صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: بابا روما يدفع الجزية الى الاغالبة من بني تميم في القيروان

  1. #1
    Banned
    رقم العضوية
    44382
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    349

    Lightbulb بابا روما يدفع الجزية الى الاغالبة من بني تميم في القيروان

    الأغالبة أو بنو الأغلب سلالة عربية من بني تميم حكمت في المغرب الكبير (شرق الجزائر وتونس وغرب ليبيا) مع جنوب إيطاليا وصقلية وسردينيا وكورسيكا ومالطة. عاصمتها هي القيروان في تونس، واستمر حكمها من 800-909م. والأغالبة نسبة إلى ابراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي، المستقل بولاية افريقية في عهد هارون الرشيد، ومؤسس دولة بسطت نفوذها منذ سنة 184 هـ حتى سقوطها على يد الفاطميين العبيدين سنة 296 هـ.

    من المعروف والمشهور عن هذه الدولة اهتمامها بالجهاد البحري فأنشأت أسطولا ضخما تمكنت بفضله من فتح جزيرة صقلية بقيادة القاضي أسد بن الفرات وذلك في عهد أميرها الثالث زيادة الله بن إبراهيم سنة 212 هـ.

    وبعد صقلية، انطلق الأغالبة نحو إيطاليا، فهاجمت قواتهم مدينة برنديزي سنة (221هـ - 836م)، ثم استولوا على نابولي في السنة التالية لها، واستولوا على كابوا في سنة (227هـ -841م)، وافتتح المسلمون تارانتو، وفي عهد محمد بن الأغلب افتتحت مناطق واسعة من قلورية (كلابرية) جنوب إيطاليا، حتى قاربت قواته روما.

    بفِعْل غارات إسلامية قام بها الأغالبة حدثت بين 868 و 872 م على مدينتي جايتا، وسالرنو، ثم بعد ذلك أنزل الأغالبة بروما جيشا قويا وضيقوا عليها الحصار، وأوشكت أن تسقط فاضطر البابا يوحنا الثامن بابا روما إلى دفع جزية وهو صاغر للمسلمين، قدرها خمس وعشرون ألف (25000) مكيالا من الفضة.

    للاسف لم يهتم المؤرخون العرب بهذه الحقبة لعدة اسباب ولكن المستشرقين دونوا هذه الحملات الاسلامية وكان في تدوينهم حقد كبير ظاهر في اوصافهم للمسلمين وتزييفهم لبعض الامور.

  2. #2
    عضو
    رقم العضوية
    4252
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    447
    حسبالي خبر جديد ههههه

  3. #3
    عضو مميز
    رقم العضوية
    42042
    تاريخ التسجيل
    Feb 2012
    المشاركات
    1,778
    معلومة جيدة وقيمة ، شكرا جزيلا .

  4. #4
    Banned
    رقم العضوية
    43610
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    المشاركات
    146
    معلومات قيمة جدا وفعلا قليل من تطرق لها من المؤرخين العرب عدا ماذكر في قصة القاضي أسد بن الفرات حتى ان ماذكرته عن الأقتراب من روما لم يذكر في قصة اسد ابن الفرات واطلب منك يأخي اجودي انك تطرح لنا قصة اسد بن الفرات لما فيها من العضات والفوائد وان تضيف لنا معلومات وجدتها عن هذه المعارك اذا تكرمت

  5. #5
    عضو نشط جداً الصورة الرمزية alnoida
    رقم العضوية
    5753
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    الدولة
    أزغوه
    المشاركات
    1,101
    هل ممكن المصدر لو سمحت
    " قطــــرية أو قطري" <<< يعني كنز يمشي على الأرض !!

  6. #6
    عضو مؤسس الصورة الرمزية عضو دائم
    رقم العضوية
    16693
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,662
    موضوع يستحق القراءة !!

  7. #7
    Banned
    رقم العضوية
    44520
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    16
    منقول من كتاب / مواقف حاسمة في تاريخ الاسلام / تأليف محمد عبدالله عنان - الطبعة الخامسة - الناشر حسين عنان1997 م





    وليس في سير الحملات البحرية الاسلامية أمتع ولا أغرب من غزو المسلمين لمدينة رومة، فقد غزا المسلمون مدينة القياصرة مرتين. وليس لدينا سوى لمحات ضئيلة من أخبار هذا الغزوة التي عنيت بالإشارة إليها تواريخ الافرنج فقط.

