الجزء الاخير
في اليوم التالي ذهب جاسم الى العمل باكرا حيث ظل موضوع مقابلة الوزير يشوش تفكير , اخذ يتساءل ما الذي يرديه الوزير , هل يريد سؤالي عن السيد يوسف ام ان هناك امر اخر , لا اعتقد ان الوزير يعرفني شخصيا فالوزير لم يتصل الا بعد اتصال السيد يوسف له. في تمام الساعة 12.30 وصل جاسم الى مكتب الوزير حيث رحبه به مدير مكتبه الخاص وطلب منه الانتظار في غرفة الضيوف ريثما يطلبه الوزير , لفت انتباه جاسم مكتب الوزير الغير متكلف قليل الرسميات , كان المكتب يشبه الى حد كبير خلية النحل , فهناك عدد من المسؤولين وحتى المراجعين يترددون على مكتب مدير الوزير والوزير نفسه. بعد 20 دقيقة طلب مدير مكتب الوزير من جاسم الدخول الى الوزير , دخل جاسم على الوزير الذي كان امامه اكوام من الملفات , لكن ما لفت نظرة بالذات هي سيرة جاسم الشخصية , وقف الوزير للسلام على جاسم , تبادلا السلام , وما لبث الوزير حتى دخل في الموضوع
الوزير : اهلا بموظفنا الذي شرفنا
جاسم : اهلا بك يا سعادة الوزير ولي الشرف لمقابلتك
الوزير وهو ينظر الى السيرة الذاتية لجاسم : استطيع القول ان لديك سيرة ذاتية مميزة جدا
جاسم : الحمد لله , كما تعرف العمل في مهنة التمريض تتطلب منك ان تحدث معلوماتك بشكل دوري فالطب يتطور بسرعة
الوزير : يا ليت لدينا مواطنين يعملون بنفس وظيفتك كم نحتاج ابناء الوطن فهم خير من يخدم الوطن
جاسم : خدمة الوطن شرف للجميع بغض النظر اين موقعه
الوزير : اريدك يا جاسم ان تخدم الوطن بطريقة اخرى !
جاسم : كيف يا سعادة الوزير
الوزير : اننا بصدد انشاء قسم جديد في وزارة الصحة وظيفته الاشراف العام على الخدمات الطبية المقدمة في جميع مستشفيات الدولة سواء كانت حكومية او خاصة , كما تعلم ان النظرة الاستراتيجية للوزارة هي رفع مستوى الخدمات الطبية في الدولة , لقد كان المرشح لهذه الوظيفة ممرض بريطاني الجنسية لدية خبرة 15 سنة في التمريض وكفاءة عالية , بعد التقليب في السير الذاتية وقعت عيناي على ملفك وقد اعجبت به , لكن اصدقك القول انني فضلت البريطاني الى ان اتصل بي السيد يوسف واخذ بالثناء على المستوى العالي لموظفي الوزارة بسبب معاملتك الطيبة له , انني اعلم علم اليقين ان المستويات متفاوتة بين الممرضين وحتى الاطباء , لكن ما اريد ببساطة ان تقدم الوزارة مستوى خدمات كالتي تقدمها انت , بمعنى اخر نريد ان يصبح جميه الكادر الطبي جاسم , والحل ان يكون جاسم هو المشرف العام على هذا القسم الذي سيكون له صلاحيات شبه مطلقة وسيكون رئيس هذا القسم برتبة وكيل وزارة مساعد.
جاسم : هذه ثقة افتخر بها يا سعادة الوزير , وتأكد ان هناك من هم اكفأ مني في الوزارة
الوزير : ربما , لكن الان الاختيار وقع عليك انت , توقع صدور القرار بتكليفك بتأسيس القسم خلال اسابيع من اليوم , هل لديك اي سؤال ؟
جاسم : نعم يا سعادة الوزير , هل سأكون الشخص المسؤول عن وضع خطط الاشراف واختيار الموظفين
الوزير : بالطبع , كيف نتوقع منك النجاح ونحن من يقوم بأخذ القرارات بدلا عنك , ان قراري الوحيد هو اعطائك الثقة ومن بعدها انت المسؤول عن هذا القسم
جاسم بسعادة بالغة : اتشرف يا سعادة الوزير وسأبذل قصار جهدي لأكون محل ثقتكم الغالية
الوزير : بل ابذل قصار جهدك لخدمت الوطن , هل ليدك امر اخر
جاسم : شكرا يا سعادة الوزير , اعتقد انني اريد ان تسمح لي بالمغادرة
الوزير : تفضل يا رئيس قسم الاشراف العام
لم يستطع جاسم اخفاء فرحته بلقبه الجديد الذي كان له موسيقى خاصة في اذنه خاصة انه صدر من لسان الوزير.
ودع جاسم الوزير بحرارة وسعادة , في الطريق اخذ يحمد الله سبحانه و تعالى قائلا الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات , ثم اخذ يتذكر الامور التي كانت تعكر صفو حياته من تفكير في هموم هذه الوظيفة وكيف الان وجد نفسه في منصب مهم جدا له احترامه حسب نظر المجتمع هذه المرة , وكيف كان يخشى ان تصبح ابنته مريم طبيبه ويكون هو ممرض اقل في المستوى حسب نظرت المجتمع الذي لا يرحم , ثم تذكر بيت ابو العتاهية الشهير :
و لَعلَّ ما تَخشاهُ لَيسَ بِكائنٍ *** ولعلَّ ما تَرجوهُ سَوفَ يَكونُ
ولعلَّ ما هَوَّنتَ لَيس بِهَيّنٍ *** ولعلَّ ما شدّدتَ سَوفَ يَهونُ
ان كثير من المخاوف التي تنغص حياتنا ليست الا صنيعة انفسنا , ان اكثر من 95% من المخاوف التي نخشاها لا تحدث لكنها تشغل انفسنا خوفا منها , والقلق مما نخشاه اشد من وقوع الحدث نفسه , ان نظرت الشخص لنفسه يجب ان تبنى على اساس ما نراه نحن بعين الموضوعية بدل ان نجعل الناس الذين لا يمكن ارضائهم ان يكونوا هم الفيصل في الحكم على حياتنا ونجاحنا.
انتهت بحمد الله سبحانه وتعالى