قلت: حمد بن خليفة، فقال مشدوها: الأمير؟ قلت: نعم، فقال وهو مشدوه أكثر: وهل تربطك به علاقة مباشرة قلت: لا.. ليس بيني وبينه علاقه مباشرة، لكنه سندي عندما احتاج الى السند، قال: وهل هذه خصيصة لك، قلت: لا ولكنها عامة لكل من لديه رأي مؤدب، حتى وان خالف رأيه الشخصي أو حتى خالف توجه الدولة.
قال مقالي: إذن اُكتب يا رجل.. ودع عنك الشخصانية والمصلحة وتغلب على ضعف نفسك باللجوء الى قوة الله القوي العليم الحكيم، أليستْ هذه هي أسماءه الحسنى.
قلت لمقالي وعن ماذا أكتب، فقال: اكتب عن الخلل الكبير في القضاء، الذي يستغله النصابون فتضيع حقوق الناس ويسقط أحد الأركان الثلاثة للدولة، أوعن تعطيل القضايا وتأجيلها بحيث تجلس امام القاضي في قضية ما مع خصم لمدة خمس دقائق ثم يؤجلها شهراً، ثم بعده خمس دقائق اخرى ثم شهرين، وهكذا لتكتشف انه وبعد سنتين من القضية أن مجموع ما جلسته من وقت أمام القاضي لا يتجاوز الساعة، ألا تعلم المقولة التاريخية التي تقول: إن "المماطلة في العدالة هي ظلم محقق"، أو اُكتب عن بعض القضاة الذين لا يصلحون حتى أن يكونوا مأموري ضبط قضائي، فضلا عن أن يتولوا قضايا ومقدرات مؤسسات شخصية وعامة، ألم ترَ ذلك القاضي بذيء اللسان الذي جمعك به مجلس خاص، فكان أبذأ الموجودين لساناً، حتى انتهره أحد الجلوس فصمت وانزوى كأنه طفل؟، هل هذا يصلح كي يكون قاضياً، هذه النوعية من القضاة يمكن التلاعب بهم بسهولة.
قلت لمقالي: لاشك أن هذا مسؤول عنه رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد العامري لا غيره، وأنت تدفعني للدخول في حقل ألغام لا آمَن عقباه، خصوصا أن لي قضايا رافعها على مؤسسات، وهناك من رفع قضايا علي.. غير الموضوع.
قال لي مقالي: طيب.. اذن اُكتب عن البلدية وعن وزيرها الذي وضعها في (الفريزر) فجمدت وخلت من القطريين، وعن سوء إدارة مشاريع أشغال.. فقاطعته، وقلت: أأكتب عن شمس في رابعة النهار، هذا واضح لكل صاحب نظر فما الجديد؟ غير الموضوع.
قال مقالي: حسناً اكتب عن مؤسسة حمد الطبية، وطول مواعيدها وكيف ان العائلة القطرية العادية.. (ركز على العادية).. لا تنتفع بهذه الخدمات الطبية، وانها موجهة الى الأجانب، ألا ترى حينما تذهب الى موعد في اي عيادة لا ترى الا أجانب، حاول ان تأخذ موعداً في عيادة الاسنان او الجلد او العيون فقد تفقأ عينك وينكسر سنك ويسحق جلدك قبل ان تجد موعداً فيها، قلت لمقالي: ألا تذكر حينما قابلت د. حنان الكواري في الطائرة وكانت قمة في الادب والاخلاق والاحترام، وحديثي الذي دار معها منذ ذلك الحين وأنا اتجنب الحديث عن مؤسسة حمد خشية الشخصانية؟، قال: لكنك قلت: إن الإدارة شيء والاخلاق والاحترام شيء آخر، قلت: دع عنك هذا.. وغير الموضوع..
قال: طيب لماذا لا تكتب عن جامعة قطر وكيف انه وبسوء الإدارة وخلل القيادة أبعدت أبناءنا وبناتنا عنها، وكيف أنه انحسر الدور التاريخي لجامعتنا الوطنية، وتأخرت كثيرا عما كانت عليه، واكتب كيف تصم الآذان عن السماع للرأي الآخر وللحكمة والنصح من العامة ومن المختصين، ثم يعودون بعد سنوات طويلة ليطبقوا ما كان يقال لهم، ويصفقون لأنفسهم على اعتبار ان هذا نوع من التجديد والتطوير ويصفق لهم المصفقون؟.
قلت لمقالي: قطعاً فالمسؤول الأول عن هذا التخبط هو رئيس الجامعة د. شيخة المسند، لكن هذا التخبط ليس في الجامعة فحسب بل هو في منظومة التعليم كلها، ورأيي الشخصي ان السبب الرئيسي في هذا التعنت والاصرار على الخطأ، هو القيادات النسائية الموجودة في التعليم، وأن التعنت في الخطأ وعدم السماع للطرف الآخر هو من دلالات ضعف القيادة، كما اثبتت الدراسات، وهو عَرَض من اعراض التخوف من الدخول في الخلاف المنطقي، كي لا ينكشف النقص، ودائما ما يكون هذا التعنت نابعا من اول قناعة اقتنع بها هذا القائد الضعيف، من شخص يشعر انه يتفوق عليه سواء في موقع او في معرفة، وقد ذكر الأديب الكبير عباس العقاد أن "دكتاتورية المرأة القائدة ناشئ عن شعورها الداخلي بالضعف" انتهى، وكذلك فسر العلماء الحديث الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في الترمذي"إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها" صدق رسولنا الكريم.
لاحظ المقابلة في الحديث خياركم شراركم، سمحاؤكم بخلاؤكم، وحينما أتى إلى وأمركم شورى بينكم قابلها بـ "وأمركم إلى نسائكم"، هذه المقابلة تقتضي أنه اذا تحول الأمر أو القيادة الى المرأة فانه أبعد ما يكون عن الشورى أو عن الديمقراطية أو اصطلاحا عن سماع الرأي الآخر، فينتج عنه الإصرار والتعنت في الرأي مخافة انكشاف الضعف، والواقع يصدق ما أقول، مع أن الاشتراك على الرأي لا يعني ضعف القائد، فقد استُدْرِكَ على قائد البشرية الرسول صلى الله عليه وسلم فنزل عند آرائهم، وكذلك القادة من بعده مسلمين وغير مسلمين، لكنها طبيعة المرأة التي تقود وتقاد بالعاطفة، سلبية كانت أم إيجابية.
فقال مقالي: إذن اُكتبني عن هذا الموضوع.. وفصل فيه أكثر، فصمت وساد السكون المكان..؟!
فقطع مقالي هذا السكون، قائلا: والله لن تكتب شيئاً.. وهذه اعتباراتك ومخاوفك ومصالحك، رأيك ان لم تقله مات في نفسك، وان لم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لم ينفعك شغلك التافه.. فقلت له: لا تقل "تافه".. قال: بل تافه شئت أم أبيت، فان الانسان إن لم يكن له رأي يمليه عليه ضميره، ولا يحكمه فيه الا عقله، وليس مصلحة شخصية فهو إنسان تافه.. ثم أدار مقالي لي ظهره، وهمّ أن يمشي، لكنه التفت إلي، وقال: ماذا تقول عن توتر واهتمامات شخصياتكم العامة فيه مقارنة باهتمامات الشخصيات العامة للدول المجاورة، وأين هم مسؤولوكم لماذا لا يتواجدون فيه.. فلم أجبه فأدار لي ظهره وولّى.. حتى اختفى بين أفكاري وخيالاتي.