- لماذا خط كتابة الطبيب عادةً ما يكون غير مقروء لعوام الناس؟
بهذا السؤال بادرني أحد القراء عندما طلب مني اجراء مقابلة لنشرها على مدونته.
الأسئلة كانت جيدة، وبعضها ردني إلى الإسكندرية، وبالتحديد يناير سنة 1920م، عندما شبة السائل بعض الأطباء كالسفاحين!
شَعرتُ أنني "حسب الله" زوج ريا، اخت سكينة. بين يديكم المقابلة كاملة، بعض الأسئلة قد اسب كثيراً في جوابها، لكني حنحتُ للإيجاز، وحسبك بالقلادة ما أحاط بالعنق.
- لماذا خط كتابة الطبيب عادةً ما يكون غير مقروء لعوام الناس عكس من يقرأه ممن ينتسب للصحه كالصيدلاني مثلاً ؟
سأبدأ بتحليل هذه المشكلة تاريخياً. في القدم، كان الطبيب يعمل وحده في عيادة، او مع ممرض، ويرى عدد لا بأس به من المرضى. لذلك كان على الطبيب فحص عدد كبير من المرضى ووصف لهم الدواء وتسجيل بعض الملاحضات في ملف المريض، إن اتاه المريض يوماً ما في المستقبل. لذلك كان الطبيب يكتب في ملف المريض وكأنه يكتب مذكراته الشخصيه، لانه هو الشخص الوحيد الذي سيأقرأ ما كتبه في المستقبل. لذلك تولدت عادت السرعة في الكتابه بغض النظر عن حسن الخط أو حتى وضوحه. لكن مع التطور في الطب والتمدن وانشاء المستشفيات والمراكز الطبيه، لم يعد الطبيب يمارس بمعزل عن الآخرين. فأصبحت المذكرات الشخصيه، التي كانت تُكتب في ملف المريض، ملكاً للجميع، يطلع عليها بقية الأطباء والممرضة وقد يكون القاضي، إن حدث خطأ لا سمح الله.
إذن مشكلة صعوبة قراءة خطوط نسبة كبيرة من الأطباء أصبحت مشكلة عويصة، قد تتسبب بأخطاء طبية تزهق الأرواح. دعني أفاجئك بأن أدعي أن الصيدلي كذلك لا يفهم خط الطبيب، لكنه يفهم ماذا أراد الطبيب، من قراءة الأحرف الأولى لدواء. على سبيل المثال: مريض يعاني من صداع، ذهب إلى طبيب فطمأنه واخبره ان يستخدم مخفف للألم، وكتب له في الوصفة تقول: بند؟؟؟؟ حبتين كل ثمان ساعات.
في هذه الحالة، الصيدلي وبحسب خبرته ومعرفته بالأدويه و الأمراض، وبالرغم من أنه لا يستطيع إلا قراءة الأحرف الثلاثة أما الأحرف الأخيرة فهي غير مفهومة، إلا انه يستطيع ان يخمن بثقة كبيره ان الطبيب قصد البندول.
فكم من دواء يبدأ اسمه بحرف الباء والنون والدال؟ قليل جداً.
لكن أي طبيب يحترم مهنته ويحترم مرضاه ويقلق لسلامتهم، عليه الكتابة بشكل واضح ومقروء، لأن الأخطاء الطبية تقتل في الولايات المتحده فقط زهاء مائة الف شخص في السنة، فكم تقتل لدينا؟!
- في أي مرحله تحول يكون الطبيب جريئاً بإجراء
العمليات ولمَ البعض يصل إلى درجه اللاشعور والبرود كسفاح ؟
شيء طبيعي أن الطبيب بعد معاينة الكثير من الحالات والوفيات يصبح الأمر لديه روتين لا أكثر ولا أقل، لكن يظل قد تأتي الطبيب حالات لايملك نفسه ويجهش بالبكاء من هول الموقف، أو يكاد. أما متى يصل إلى هذه المرحلة، فالأطباء يتفاوتون، فطبيب العناية المركزة والطوارئ والجراحة يصلون لتلك المرحلة بسرعة، أما الجلدية والنفسيه و اطباء الأسره فيختلف الوضع هنا لعدم معاينتهم للكثير من الحالات الحرجة.
