بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال تعالى(وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون)(آل

عمران،يقول القرطبي في تفسير هذه الآية،أي يأتي به حاملاً له على ظهره وعلى رقبته،معذباً بحمله وثقله،ومرعوباً بصوته ،

وموبخاً بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد،والأصل في الغلول،الأخذ من الغنيمة قبل أن تُقسم، ويدخل فيه كل

من أخذ مال من بيت المسلمين، دون رضى الأمة بذلك،وروى الإمام أحمد فى مسنده،عن عبادة بن الصامت،عن النبي صلى

الله عليه وسلم قال(أدوا الخيط والمخيط،وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة)ومن صور الغلول اليوم التهاون

في الأموال العامة،نشاهده من أمور كثيرة استهان بها الكثير من الناس وخاصة الموظفين والموظفات،أحدهم يضع هاتفه

الجوال جانباً ثم يتكلم من هاتف العمل في أموره الشخصية،وآخر يرسل العامل أو الفراش في العمل ليقضي له

حاجة أو يأتي له بطعام من المطعم القريب،وثالث يستخدم سيارة العمل في قضاء حاجياته أو ليقوم برحلة خارج المدينة

مع عائلته،ورابع وهو مسؤول يستخدم سائق العمل لتوصيل أولاده من وإلى مدارسهم أو لشراء حاجيات البيت من السوق

أو الجمعية،وخامس لا يأبه من الخروج مبكراً من العمل بحجة أنه لا يوجد تقدير للموظف من حيث الراتب أو العلاوات

،ويستخدم حاسوب العمل في طباعة أوراقه الخاصة،واّخر يحمل معه أقلام وأدوات العمل إلى البيت ليوزعها على أطفاله

لأن الخزنة عنده ممتلئة من مثلها،فأين نحن جميعاً ومنهج سلفنا الصالح في أعمالهم وورعهم وتقواهم،فهذا عمر بن عبد العزيز

جاءه أحد الولاة وأخذ يحدثه عن أمور المسلمين وكان الوقت ليلاً وكانوا يستضيئون بشمعة بينهما،فلما انتهى الوالي من

الحديث عن أمور المسلمين وبدأ يسأل عمر عن أحواله قال له عمر،انتظر فأطفأ الشمعة وقال له،الآن اسأل ما بدا لك،فتعجب

الوالي وقال،يا أمير المؤمنين لما أطفأت الشمعة،فقال عمر،كنت تسألني عن أحوال المسلمين وكنت أستضيء

بنورهم،وأما الآن فتسألني عن حالي فكيف أخبرك عنه على ضوء من مال المسلمين،فما أحوجنا لجزء من مثل هذا الورع

والخشية من الله،لقد استهان الناس كثيراً بحرمات الله،ولكثرة فعلها اعتادوها حتى أصبحت الكبائر صغائر،وأضحت

المحرمات حلائل،وأمست المنكرات غنائم،ونسوا قوله تعالى(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقَاته ولا تموتن إلا وأنتم

مسلمون)أين الورع في أموال المسلمين،وأين الزهد والمراقبة والمحاسبة،رحم الله زماناً وأهله مضوا يوم أن كانوا يحاسبون

النفس عن القليل والكثير،كان أبو بكرالصديق رضي الله عنه،ذات يوم وقد جاء غلام له بتمر،فأكل منه تمرة،وكانت

عادة الصديق ألا يأكل طعاماً من يد خادمه إلا بعد أن يسأله،من أين لك هذا، فأكل الصديق ذات مرة من ذلك الطعام قبل أن

يسأله،فلما ابتلعها سأل خادمه وقال له(من أين لك هذا التمر،فقال،تلك كهانة كنت تكهنت بها في الجاهلية لرجل

فأعطاني عليها هذا، فأدخل الصديق رضوان الله عليه أصبعه في حلقه، فأخذ يخرجها،ويتقيأ،حتى كاد يهلك من شدة ما جهد

نفسه بذلك،حتى خرجت تلك التمرة،وخرج سائر ما في بطنه،فقال له الغلام،لقد شققت على نفسك،فقال، والله لو لم

تخرج هذه التمرة إلا مع روحي لأخرجتُها)الله أكبر،الله أكبر،أين المسلمون في هذا الزمان عن تلك الصورة الإيمانية

الرائعة،الذي لا يبالي أحدهم أي مال وقع في يده,وأي لقمة وضعها في فمه،أيدري أنه حلال أو حرام،إننا نرى في هذا

الزمان بعض المسلمين يظنون أن من الذكاء، ومن الحنكة، ومن القدرة العقلية، أن يخدع دائرة ما،أو جهة ما، لينال منها

صكاً يتقوى به على مال أخيه بالحرام، أو ليزور طريقة لكي ينهب ويسلب شيئاً من متاع أخيه بالحرام،ألا يظن أولئك أن

الخصومات ستُعاد يوم القيامة، وسيقف الناس بين يدي الله ،وأنه سيُحاسب حساباً شديداً،إن لم يركم البشر فرب البشر

يراكم،فسيفضحكم يومها على رؤوس الأشهاد،فالجزاء من جنس العمل،فما أنتم يومها فاعلون حين تنطق ألسنتكم

وجوارحكم بما أخزيتم،فاتقوا الله وخففوا الحمل في هذه الدنيا،لا تثقلوا كواهلكم بحقوق الناس وأعراضهم ودمائهم، فحسب ابن

آدم أن يغدو بما اجترح من الذنوب والسيئات، عسى الله أن يتجاوز ويتدارك الجميع برحمته،ومن أعظم الغلول،روى

الإمام أحمد عن أبي مالك الأشجعي،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(أعظم الغلول عند الله عزوجل ذراع من

الأرض،تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاّ،فإذا اقتطعه طوقه من

سبع أرضين إلى يوم القيامة)قال أحد الدعاة،والغلول ولو لشيء يسير قد يذهب بالحسنات العظام،فلا تكن غولاً تأكل غلولاً،طهر نفسك من خيانة الأمانة ومن الغلول ومن إهدار المال العام بأي شكل من

الأشكال،فإن الله سيحاسبك على كل صغيرة وكبيرة فلا تستهين بالمعصية مهما صغرت بل انظر إلى عظمة من تعصي،


اللهم احفظنا في ديننا الذي هوعصمة أمرنا ،وجعل قلوبنا سليمه خاليه من الأحقاد والغلول.