    وقد نحمل صمت الرواية العربية على أن هذه الغزوة لم تكن لحساب حكومة اسلامية منظمة، وإنما قامت بها عصابات قوية من المسلمين، غير أنه يلوح لنا تكرر هذه الحملات على الشواطئ الايطالية وعلى رومة، ومن ضخامتها وانتظامها، ومن تعاهد قادتها مع البابا كما سنرى، ومن خروجها من ثغور صقلية وعودها إليها، أنها كانت على الأقل تعمل بوحي حكومة صقلية، أو بالأحرى حكومة إفريقية التي صقلية تابعة لها .

    وكانت(( ملكة العالم )) رومة لا تزال حتى في ذلك العهد التي فقدت فيه منعتها القديمة ، تتمتع بلمحة من هيبتها الذاهبة، وكان القوط والوندال واللومبارد قد غزوها مراراً وأثخنوا في أنحائها الفخمة، ولكنهم احترموا دائماً أحياءها ومعابدها المقدسة، التي كانت تقع في ظاهر الفاتيكان وفي طريق ثغر أوستيا الواقع على مصب تيفري ( التيير ) ، ولكن المعاهد والأساطير الصرانية تبث مثل هذا الروعة في أنفس البحارة المسلمين .

    ففي سنة 846 م (231 هـ ) سارت حملة كبيرة من صقلية نحو الشمال بحذاء الشاطئ الايطالي، وبعد أن عاثت في ثغورة وحاصرت جايتا ونهبت فوندى ، رست عند مصب نهر تيفري، وليس في الرواية الاسلامية ما يلقي الضوء على هذه الغزوة، ولكنها وقعت في عهد أبي العباس محمد ابن الاغلب أمير إفريقية ( 226 - 242 م ) ، وكان على صقلية يومئذ الفضل بن جعفر الهمذاني، والظاهر أنها كانت من السرايا البحرية الخاصة، ولكن لاريب أن لأمير صقلية يداً في تنظيمها وتوجيهها ، وكان على كرسي البابوية يومئذ الباب سيرجيوس الثاني، وكانت أسوار رومة لا تشمل كل المدينة القديمة ، بل كان الحي المقدس وكنيستا القديس بطرس والقديس بولس، وطائفة كبيرة من المعابد والقبور القديمة ، خارجاً عن الأسوار ، معرضاً للإعتداء .

    فانقض البحارة المسلمون على ذلك الحي وجردوا الهياكل والأصنام من حللها النفيسة ، وانتزعوا هيكلاً فضياً من قبر القديس بولس، وضربوا الحصار على مدينة القياصرة، فارتاع البابا واهتز الشعب الروماني فرقاً ورعباً ، وبادر الإمبراطور لويس الثاني ملك الافرنج واللومبارد بإرسال حملة من جنده لمقاتلة الغزاة، وجهزت ثغور نابولي ( نابل ) وأمالفي وجايتا حملة بحرية لمطاردتهم، وقدمت ذلك الحين سفن مسلمة أخرى لتشد أزر الحملة، على أن الذي أنقذ المدينة الخالدة من الوقوع في أيدي المسلمين هو خلاف الزعماء المسلمين أنفسهم، فرفعوا الحصار بعد أن قاتلوا جند الإمبراطور وسفن الثغور الايطالية قتالاً رائعاً غرق فيه بعض سفنهم، وعادوا الى الجنوب مثقلين بالغنائم والأسرى ( سنة 850 م ) .

    فكشفت هذه الجرأة للبابوية والنصرانية ضعف المدينة الخالدة وما تتعرض إليه من المخاطر، ونشط خلف سيرجيوس، ليون الرابع الى تحصينها، وأدخل الحي المقدس وكنيستي بطرس وبولس في حمى الاسوار، وحصن هذه الضاحية التي مازالت تسمى (المدينة الليونية ) تخليداً لاسمه، وأغلق مصب نهر تيفري بسلسلة ضخمة من الحديد تحول دون تقدم الهاجمين .