على العموم ما يهم في الموضوع أن الطبيب مهما وصل لدرجة من البرود، يجب عليه مراعاة مشاعر المرضى والأقارب والتعاطف معهم. فعلى سبيل المثال: قد يكون دوامي في الطوارئ من الثامنة صباحاً إلى الرابعة عصراً. عن الساعة الثالثة قد تأتيني حالة حرجة جداً أو وفاة. اقوم بإجراء اللازم مع كتابة شهادة الوفاة. اتحدث مع اسرة المريض ـ بحضور ممرضة على الأقل مع رجل أمن ـ اذكرهم بالله، اتعاطف معهم واجيب على جميع اسئلتهم. ثم اقوم بروئية مريض آخر وقد تجدني بعدها بنصف ساعة في غرفة الأطباء امازح اصدقاء المهنة و اضحك ملئ فمي. لكن دائماً في الطوارئ نحاول أن لا يرانا المرضى أو أقاربهم ونحن نمارس حياتنا الطبيعية من ضحك ومزح لذلك لا نفعل ذلك إلا في وقت راحتنا وفي غرف الأطباء فقط، فحن بشر ونحتاج بعض التخفيف عن النفس في غرفنا الخاصة.
أما تشبيه الطبيب بسفاح، فهو غير دقيق، فالسفاح بحسب تعريف الإيف بي آي : هو من قتل ثلاث ضحايا أو اكثر في اوقات متفرقة. وهو ليس كالقاتل المأجور الذي قد يشعر بالذنب أو قد يفعل ذلك للمال فقط، فالسفاح يقتل لحبه للقتل أو لشعوره بالقوة والسيطرة أو لدافع سرقة الضحية مع حبه لفعل القتل، كما يقول علماء النفس الجريمة. أما الطبيب فهو حامي الأنفس ومنقذ لكثير من الأرواح، بعد الله سبحانه وتعالى. فالتشبيه هنا لا يستقيم وغير دقيق.
فلا يستوي من أفنى عمره وعزل نفسه لتحصيل العلم و سد حاجة المسلمين لدراسة تخصص الطب بريا وسكينة وزوجيهما حسب الله وعبد العال، الذين كانوا أول من اشتهر بكونه سفاح، في يناير 1920 ميلادي، عندما قاموا بقتل وسرقة عدد من فتيات الأسكندرية الاتي كن يلبس الحلي والخلاخل من الذهب والفضة.
إن كنت تقصد جزار؟
فتلك دعابة نطلقها على اصدقاء المهنة الجراحين الذين يفضلون التدخل الجراحي في معظم الأوقات، ايضاً هو مصطلح متعارف في وصف الطبيب الفاشل. كذلك اطباء العظام نقول لهم نجارين، عندما نغضب منهم، وهم يقذعوننا بعبارات شبيه إن اغضبناهم.
- ما سر العداء مع طب الأعشاب أو بشكل أعم الطب التكميلي والبديل رغم أن بعضه مذكور في السنه النبوية ؟
بصفة عامة نعم الأطباء لا يعتقدون بالطب البديل ( الأعشاب أو البديل )، لأنهم لم يدرسوه ولأن معظم الطب البديل غير قائم على الأدلة والبراهين. وهو امتداء لطب الهندي أما مايدرسة الأطباء فهو الطب الغربي. على العموم أنا شخصياً لا أؤمن بكثير من الأشياء في الطب الحديث ( الغربي ).
بخصوص ماذُكر في السنة النبوية: نحن عادةً لا نحتاج البحث عن صحة آية من القرآن، لانه حفظ في الصدور وتواتر إلينا، ولا يستطيع أحد أن يشكك في ذلك. قال الله <إنا نحن نزلما الذكر، وإنا له لحافظون>. أما الأحاديث، فمنها الصحيح ومنها الظعيف ومنها المكذوب. إن صح الحديث، وذكر فضلاً لدواء معين، فليس على المسلم إلا التسليم له والتصديق به. على سبيل المثال: شرب ماء زمزم والعسل والرقية. لكن هناك ذكر لأشياء وادويه قد لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها.
فعلى سبيل المثال، كتاب الطبي النبوي لأبن القيم، قرأت منه عندما كنت في السنة الخامسة في كليه الطب ونفرت منه لأنني قرأت بعض الأشياء لا اظنها تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واظنها من الطب الهندي. وهذا لا يلزم أن الشيء الذي لم يُذكر في السنة النبويه غير مجدي، لكن يجب علينا ايضاح السنة النبويه الصحيحه لناس وايضاح ماكان من طب العرب او الهند.
