ليلة القرنقعوه الليلة التي تؤصل التراث الخليجي العريق، وتعيد التاريخ القديم، والماضي العتيد لأبناء الخليج، فهي طابع تراثي يتجدد كل عام، وليلة لا تنسى أبدا، لا من الذاكرة، ولا من المبادرة في إحيائها كل سنة، بحلة جديدة متطورة تناسب كل زمن وعصر، وإن جاءت كل سنة بثوب الحداثة تظل هي نفسها الليلة التي تبعث عبق الماضي الأصيل، وتجسد هويتنا التراثية، وماضينا الجميل، وتعزز التراث القطري والخليجي وتظهر التمسك به عند الجميع، مواطنين، ومقيمين.

إن هذه الليلة والتي نحييها في النصف من رمضان، باحتفالات تعلم أطفالنا عادات وتقاليد، توارثها الأجيال، هل مازالت تعيد الماضي بقيمه النبيلة التي تربى عليها الاباء، وتغرس فيهم صفات حميدة تفجرت من ينبوع حياتهم البسيطة؟ فهل ليلة القرنقعوه اليوم نرى من خلالها تواضع، وقناعة، ومحبة ذلك الجيل البسيط في عيشه، والعظيم بصفاته الطيبة، أم أنها صارت مجرد ذكرى تقاليد رمضانية شعبية قديمة لم تسلم من بهرجة أتت بها مظاهر الحداثة تطرح سلوكيات ترفضها الأخلاق ولا يقبلها الشرع، عندما صارت حفلات القرنقعوه سوقا للمباهاة والتكلفة بين الأسر التي باتت تصرف عليها الاف الريالات، ومرتعا خصبا لتجار الحلويات والمكسرات والملابس ؛ حين يستغلون هذا الموسم لرفع الأسعارعلى الناس لأنهم متأكدون في نهاية المطاف أنهم سيشترون للاحتفال بليلة القرنقعوه، هذا من جهة ومن جهة أخرى موضة مصممات الأزياء اللاتي كثر عددهن هذه الأيام وكثرعرضهن لأشكال وأنواع من الأزياء التي تفوق أسعارها الخيال، وذلك لأنهن يجدن الكثيرات ممن لديها استعداد أن تدفع أي مبلغ مقابل ألا تسعد أطفالها فحسب، بل أن ترضي غرورها أيضا بمنافسة الأخريات بالتفاخر في اتباعها اخر صيحات الموضة، فغدت كل مصممة تنافس غيرها في اختيار الأقمشة، والتفنن بطرق التزيين لمزيد من الكسب التجاري.

نحن لا نعارض الحداثة في احتفالات مناسباتنا التراثية الشعبية، ولا بطرق الإبداع والابتكار في زينتها وزينة أدواتها وملابسها، وإنما نعارض استغلال الكثير من التجار لها بالمبالغة والتلاعب في رفع الأسعار وذلك لأنهم متيقنون أن الجميع مضطر للشراء لاحياء المناسبة، كما إننا نعارض ما ولدته لنا تلك المبالغة في المظاهر الزائفة من صفات ينبذها الدين والأخلاق، حين تظهر علامات الإسراف في شراء ملابس باهظة الثمن لا تلبس إلا مرة واحدة ثم ترمى أو تركن في الخزائن حبيسة لا من أجل أن تلبس في السنة القادمة، للأسف لأن ذلك يعد عيبا في ثقافة هذا الجيل المرفه الذي تربى على حب المظاهر، والبهرجة، والبعد عن البساطة التي نشأ عليها آباؤه.

ضرورة أن يحرص كل بيت قطري على إحياء هذه المناسبة ؛ حتى تبقى حية في الأجيال الجديدة ولا تندثر مع الزمن، وضرورة أيضا أن لا يطمس هذا البيت قيم التواضع، والاعتدال من خلالها، وضرورة ألا يترك مجالا لتجار القرنقعوه كي يستغلوه وينحروا أو يهدروا ماله


الموضوع منقول
للكاتبة منى العنبري
http://www.al-sharq.com/ArticleDetai...B9%D9%88%D9%87