    وتوالت حملات السرايا المسلمة بعدئذ على الثغور الايطالية وكانت حملات ناهبة ، ولكن فكرة غزو المدينة الخالدة لبثت تجول في أذهان المسلمين أعواماً أخرى، ففي سنة 870 م - 256 هـ ، نشط أمراء البحر المسلمون في ثغور إفريقية والأندلس الى تجهيز حملة كبيرة ، ولم نجد في الرواية الاسلامية مايلقي الضوء أيضاً على أخبار هذه الحملة ، ولكن هنالك ما يدل على أن حكزمتي إفريقية وصقلية هما اللتان أشرفتا على إعدادها ومدها بالمؤازة المادية، وكان أمير إفريقية يومئذ محمد بن أحمد بن الأغلب ، ( 250-261 هـ ) وعلى صقلية محمد بن خفاجة ، وكان ابن الاغلب قد افتتح ماطا قبل ذلك بعام ، وظهر ابن خفاجة أمير صقلية بحملاته البحرية في مياه قلورية ، واجتمعت الوحدات المختلفة في بعض ثغور سردانية، ثم قصدت الى الشاطئ الايطالي فأثخنت فيه كعادتها ، ورست عند مصب نهر تيفري على قيد 16 ميلاً من رومة ، وكان البابا ليون قد عقد محالفة دفاعية مع مجمع الثغور الامبراطورية أعني نابولي وأمالفي وجايتا، فبادر أسطولها في الحال بالزحف على سفن المسلمين، تحت إمرة قائد شجاع فتى يدعى قيصريوس، فخف المسلمون الى لقائه ، ونشبت بين الفريقين معركة بحرية كبرى في مياه أوستيا ثغر رومة، ولكن عاصفة هبت عندئذ فارتد الاسطول الفرنجي الى الشاطئ، واصطدمت سفن المسلمين ببعضها البعض فغرق عدد منها .

    بيد أن هذه الخسارة الجزئية لم ترد المسلمين عن عزمهم، فلبثوا يهددون بالحصار حتى اضطر البابا يوحنا الثامن خلف البابا ليون أن يفاوضهم في الجلاء ، على أن يدفع لهم جزية سنوية قدرها 25 ألف مثقال من الفضة.




    المراجع :

    1- راجع أخبار هذه الغزوة في Famin : Iavasions des sarrazins en italie .
    2 - Gilbbon : ibid, Ch Lll . ففيها تفاصيل مفيدة عن غزوات المسلمين في المياه الايطالية .
    3- Finlay : ibid .
    4- وراجع أيضاً ابن خلدون ( ج 4 ص 100 - 205 ) .

    ************************************************** ********************

    وللاطلاع أكثر حمل كتاب / تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وجزر البحر المتوسط / لشكيب أرسلان :

    http://www.4shared.com/file/11685691...1/_______.html

  8. #8
    عضو مميز
    رقم العضوية
    35349
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    المشاركات
    3,533
    معلومات تاريخيه مفيده
    اشكرك على موضوعك
    اللهم لك الحمد ولك الشكر حتى ترضى ولك الحمد ولك الشكر إذا رضيت
    ولك الحمد ولك الشكر بعد الرضى

  9. #9
    عضو مؤسس الصورة الرمزية كازانوفا
    رقم العضوية
    29307
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    المشاركات
    21,956
    سبحان الله وين كنا ووين صرنا وان شالله المجد راجع لنا مهما تعددت الاسباب ان شالله قريب
    بانتظار المزيد عن اسد ابن الفرات
    كلامٌ للشّيخ ابن عثيمين-رحمه الله ، قال:

    " إذا رأيتَ نفسكَ مُتكاسلاً عن الطّاعة ؛ فاحذر أن يكونَ الله قد كرهَ طاعتَك ، فانتبه لنفسك"!
    __________________

  10. #10
    Banned
    رقم العضوية
    44382
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    349
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر الفاروق مشاهدة المشاركة
    معلومات قيمة جدا وفعلا قليل من تطرق لها من المؤرخين العرب عدا ماذكر في قصة القاضي أسد بن الفرات حتى ان ماذكرته عن الأقتراب من روما لم يذكر في قصة اسد ابن الفرات واطلب منك يأخي اجودي انك تطرح لنا قصة اسد بن الفرات لما فيها من العضات والفوائد وان تضيف لنا معلومات وجدتها عن هذه المعارك اذا تكرمت
    قاضي القضاة وشيخ الفتيا المجاهد الشهيد

    أسد بن الفرات


    بطل من أبطال الإسلام، وعلم من أعلام الفقه ورائد من رواد القضاء..