- فيروس أيبولا هل هو حقيقة أم خرافة ومدى كونه صُنع لخدمة الماكنة التجارية لسوق الأدوية والتحالفات ؟
فيروس أيبولا حقيقي، وكارثة صحية كبرى أصاب ليبيريا، وغانا و سيريليون، فتك بالآف وأهلك الحرث والنسل. ضحاياه لم يجدوا من يدفنهم، فباتت جثثهم كالجيف في شوارع المدن الكبرى، واصاب الناس بالهع الشديد، حتى تدخل الجيش في تلك الدول لجبر المرضى على الألتزام بالعزل الصحي. وقد اعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ القصوى بسبب ذلك المرض. اما سوق الأدويه، فلا اظن الحال ينطبق على ايبولا كما حدث مع انفلونزا الخنازير، لانه لا يوجد دواء لإيبولاء حتى الساعة.
نعم كانت هناك بعض المبالغة في قضيه انفلونزا الخنازير وفساد مالي في شراء وبيع الأدويه، واعترفت بذلك منظمة الصحة العالمية وحققت في بعض القضايا، لكن الوضع هنا يختلف.
- يلحظ إهتمام الطبيب عند دخول المريض إليه بسؤاله إن كان علاجه على حساب التأمين أو غيره فمالسبب ؟
الصراحة لا أعلم، ربما إن علم أن المريض لا يملك تأميناً يحاول الإقتصاد في طلب الفحوصات. أنا افعل كذلك مع المرضى الذين لا يملكون المال لرؤية طبيب مختص أو لشراء دواء جيد، اصف دواء ارخص لكن اقل جودة. وفي بعض الحالات اتجاوز صلاحياتي كطبيب طوارئ واشخص المريض واصرف له دواء، في بعض الأمراض التي لدي خبره كافيه وقدرة على تشخيصها، حتى لو لم يكن في صلب تخصصي. لكن ربما بعض الأطباء قد يتوسع في طلب الفحوصات لعمله أن التأمين يشمل جميع ما يُطلب.
- الطبيب المقيم الذي يعمل خارج بلاده هل يحظى بكل الإمتيازات كأي طبيب آخر على مستوى العالم ؟
أنا أعمل و أعيش في الولايات المتحدة منذ سنه 2008ميلادي. لا أعلم عن بقية الدول، فالوضع يختلف بشكل كبير.
حتى داخل الولايات المتحدة، قد تختلف الأنظمة نوعاً ما من ولاية إلى اخرى، لكن الجميع ينصاع تحت مظلة للقانون الفيدرالي. نعم بدأت الزمالة مع اثنين وعشرين طبيباً، وكان راتبي الشهري و اجازاتي و جميع المميزات متساوية تماماً مع بقية الزملاء. القانون في الولايات المتحدة يمنع التفرقة في التوظيف من الناحية العرقيه أو الدينية بل ويعاقب عليه بشدة. لا يمكن لأحد العمل داخل الولايات المتحدة بدون مرتب، فالقانون الدستوري الذي وضعوه ابان الحرب الأهليه من سنه 1865 ميلادي، اقتضى في أول جملة له “ البشر خلقوا سواسية “، لذلك هذا الموضوع ذو حساسيه خاصة هنا.
- إن كان كتابك " كود بلو " من أحد الأعمال التي تمثل الأطباء فهل تذكر أفلام ومسلسلات تصف واقعكم ؟
نعم برنامج ‘’ER’’ فهو مبني عن قصص حقيقيه وقعت في مستشفى “كوكاونتي" في مدينة شكاغو، وهو اقرب البرامج الدرامية للحقيقة. هناك بعض البرامج الدرامية مثل “Greys Anatomy “ او “ Scrub” لكنها في بعض الأوقات قد لا تمثل حقيقة العمل في المستشفيات. هناك برامج وثائقية حقيقية افضل بكثير من البرامج الدرامية التي قد تصور الأطباء في بعض الحالات بتصورات خاطئة. انصح من اراد مشاهدة احداث حقيقية داخل المستشفيات بمشاهدة برامج تجدونا على الآيتون: “Hospikins “و "Boston Med"
- كلمة أخيرة ؟
شكراً على المقابلة، هذه أول مقابلة اجريها في حياتي، لكني سعدت بإعطاء التفاصيل عن عالم الطب- بالرغم من تركي له، وسأكون سعيداً لو اراد أي احد التواصل معي، شارك الجميع ايميلي أو حتى رقم هاتفي. ايضاً من لم يستطع الحصول على كتابي فعليه مراسلتي وسأقوم بإرساله له.
سلطان علي الوجيه
اطلانطا، جورجيا، الولايت المتحدة
مع كل الشكر والتقدير لسائل والقراء الأعزاء في قطر ،،
|
رد مع اقتباس
