بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تصنيف الناس بالظن الكاذب
فإن مما ابتلي به كثير من الناس في هذا الزمان،قلة التثبت في الحكم على غيرهم من الناس،أخذاً بظاهر القول وزخرفه،وثقة
عمياء فيمن نقل إليهم الخبر والنبأ،ولعل أصل هذا الحسد و البغضاء اللذان دب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم،كما دب
إلى من قبلنا من الأمم،يأتيك هذا فيقول،فلان أتدري حاله ومقاله،لقد فعل كيت وكيت،و قال كذا وكذا،إني والله لك ناصح أمين
فدونك ودونه،هذا غالب ما يقال،لكن غالبه الظن الذي نهينا عن تتبعه،بل هو تتبع عورات المسلمين،واللمز والطعن فيهم بغير بينه
ولا حق اليقين،وهي من شهادة الزور،وأنسانا الشيطان جرم آتيها ومثبتها في صحيفته يوم لا ينفع مال وبنون ولا خل ولا صديق
حميم،لا تجعل من نفسك قاضياً على الناس،تعدل هذا وتجرح الآخر،بل فلتشغلك عيوبك عن عيوب الناس،ومن جاءك بخبر سوء
عن غيرك من الخلق فلا تعبأ به حتى يأتيك ما تجيب به ربك إذا سألك يوم القيامة البينة والدليل،فلا تشهد ولا تقر لقول أحد حتى
يكون عندك يقين ثابت،كيقين رؤيتك للشمس في رابعة النهار،فهذا سبيل النجاة والسلامة بإذن الله،خالق الناس بخلق حسن،وعاملهم
بالتي هي أحسن،واعف و اصفح وتجاوز وأقل العثرات،لعل الله يغفر لك ويتجاوز عن سيئاتك يوم تلقاه،تأكد أنك كما تدين
تدان،وتأكد أن الجزاء من جنس العمل ،واعلم أن الله مسائلك عن كل كلمة،وحكم تصدره على غيرك من الناس،إن كشف الأهواء,والبدع المضلة,ونقد المقالات المخالفة،والأدلة اليقينية على المدعى به في مواجهة أهل الهوى والبدعة,ودعاة الضلالة
والفتنة,وإلا كان الناقد ممن يقفو ما ليس له به علم،وهذا عين البهت والإثم،هذه الظاهرة(ظاهرة التصنيف)تزعمها بعض الناس
فغمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام,ثم بسطوها بإصدار الأحكام عليهم,والتشكيك فيهم, وخدشهم , وإلصاق التهم بهم ,
وطمس محاسنهم , والتشهير بهم,وتوزيعهم أشتاتاً،وإن فتشوا عنه العباد,ولم يجدوا عليه أي عثرة,أو زلة,تصيدوا له العثرات,
وأوجدوا له الزلات,مبينة على شبه واهية , وألفاظ محتملة،وتمزيق الشمل والتقطع،وإن تورع عن الجرح بالعبارة, أو استنفدها,سلك
طريق الجرح بالإشارة , أو الحركة بما يكون أخبث,قال أبن تيميه،( فمن الناس من يغتاب موافقةً لجلسائه وأصحابه وعشائره مع
علمه أن المغتاب بريء مما يقولون،ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول،ليس لي عادة أن
أذكر أحداً إلا بخير،ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله،ويقول،والله إنه مسكين أو رجل جيد ولكن فيه كيت
وكيت،وربما يقول،دعونا منه الله يغفر لنا وله وإنما قصدهم استنقاصه وهضماً لجنابه،وإذا علمت أن النبي، صلى الله عليه
وسلم،قال فيما صح عنه(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه،أضمن له الجنة)وهذه رقابة شرعية،على حفظ أعراض
المسلمين وكف الأذى عنهم،(العرض,والدين,والنسب,والمال,والبدن,والعقل)ويق ابل مقام
التجريح,مقام الإطراء الكاذب,برفع أناس فوق منزلتهم,وإذا كانت،ظاهرة التجريح،وقيعة بغير حق,فإنه يفسد الأخلاق,ويجلب
الغرور والاستعلاء,ويغر الجاهلين بما يضرهم في دينهم ودنياهم، ومن آثارها،
قال الله تعالى(والذين يؤذون المؤمنين
والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)الأحزاب،كم لهذه(الوظيفة الإبليسية)من آثار موجعة،منها سقوط
الجراح من احترام الآخرين,وتقويمه بأنه صاحب هوى,جره هواه وقصور نظره عن تمييز الحق من الباطل،وكم أورثت هذه التهم
الباطلة من أذى للمكلوم بها من خفقة في الصدر,ودمعة في العين,وزفرات تظلم يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل,لهجاً
بكشفها مادّاً يديه إلى مغيث المظلومين,كاسر الظالمين،والظالم يغط في نومه,وسهام المظلومين تتقاذفه من كل جانب , عسى أن
تصيب منه مقتلاً ،فيا الله،ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له,وبين من نام وأعين الناس تدعو عليه،وكم
جرت هذه المكيدة,بتشويه وجه الحق,والوقوف في سبيله,وضرب في عظماء الرجال باحتقارهم وازدرائهم,والاستخفاف بهم
وبعلومهم,وإطفاء مواهبهم,وإثارة الشحناء,والبغضاء،وانظر،ما ثبت في،الصحيحين،عن جابر،رضي الله عنه(أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)هذا وهم أهل بيت الرجل وخاصته فكيف بغيرهم،ألا إن هذا
التصيد،داء خبيث متى ما تمكن من نفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان،وصير القلب خراباً،يستقبل الأهواء والشهوات،ومن دوافعها،الدافع هو،تلبيس إبليس،وتلاعبه في بعض العباد بداء الوسواس،وكثيراً ما يكون في هؤلاء الصالحين من نفث فيهم أهل
الأهواء نفثة،فتمكنت من قلوبهم،قال ابن القيم،رحمه الله تعالى،(ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل
الحرام،والظلم،والزنا،والسرقة،وشرب الخمر،ومن النظر المحرم،ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه،حتى نرى الرجل
يشار إليه بالدين،والزهد،والعبادة،وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً،وينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد،بين المشرق
والمغرب،وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقولأو يكون الدافع،داء الحسد والبغي والغيرة،وهي أشد ما تكون بين المنتسبين إلى الخير، فإذا رأى المغبون في حظه من هبوط منزلته الاعتبارية
في قلوب الناس،وجفولهم لهم عنه،بجانب مــا كتب الله لأحد أقرانه من نعمة،وهو منهـا محروم،وصدق النبي،صلى الله عليه
وسلم،فيما رواه،الزبير بن العوام،رضي الله عنهما،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال(دب إليكم داء الأمم
قبلكم،الحسد،والبغضا،البغضاء هي الحالقة،لا أقول تحلق الشعر،ولكن تحلق الدين،والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى
تؤمنوا,ولا تؤمنوا حتى تحابوا،ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم،أفشوا السلام بينكم
أو الدافع،عداوة دنيوية، فكم أثارت من تباغض
وشحناء،ونكد،ومكابدة،فهؤلاء دائماً في غصة من حياتهم،وتحرُّق على حظوظهم،ولا ينالون شيئاً،قال سبحانه(ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله
أسأل الله لي ولكم صلاح الحال وشفاء الأغلال والنجاة من كل إثم والغنيمة من كل بر.
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسام
