ظاهرة سلبية باتت تتسيّد المواقف اليومية من خلال تواصل الناس مع بعضهم البعض ، يقول أحدهم : أنا مضطر للكذب في أحيان كثيرة ، لأن الناس من حولي يجب أن يُشاهدوا مني ما يُرضيهم ، و يجب أن يسمعوا مني ما يُسَلّيهم .. و لأنني اخترت أن أكون أحد الذين يرضون الناس عنه ، فعليّ أن أسايرهم و أجاملهم .. وهذا ما يدفعني للكذب و يجعلني غير راضٍ عن نفسي ..
سألت صديقي بعد أن أتم حديثه : ما الذي فعله هؤلاء الناس من أجلك ؟ هل تألم أحدهم لأوجاعك ؟ هل شاركوك أفراحك و أتراحك ؟ فأجابني : عندما أعيش لحظات إيجابية أجد جميع من حولي كالملائكة ، فأنا أحكم بالظاهر و ظاهريا .. الجميع يحبونني .. و لكنني عندما أعيش أوقات عصيبة و لحظات أليمة أجد أن الكثير ممن حولي لا يستحقون مني الإخلاص و لا يستحقون المجاملات و الأكاذيب التي ارتكبتها بدوافع مشاعري الصادقة اتجاههم ..
هذا الصديق ... قد يبدو لكم من كلامه أنه في سن المراهقة ، و لكنه تجاوز الأربعين .. و تحدثت معه في لحظة ضعف منه ، و على الرغم من أنه تطرّق للحديث عن نفسه بشكلٍ سلبي ، إلا أنه كان مليئا بالعواطف و نحن دائما نستعيذ بالله من الإنسان الذي يخلو من العواطف .. و عندما نريد أن ننعت أحدهم بصفة قاسية نقول : هذا الشخص لا قلب له .. أو لا ضمير له .. و إن كان الفرق بين الإنسان و الحيوان هو العقل الذي أكرمنا الله به ، فيجب علينا أن نستخدم هذا العقل في التحكم بعواطفنا ..
.
.
سألني هذا الرجل : هل تُجامل من حولك ..
فقلت له : نعم و لكن في حدود المعقول ..
فقال لي : و هل أنت تكذب في مُجاملاتك ..
فأجبته : أنا إنسان و لست بقديس و لست بمعصومٍ عن الخطأ ..
و بعد أن انصرف كل واحد منا في طريقه .. سألت نفسي : هل أنا أكذب بدوافع طيبة و نبيلة .. و كان علي أن أنسى الجواب ، فالنسيان أعظم طبيب كما يقولون ..