بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومن رحمته ولطفه بعباده،إنه يسر لهم فعل الحسنات التي ترجح الميزان ورغًبهم فيها،وحًذرهم من السيئات التي تثقل كفة
السيئات ونفرهم عنها،ومنها أن جعل الحسنة بعشر أمثالها،حتى أن العبد يفعل الحسنة فتثقل بقدر عشر مرات على وزنها،بينما
جعل السيئة ترجح في ميزان السيئات مرة واحدة على وزنها،
ومن ذلك،انه جعل الحسنات يذهبن السيئات،فقال تعالى(وأقم
الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)هود،وجعل الاستغفار يذهب السيئات

ويخفف كفتها،وذلك جعل التوبة النصوح تتبدل بها السيئات إلى حسنات،قال تعالى(إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك

يبدل اللَه سيئاتهم حسنات وكان اللَه غفوراً رحيماً)الفرقان، قال النبي صلى الله عليه وسلم(إن الله تعالى كتب الحسنات و

السيئات،ثم بين ذلك،فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة،فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى عنده

عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة،وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة،فإن هم بها فعملها

كتبها الله تعالى سيئة واحدة،ولا يهلك على الله إلا هالك) متفق عليه من حديث ابن عباس،ومضاعفة أجور بعض الأعمال

الصالحة،بحيث لا تقاومها السيئات،مثل قوله صلى الله عليه وسلم،في حديث البطاقة(يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على

رءوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر،ثم يقول الله تبارك وتعالى،هل تنكر من هذا شيئاً،فيقول،لا

يا رب فيقول،أظلمك كتبتي الحافظون،فيقول،لا يا رب ثم يقول،ألك عذر،ألك حسنة، فيهاب الرجل فيقول،لا،فيقول،بلى إن

لك عندنا حسنة،وإنه لا ظلم عليك اليوم،فتخرج له بطاقة فيها،أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده ورسوله فيقول،يا

رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات،فيقول،إنك لا تُظلم،فتوضع السجلات في كفة،والبطاقة في كفة،فطاشت السجلات وثقلت

البطاقة) رواه ابن ماجة والحاكم عن ابن عمرو،وصححه الألباني في صحيح الجامع،وقوله صلى الله عليه وسلم(من قرأ

،قل هو الله أحد،عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة ) أخرجه احمد،وصححه الألباني في صحيح الجامع،

ومن حكمة الله في الابتلاء،
أن جعل كل بني اّدم خطاءين،ولم يعصم منهم إلا الأنبياء،من اجل تبليغ الرسالة،وذلك ليعلم من يستحق الإكرام

فيكرمه،ومن يستحق العقاب فيعاقبه،فأما المكرمين،فأنهم كلما عملوا ذنباً أحدثوا استغفاراً وتوبةً،أو عملوا من الحسنات ما

تمحي ذنوبهم ، فتخف بذلك كفة سيئاتهم،وترجح كفة حسناتهم،وأما الغافلين، فإنهم لم يتعرفوا على هذه المعادلة

أصلاً،ولم يحسبوا حسابها، فقال تعالى(إنهم كانوا لا يرجون حساباً)وقال عنهم(يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا

ليتني كنت تراباً)


فعلى كل من يريد النجاة والفوز برضوان الله والجنة،وتجنب سخط الله والنار،عليه أن يضع نصب عينيه ثلاثة أهداف أساسية،تكفيه إن شاء الله تعالى من الأعمال الصالحة وتكون بمثابة البرنامج العملي لمحاسبة النفس،وهي،

الهدف الاول،الترجيح الدائم لكفة الحسنات،
اغتنام كل الأعمال الصالحة،والحذر من استكثارها،تحري أقلها عملاً وأكثرها أجراً

مثل ما جاء في الصحيحين،عن النبي صلى الله عليه وسلم(كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى

الرحمن،سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم )الراوي،أبو هريرة المحدث،البخاري،المصدر،صحيح البخاري،ومثل قوله
صلى الله عليه وسلم(من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسع

وتسعون،وقال تمام المائة،لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن

كانت مثل زبد البحر )رواه مسلم،ونسيان الحسنات وتعويد النفس عدم ذكرها،فإنها ربما دخل عليه الشيطان بكثرة ذكرها حتى

يوقعه في العجب،الذي قد يؤدي إلى الرياء،واحتساب الأمر عند الله تعالى،والاستعانة بالله تعالى،وعدم الركون إلى العمل وحده

وطلب التوفيق منه،وانه لا حول له ولا قوة إلا بالله،وتذكر أنه لو شاء الله ما وفقه ولا شرح صدره،ولو شاء ما فقهه في الدين،

والثبات حتى الممات،وسلوك السبيل التي تؤدي إلى ذلك من مجالسة العلماء والصالحين والمحافظة على صلاة

الجماعة،وحلقات الذكر،وكثرة الدعاء والإلحاح على الله بذلك،

الهدف الثاني،المحافظة على الحسنات المكتسبة،البعد عن كل مايحبط الأعمال الصالحة،مثل الشرك والرياء والردة،وارتكاب نواقض الإسلام،فان ذلك مما يحبط الأعمال الصالحة،والمحافظة

على الحسنات المكتسبة،والتي قضى عمره في تحصيلها حتى يثقل ميزانه بها،فيحذر من الغيبة والنميمة وظلم الناس وشتمهم

والوقوع في أعراضهم،فان ذلك يجعلهم يوم القيامة يأخذون من حسناته بقدر مظالمهم،فإذا نفدت حسناته،أخذ من سيئاتهم

فوضعت على سيئاته،فوضع في النار،فيحدث أن تفرغ كفة حسناته وتملأ كفة سيئاته،والاستغفار،وخاصة من يكثر منه

الوقوع في أعراضهم،وذلك أملاً في أن يعوضهم بدلاً عن الحسنات التي يأخذونها منه يوم القيامة،فيكون ذلك بمثابة من

يفتدي نفسه بهذا الاستغفار،
الهدف الثالث،التفريغ الدائم لكفة السيئات،

كثرة التوبة والاستغفار،فان أثره كبير في تخفيف كفة

السيئات،وتثقيل كفة الحسنات،وتعويد النفس،انه كلما أذنب ذنباً،اتبعه بعمل صالح،من صلاة وصيام أو صدقة أو ذكر لله

تعالى،عملاً بقوله تعالى(إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)هود،والندم على الخطيئة وتعظيمها ودوام

تذكرها،والحياء من الله على جرأته عليه،فان ذلك يورثه ذلاً لله تعالى،وتواضعاً لخلقه،تذكر السيئات وعدم نسيانها،فلعله بكثرة

تذكرها،يحدث منها توبةً كلما ذكرها أورثه ذلك ذلاً وانكساراً،بين يدي الله تعالى،يرفع الله بها درجته ويثقل بها كفة حسناته.



اللهم ثقل موازيننا وارفع درجاتنا،ويمن كتابنا،ونسالك درجات العلى من الجنة،واجعلنا على حوض نبينا من الواردين،واسقنا منه شربةً لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين،
اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه،وتسود وجوه،