بعد أربع سنوات على تضرر اقتصادات دول الخليج العربية جراء انهيار أسعار النفط يعاود نشاط الأعمال الخاصة الازدهار في معظم انحاء المنطقة لكن مشاكل تمويلية وتنظيمية قد تحول دون استمرار ذلك طويلا.

وقال مسؤولون تنفيذيون وخبراء بالاقتصاد في قمة رويترز للاستثمار بالشرق الأوسط هذا الأسبوع إن مكاسب القطاع الخاص معرضة للخطر وحذروا من أن النمو قد يتباطأ سريعا إذا تراجعت أسعار النفط أو خفضت الحكومات الإنفاق من أجل الحفاظ على مواردها المالية.

وقالت ليز مارتنز وهي خبيرة اقتصادية متخصصة في شؤون المنطقة لدى إتش.اس.بي.سي "النمو الجيد الذي نشهده حاليا مرتبط بالدورة الاقتصادية وناجم بالأساس عن الإنفاق الحكومي لكن هناك معوقات هيكلية لنمو القطاع الخاص على المدى البعيد."

وكشف انهيار سوق النفط في عام 2008 حينما هوت الأسعار ما يصل إلى 75 بالمئة في ستة أشهر عن سهولة تأثر الدول الخليجية وقطاعاتها النفطية الكبيرة التابعة للدولة. وقد نجت السعوية بشق الأنفس من الركود في عام 2009.

والآن أوقدت أسعار النفط المرتفعة شرارة الشراء الاستهلاكي وهو ما يدعم الشركات الخاصة في مجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط هذا العام فائضا شبه قياسي في تجارة السلع والخدمات يقدره بنحو 400 مليار دولار. وتنفق حكومات بلدان الخليج الكثير من تلك العائدات النفطية على الرعاية الاجتماعية ومشروعات البنية التحتية.

ويساعد ذلك شركات القطاع الخاص بصورة مباشرة من خلال العقود التي تحصل عليها من الحكومات الخليجية وأيضا بصورة غير مباشرة من خلال توفر الأموال لدى المستهلكين الذين يعملون لدى الحكومة أو يحصلون على إعانات.

وقال فابيو اسكاتشيافيلاني كبير الاقتصاديين في الصندوق العماني للاستثمار "النمو المستقر الذي شهدناه في مختلف أنحاء مجلس التعاون الخليجي خلال الستة فصول إلى الثمانية فصول الأخيرة يأتي ... من دعم القطاع العام الذي حفز أيضا القطاع الخاص."

وتأتي تنمية القطاع الخاص على رأس أهداف سياسات الحكومات الخليجية منذ انهيار عام 2008 إذ تسعى الحكومات لتنويع مواردها الاقتصادية بعيدا عن النفط لتقليل مخاطر حدوث انهيار مماثل مستقبلا.

واكتسب تشجيع الشركات الصغيرة الخاصة أهمية أكبر بعد انتفاضات الربيع العربي العام الماضي لأن هذه الشركات عادة هي التي توفر معظم فرص العمل.

وبالرغم من ان الدول الخليجية لم تشهد أي اضطرابات فهي حريصة على خفض البطالة لإزالة خطر سياسي محتمل.

وتشير الاتجاهات التي سادت خلال العام الماضي إلى بعض النجاح. فقد زاد الإقراض المصرفي للقطاع الخاص في السعودية وقطر وعمان بمعدل في خانة العشرات وسجل المعدل السنوي 14.8 بالمئة في السعودية في سبتمبر أيلول وهي أسرع وتيرة منذ مارس آذار 2009.

وقالت وزارة العمل السعودية في سبتمبر إنه تم خلق 380 ألف وظيفة في الشهور العشرة الماضية.

وتقول عمان إن قطاعها الخاص أضاف 155 ألف وظيفة بين يناير كانون الثاني وسبتمبر.

ويتجسد ازدهار القطاع الخاص في شركات مثل جرير للتسويق السعودية التي تبيع الكتب واللوازم المكتبية والالكترونيات والتي تعتزم رفع عدد متاجرها بنسبة 70 بالمئة على الأقل خلال خمس سنوات ودخول أسواق أخرى بمجلس التعان الخليجي.

وأبلغ محمد العقيل الذي أسس جرير بالاشتراك مع اسرته في عام 1979 قمة رويترز "نتوسع في السعودية والخليج ونريد أن ننتشر في دول مجلس التعاون الخليجي."

وسجل الاقراض المصرفي نموا أبطأ في الإمارات حيث أحد أكثر اقتصادات الخليج تنوعا ويسهم القطاع غير النفطي بنسبة 62 بالمئة في الناتج بفعل تداعيات انهيار السوق العقارية.

لكن القطاع الفندقي الذي تركز عليه الشركات الخاصة يزدهر مع نمو عدد السائحين الوافدين للبلاد عشرة بالمئة وايرادات الفنادق 19 بالمئة في النصف الأول من 2012.

لكن الشركات الخاصة في الخليج ما زالت لا تستطيع النمو بالاعتماد على نفسها والصمود في مواجهة تقلبات أسعار النفط وتغير مستوى الانفاق الحكومي. وإحدى المشاكل التي تواجهها هي التمويل.

وقالت مارتنز من إتش.اس.بي.سي إن أسواق السندات والأسهم بالمنطقة صغيرة ولذا من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة أن تعتمد عليها في جمع الأموال.

ويترك ذلك الشركات أمام خيار الاقتراض من البنوك لكن كثيرا من بنوك الخليج تجحم بشكل تقليدي عن اقراض الشركات الصغيرة غير المعروفة حيث تفضل الإقراض الآمن للشركات الكبيرة لا سيما المرتبطة بالدولة.

وقال عبد الله الدرمكي الرئيس التنفيذي لصندوق خليفة لتنمية المشاريع التابع لحكومة أبوظبي "المؤسسات المالية تعتبرها (الشركات الصغيرة والمتوسطة) أصولا عالية المخاطر."

وقال ريك بودنر الرئيس التنفيذي لبنك الإمارات دبي الوطني أكبر بنوك دبي في قمة رويترز "ينبغي أن يكون لديك سجل أعمال لثلاث سنوات قبل أن تأتي وتطلب اقتراض بعض المال."

وأضاف بودنر أن قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الحصول على قروض مصرفية ستتحسن فيما يرجع جزئيا لجهود حكومية.

وقال "سترى أن الحصول على التمويل المصرفي سيصبح أسهل كثيرا ربما بدعم من عنصر سيادي من الدعم الحكومي."

لكن حتى عندئذ ربما تواجه الشركات الخاصة عقبة أخرى وهي القواعد التنظيمية.

وبرزت مخاطر اضافة قواعد تنظيمية جديدة الأسبوع الماضي حينما قالت السعودية إنها ستغرم شركات القطاع الخاص التي يتجاوز عدد العاملين المغتربين بها عدد السعوديين وهو موقف قد يكون له تأثير كبير في ضوء أن تسعة تقريبا من كل عشرة موظفين في القطاع الخاص بالسعودية اجانب وفقا لتقديرات رسمية.

وفي حالات أخرى يعوق عدم اتضاح القواعد التنظيمية وتعقيدها أو عدم وجودها على الإطلاق أنشطة الشركات الخاصة.

وقال اسكاتشيافيلاني "إحدى النقاط الرئيسية هي قانون الافلاس.. وكذلك قوانين العمل وحماية حقوق العمال في صالح المواطنين لكنها لا تحمي حقوق المغتربين بما يكفي. والنقطة الأخرى هي بنود حماية المستثمر."

وأضاف "هناك علم بذلك لكن ليس هناك تحرك يذكر."