بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويقصد بالدهر الأيام والأسابيع والشهور والسنين والساعة والدقيقة،
فالناس عندما تنزل بهم النوازل والمصائب أول ما يتلفظون به سب الدهر

كمن يقول(الله يقلعه من يوم،الله يلعنها من ساعة) ونحو ذلك من ألفاظ السّباب،فهو يأثم على اللعن والكلام القبيح،وثانياّ يأثم على لعن ما لا يستحقّ

اللعن فما ذنب اليوم والسّاعة،فما هي إلا ظروف تقع فيها الحوادث وهي مخلوقة ليس لها تدبير ولا ذنب،وكذلك فإنّ سبّ الزمن يعود على خالق

الزمن،وهذا السب يرتكبها بعض الناس بحكم العادة لكنها مما تنقص التوحيد ويسئ إلى العقيدة لأن فيها إسناد الذم الى المخلوقات فيما ليس لها فيه

تصرف،فيكون هذا الذم في الحقيقة موجهاً الى الله سبحانه وتعالى لأنه الخالق المتصرف،وما يحصل في هذا الدهر من خير أو شر فهو بقدر الله

تعالى،وقضاء الله خير لمن تأمل وعرف العقيدة الصحيحة،فمن سب الدهر فقد سب الله تعالى ، لأن الله هو الدهر،وهو يقلب الليل والنهار،وكل شيء

بيده سبحانه،عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال الله عز وجل(يؤذيني ابن آدم،يسب الدهر وأنا الدهر،بيدي

الأمر،أقلب الليل والنهار)الراوي،أبو هريرة،خلاصة الدرجة،صحيح،المحدث،البخاري، المصدر،الجامع الصحيح،الصفحة أو

الرقم،7491،وسئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن حكم سب الدهر،فأجاب قائلاّ،سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام،.القسم الأول،أن يقصد الخبر المحض

دون اللوم،فهذا جائز مثل أن يقول،تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده،وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر،ومنه قول لوط

عليه السلام ( هذا يوم عصيب )القسم الثاني،أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر،أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو

الشر ،فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقاّ حيث نسب الحوادث إلى غير الله،القسم الثالث،أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله،ولكن يسبه

لأجل هذه الأمور المكروهة،فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر،لأنه ما سب الله مباشرة ، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً ،فتاوى

العقيدة،وكان من شأن العرب في الجاهلية ذم الدهر وسبه عند النوازل،وتبعهم على هذا كثير من الفساق والحمقى إذا جرت تصاريف الدهر


على خلاف مرادهم جعلوا يسبون الدهر والوقت،وربما لعنوه،وهذا ناشئ من ضعف الدين،ومن الحمق والجهل العظيم،فإن الدهر ليس عنده من الأمر


شئ، فإنه مدبر مصرف ، والتصاريف الواقعة فيه تدبير العزيز الحكيم،ففي الحقيقة يقع العيب والسب على مدبره،وهذا معنى الحديث القدسي السابق


(يؤذيني ابن آدم،يسب الدهر وأنا الدهر،أي المتصرف فيه بدليل قوله بعد ذلك(أقلب الليل والنهار)وكما أنه نقص في الدين فهو نقص في العقل ، فبه


تزداد المصائب ويعظم وقعها،ويغلق باب الصبر الواجب،أما المؤمن المتمسك بالكتاب والسنة فإنه يعلم أن التصاريف واقعة بقضاء الله وقدره


وحكمته ، فلا يتعرض لشيء من هذه التصاريف بعيب ما لم يعبه الله تعالى أو رسوله،بل يرضى بتدبير الله ويسلم لأمره،وبذلك يتم

توحيده وطمأنينته،فينبغي على المسلم أن ينزّه لسانه عن هذا

الفحش والمنكر،فبيَّن أن ابن آدم حين يسب الدّهر والزمان ، فإنما

يسب ،في الحقيقة،الذي فعل هذه الأمور وقدَّرها ، حتى وإن أضاف الفعل إلى الدهر ، فإن الدَّهر لا فعل له ، وإنما الفاعل هو ربُّ

الدهر المعطي المانع ، الخافض الرافع ، المعز المذل ، وأما

الدهر فليس له من الأمر شيء ، فمسبتهم للدهر هي مسبة لله عز وجل ، ولهذا كانت مؤذية للرب جل جلاله،فالإنسان بسبِّه للدهر


يرتكب جملة من المفاسد ، منها أنه سبَّ من ليس أهلاً للسب ، فإن الدهر خلق مسخَّر من خلق الله ، منقاد لأمره متذلل لتسخيره

،ومنها أن سبه قد يتضمن الإشراك بالله جل وعلا ، إذا اعتقد أن

الدّهر يضر وينفع ، وأنه ظالم حين ضر من لا يستحق الضر ،

ورفع من لا يستحق الرفعة ، وحرم من ليس أهلاً للحرمان ،فساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما ،إما مسبة الله ، أو الشرك

به ، فإن اعتقد أن الدَّهر فاعل مع الله فهو مشرك ، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك ، فهو يسب الله تعالى،ثم إن في النهي

عن سب الدهر دعوة إلى اشتغال الإنسان بما يفيد ويجدي ،

والاهتمام بالأمور العملية ، فما الذي سيستفيده الإنسان ويجنيه

إذا ظل يلعن الدهر ويسبه صباح مساء ، هل سيغير ذلك من حاله ،هل سيرفع الألم والمعاناة التي يجدها ،هل سيحصل ما كان يطمح


إليه ، إن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً ، ولا بد أن يبدأ التغيير من النفس وأن نشتغل بالعمل المثمر بدل أن نلقي التبعة واللوم على

الدهر والزمان الذي لا يملك من أمره شيئاً ،قال تعالى( وأنا الدهر

بيدي الأمر أقلب الليل والنهار )والليل والنهار هما الدهر،وقد ذكر

الحديث أن في سب الدهر أذية لله جل وعلا ،ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن فقال تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله


في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا )الأحزاب،ونفى عن نفسه أن يضره شيء ، فقال تعالى(إنهم لن يضروا الله شيئا )آل عمران،

وقال في الحديث القدسي( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ) رواه مسلم.