    كان في القضاء عادلاً، وفي الفقه معلماً ، وفي الحرب قائداً. لم يمنعه تقدم السن وأعباء الحياة من أن يترك حلقات العلم والحكم، وأن يودع القلم والمحبرة ليتفرغ لقيادة المجاهدين، وتأديب الغادرين، ورفع راية الإسلام.

    هو أسد بن الفرات بن سنان من حرّان بديار بكر. كان يعتز باسمه واسم أبيه وجده فيقول: أنا أسد وهو خير الوحوش، وأبي الفرات وهو خير المياه، وجدي سنان وهو خير السلاح..

    ولد أسد بن الفرات عام 145هـ. تفتح عقله على العلم، وحلّق فكره في الفقه، فكان في صدر شبابه لا يعرف إلا العلم والدرس والتحصيل.

    انتقل والديه إلى تونس حين كان عمره سنتان فنشأ بها وترعرع بين ربوعها، فكان لنشأته الفقهية أكبر الأثر في تكوينه.. التقى بالعالم المالكي الفقيه علي بن زياد ودرس عليه المذهب المالكي فنبغ فيه، ودرس الحديث والأثر. ظهر عليه النبوغ والذكاء، فقد كان يتفجر علماً وتقى. جلس يعلم الناس فالتف الناس حوله وأقبل العلماء عليه فلكل سؤال جوابه، ولكل معضلة حلّ.

    لم يكتف بذلك بل أراد أن يأخذ العلم من منبعه، وأن يحصل عليه من قائله، فعمل على لقاء الإمام مالك فتم له ما أراد. تتلمذ على يديه وسمع منه الموطأ، وتبحر في هذا المذهب وألف الأسدية في فقه الإمام مالك، ثم رجع ليفقه الناس في تونس والقيروان.

    عرف الناس علمه وفضله، فقد كان أكثر الناس علماً أذكاهم فهماً، وأفصحهم لساناً. ثم تاقت نفسه إلى الاستزادة من العلم والمعرفة فيمم وجهه شطر العراق حيث فقيه الرأي والقياس وأقطاب العلم وجهابذة النظر، فنشأ عن هذا اللقاء فيض القريحة وقوة الحجة. التقى هناك بالقاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن وهما من أجل أصحاب أبي حنيفة، فنقل عنهما أصول المذهب الحنفي. عارض وناقش ودرس الأصول والقواعد. رأى فيه أهل العراق رجاجة عقله وثاقب نظره وفكره المستقل وحسه المرهف، فلقي منهم كل احترام وتقدير، وكما نقل عنهم مذهب الإمام أبي حنيفة نقلوا عنه مذهب الإمام مالك.

    عاد القاضي الفقيه أسد بن الفرات إلى القيروان وازداد علماً وفقهاً ومعرفة فأخذ يفيض على الناس مما آتاه الله والناس مقبلون عليه يرجون فضله وينالون من علمه.



    المجاهد الشهيد..

    بينما الناس مقبلون على الدرس والتحصيل، والشيخ يعلو صيته وترتفع شهرته، ويتبوأ مكانته الاجتماعية في المجتمع الذي يعيش فيه، حتى أطلقوا عليه فاضي القضاة أو شيخ الفتيا.

    وبينما الشيخ يعقد حلقات العلم والناس يتدافعون نحوه إذا بداعي الجهاد يدعو الناس للجهاد في سبيل الله.

    ففي عهد الخليفة المنصور ينادي زياد الله بن الأغلب في الناس هلموا إلى الجهاد في سبيل الله ويستحث الناس لفتح جزيرة صقلية. فيتدافع المسلمون ملبين داعي الجهاد في سبيل الله، وكان القاضي أسد بن الفرات برغم كبر سنه يتقد حمية على الإسلام. فهو يرى في الجهاد قرّة عينه، وراحة نفسه، فما أن أعلن الجهاد واستعد الناس لأداء الواجب، واجب التضحية والفداء، حتى هبّ القاضي الفاضل والمعلم الورع وصاحب الكتب والمحبرة وابن السبعين من عمره أو أكبر.. إذا بهذا الشيخ بعد أن بلغ هذه السن التي تفتر فيها القوى، وتذبل فيها القرائح، ويخلد الإنسان عادة إلى الدعة والسكينة والهدوء، إذا بهذا القاضي ينقلب شاباً يافعاً ومجاهداً صادقاً، فيعلن استعداده للتطوع ليعمل جندياً في سبيل الله ومجاهداً في ميدان الحق، ولكن زياد الله بن الأغلب رجل يعرف أقدار الرجال، فهو يعرف للقاضي حقه وفضله ومكانته في المجتمع وسنه وورعه فيسند إليه القيادة، قيادة المعركة البحرية العظيمة.

    * * *

    لم يكن غزو المسلمين في البحر غريباً عنهم فهم رجال سادوا البحر كما سادوا البر، وكان المسلمون يفرحون للغزو في البحر طمعاً في ثواب الله لمن خاض البحر مجاهداً في سبيل الله.. بل كان المسلمون يطلبون من غزاة البحر الدعاء لهم باعتبارهم مجاهدين لهم من الأجر والثواب أكثر من غيرهم. وقد ثبتت أحاديث شريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغب المسلمين في الغزو في البحر وتبين لهم فضله.

    في رواية مسلم بشرح النووي (3/ص575) أن أمّ ملحان قالت لما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: »ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة..« إلى آخر الحديث.

    لذلك لم يكن ركوب البحر غريباً على المسلمين، فقد غزا معاوية بن أبي سفيان جزيرة قبرص، كما قاد عبد الله بن أبي سعيد بن أبي السرح أكبر معركة بحرية عام 34هـ وهي معركة ذات الصواري، وكانت معركة رهيبة غيّرت تاريخ البحر الأبيض المتوسط.

    قال الطبري في تاريخه (4/ص289) عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كنت معهم فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط، وكانت الريح علينا فأرسينا ساعة، فأرسوا قريباً منها، وسكنت الريح عنا فقلنا: الأمن بيننا وبينكم. قالوا: ذلك لكم ولنا منكم مثل ذلك. ثم قلنا: إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم، وإن شئتم البحر. قال: فنخروا نخرة واحدة وقالوا: الماء. فدنونا منهم فربطنا السفن بعضها إلى بعض حتى كنا يضرب بعضناً بعضاً على سفننا وسفنهم. فقاتلنا أشد القتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن ويتواجؤون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاماً وقال ممن حضر ذلك اليوم: رأيتُ الساحل حيث تضرب الريح الموج وإن عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال، وإن الدم غالب على الماء، ولقد قتل من المسلمين يومئذ من المسلمين بشر كثير، وقتل من الكفار ما لا يحصى. وصبروا يومئذ صبراً لم يصبروا في موطن قد مثله. ثم أنزل الله نصره علىأهل الإسلام، وانهزم القسطنطين مدبراً فما انكشف إلا لما أصابه من القتل والجرح، ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حيناً جريحاً.

    * * *

    إن أسد بن الفرات الذي جمعت له قيادة الأسطول البحري ومنصب قاضي القضاة مع منصب شيخ الفتيا كان جديراً بهذه المناصب كلها.

    خرج القاضي أسد بن الفرات ليتولى قيادة الأسطول البحري، وتجمع الناس حوله ما بين مودع وداع، بل كان الناس يسرعون الخطى لينالوا شرف الجهاد في سبيل الله.

    ووصل الركب إلى مدينة سوسة وكان يوماً من الأيام المشهورة في تاريخ الإسلام. تجمع المجاهدون يرتقبون الساعة الفاصلة التي تنطلق فيها السفن للقاء أعداء دين الله. وأخذ الجند مكانهم، وارتفعت الأعلام، ودقت الطبول، ووقف القائد القاضي أسد بن الفرات مكانه بينهم.

    كان على القائد في ذلك الوقت أن ينزع الخوف من قلوب جنده، وعليهم أن يطرحوا التردد جانباً، وأن يقبلوا على المعركة مستبسلين لا يخافون ولا يرهبون الردى.

    وقف القائد يخطب في جنده، فقد كان القائد القاضي صاحب رأي مسموع وبيان مبدع. أخذ يحض المجاهدين ويبين لهم درجة الاستشهاد. وكأنما أراد بذلك أن يقول لهم بفعله لا بقوله. فالجهاد لا يعرف السن. فكم من رجال في تاريخ الإسلام وخط الشيب رؤوسهم، وقوصت الأيام ظهورهم، ورغم هذا لم يقعدهم السن عن الجهاد ولا المرض عن أداء الواجب.

