الحديث في صحيح البخاري : قال صلى الله عليه وسلم (... رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة )
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري كتاب الفتن ، باب : " لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه ( 13 / 29 -30 ) :
قوله : رب كاسية في الدنيا
في رواية سفيان فرب بزيادة فاء في أوله ، وفي رواية ابن المبارك " يا رب كاسية " بزيادة حرف النداء في أوله ، وفي رواية هشام : كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة .وهو يؤيد ما ذهب إليه ابن مالك من أن رب أكثر ما ترد للتكثير فإنه قال أكثر النحويين إنها للتقليل وأن معنى ما يصدر بها المضي ، والصحيح أن معناها في الغالب التكثير وهو مقتضى كلام سيبويه فإنه قال في " باب كم " واعلم أن كم في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه رب ، لأن المعنى واحد إلا أن كم اسم و رب غير اسم انتهى .
ولا خلاف أن معنى كم الخبرية التكثير ولم يقع في كتابه ما يعارض ذلك فصح أن مذهبه ما ذكرت وحديث الباب شاهد لذلك ، فليس مراده أن ذلك قليل بل المتصف بذلك من النساء كثير ، ولذلك لو جعلت كم موضع رب لحسن انتهى . ، وقد وقعت كذلك في نفس هذا الحديث كما بينته ، ومما وردت فيه للتكثير قول حسان :
رب حلم أضاعه عدم الما ل وجهل غطى عليه النعيم
وقول عدي :
رب مأمول وراج أملا قد ثناه الدهر عن ذاك الأمل
قال : والصحيح أيضا أن الذي يصدر برب لا يلزم كونه ماضي المعنى بل يجوز مضيه وحضوره واستقباله ، وقد اجتمع في الحديث الحضور والاستقبال ، وشواهد الماضي كثيرة انتهى . ملخصا . وأما تصدير رب بحرف النداء في رواية ابن المبارك فقيل المنادى فيه محذوف ، والتقدير يا سامعين .
قوله : عارية في الآخرة
قال عياض الأكثر بالخفض على الوصف للمجرور برب ، وقال غيره : الأولى الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي يتعلق به رب محذوف ، وقال السهيلي : الأحسن الخفض على النعت لأن رب حرف جر يلزم صدر الكلام وهذا رأي سبيويه ؛ وعند الكسائي هو اسم مبتدأ والمرفوع خبره ، وإليه كان يذهب بعض شيوخنا انتهى .
واختلف في المراد بقوله : " كاسية وعارية " على أوجه :
أحدها :
كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا ،
ثانيها :
كاسية بالثياب لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك ،
ثالثها :
كاسية من نعم الله عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب ،
رابعها :
كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية فتعاقب في الآخرة ،
خامسها :
كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح عارية في الآخرة من العمل فلا ينفعها صلاح زوجها كما قال تعالى : { فلا أنساب بينهم } ذكر هذا الأخير الطيبي ورجحه لمناسبة المقام ، واللفظة وإن وردت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكن العبرة بعموم اللفظ ، وقد سبق لنحوه الداودي فقال : كاسية للشرف في الدنيا لكونها أهل التشريف وعارية يوم القيامة قال : ويحتمل أن يراد عارية في النار .
__________________