    وقف القائد يحض المجاهدين على القتال فهو يرى في النصر شفاء لصدور المؤمنين.. وقف القائد فقال: »أيها الناس، واللهِ ما وُلي لي أب ولا جد ولاية قط، وما أرى من سلفي ما رأيت ولا بلغ ما بلغت، وكل الذي أعدني وهيأني قلمي وعلمي، فاجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم في طلب الحق وفي تدوين العلم، وكابدوا وصابروا على كل الشدائد، فإنكم بذلك تنالون فخر الدنيا وسعادة الآخرة.«

    كان هذه خطبة القائد العظيم، وعلى أثرها انطلقت الجواري المنشآت في البحر كالأعلام. انطلقت السفن تمخر عباب الماء وعلى ظهورها رهبان الليل وفرسان النهار.. انطلقت السفن الماخرة.

    يا سبحان الله، ما هذه الجيوش المتكاثرة؟ ما هذه القلوب العامرة؟ من هؤلاء المنطلقون كالأسد الكاسرة؟

    إنهم المؤمنون الصادقون الخاشعون الراكعون الساجدون العابدون.

    سار الأسطول الإسلامي يقوده الشيخ الكريم والقائد العظيم والقاضي البر الرحيم أسد بن الفرات.

    سار الأسطول الإسلامي حتى بلغ شواطئ صقلية، فأصدر القائد أمره ببدء المعركة، وبدأت رهيبة قاسية أصلى فيها المسلمون أعداءهم ناراً حامية، دكوا الحصون ودمروا القلاع، وأثخنوا في الأعداء. ثم بدأ الجيش الإسلامي العظيم ينتقل من نصر إلى نصر حتى بلغ سرقوسة Siracusa وحاصرها المسلمون وشددوا قبضتهم عليها وعلى حصارها استشهد القائد العظيم أسد بن الفرات.

    صعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانها بين الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

    استشهد أسد بن الفرات تاركاً لخلفه إتمام ما بدأ به.

    * * *

    إن معركة صقلية بجنودها وقيادتها بكل الذين اشتركوا فيها تستحق الدراسة والتأمل.

    يا سبحان الله، من كان يظن أن هؤلاء الأعراب، رعاة الإبل وسكان الخيام، الذين تربوا في الصحراء، أصبحوا بين عشية وضحاها سادة الدنيا وأساتذة العالم، ومهد الحضارة والحرية، وأهل الفكر والسياسة.

    عجباً لهؤلاء الأبطال الذين بذلوا أرواحهم لله وجادوا بكل ما يملكون لله!

    عجباً لهؤلاء الذين أرغموا أنف الحوادث وغيروا مجرى التاريخ!

    ما قرأ إنسان منصف تاريخهم إلا فاضت عيناه، وما عاش إنسان معهم بأحاسيسه ومشاعره إلا كان الموت أحب إليه من الحياة.

    لقد كان هؤلاء في الذروة العليا من قوة الروح، إيمان عميق، إيمان بأن النفس لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها.

    * * *

    هذا مثل نقدمه للقاضي المسلم التقي الذي تربى على مائدة القرآن الكريم وتخرج من مدرسة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وقدم نفسه للتضحية والفداء.

    نقدم هذا المثل ليعلم الخلف عن السلف كيف تُضرَب الأمثال في الفداء والتضحية والاستشهاد في سبيل الله.

    في تاريخ هذا الرجل المجاهد الشهيد والقاضي المؤمن، والشجاع الأبيّ أسد بن الفرات ندرك سر خلود أبطالنا المؤمنين المجاهدين الصادقين.

    في تاريخ هذا القاضي القائد عظمة المجاهدين وعبقرية الفاتحين.

    تاريخ هذا البطل الشيهد يجب أن يلقنه الأجداد للأحفاد ويرويه الآباء للأبناء.

    اللهم اجعلنا نسير على هديهم ونقتفي أثرهم ونحشر يوم القيامة معهم.

    * * *

    مجلة الأمة – العدد 27، ربيع الأول 1403هـ

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •