كل ما يمر علينا من أحداث .. له جانبان .. إيجابي و سلبي
و إن كان هذا الحدث سيئــــــاً .. فمن الطبيعي أن نعاني منه و نتألم
لكننا لا يجب أن نغفل الجانب المشرق منه
فالله جل و علا يقول في كتابه الكريم : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
رحلتي بدأت في الأشهر الأولى من عام 2009 مع اكتشاف مرض السرطان لدى أختي ( شفاها الله و عافاها ) .. و نظراً لأن والدتي رحمها الله توفيت بنفس المرض ( و لكن في موضع آخر من جسمها ) .. إضافة إلى التاريخ المرضي القوي للعائلة strong family history of cancer
فقد طلب منا عمل صورة إشعاعية ( ماموجرام و سونار) للكشف عن المرض
و جاءت النتيجة لي .. و على غير المتوقع .. بوجود الورم ( و لله الحمد على كل حال )
أقول غير متوقع .. لأنني لم أكن أحس بوجود أي تورم من خلال الفحص الذاتي العادي .. و لكن قدر الله و ما شاء فعـــــــل
قرر الطبيب حالاً أخذ عينة من الورم للتحقق من طبيعتـــــــه ( و ذلك بأخذ العينة بالاستعانة بالالتراساوند ultrasound-guided fine needle aspiration biopsy )
و تمت العملية تحت البنج الموضعي و لم تكن مؤلمة على الإطلاق .. و أرسلت العينة للمختبر
في انتظار النتيجة التي عادة ما تستغرق من أسبوع إلى عشرة أيام
لكم أن تتخيلوا مدى صعوبة الانتظار و الترقب ..
لكن في مثل هذه الظروف .. أسبغ الله علي صبراً من عنده .. لا أقول أنني لم أقلق و لم أفكر فيما قد تؤول إليه الأمور .. فذلك شعور من الطبيعي أن يمر به أي منا
إلا أني حاولت قدر الإمكان أن أبتعد عن الأفكار السوداء .. و الوساوس الشيطانية ..
لجأت إلى الله .. فلم يردني خائبة
و أنعم علي بأناس من حولي .. سواء من العائلة أو من الصديقات .. من كان يشد من أزري و يخفف عني تلك الفترة العصيبة
في الليلة السابقة لظهور النتيجة .. و من خلال قراءتي للقرآن .. مررت بآياتٍ كريمة من سورة آل عمران يقول فيها عز من قائل : ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
و سبحان الله العظيم .. أيقنت عند قراءتها .. بنتيجة الفحص .. أنها ستكون إيجابية
و جاءني الخبر صباحاً من زميلتي الطبيبة .. أن النتيجة .. ورم خبيث
كنت مهيأة لذلك تماماً .. فقد أنزل الله علي صبراً و سكينة و رضاً من عنده
حملت نفسي للمستشفى لمعرفتي بالخطوات اللازمة .. و رتبت لي زميلاتي جزاهن الله عني كل خير .. مواعيداً للمزيد من الأشعة لتحديد مدى انتشار المرض
و موعداً آخر ضرورياً مع الجراح الاستشاري الذي سيقوم بالعملية
وتم ذلك بكل سهولة و يسر ..
و ذهبت لرؤية الجراح .. الذي طمأنني أن الورم ما زال في بدايته ولله الحمد و الشكر .. و لم ينتقل للعقد اللمفاوية المجاورة .. أو لأي مكان آخر
و كان القرار بالطبع .. إجراء العملية فوراً .. لاستئصال الورم ( أو استئصال الثدي كاملاً ) بحسب ما يراه الجراح .. و إرسال الورم للمختبر للمزيد من الدراسة و تحديد العلاج المناسب
في انتظار التحضير للعملية و إجراء الفحوصات ما قبل التخدير و غير ذلك ..
كان هناك فترة قصيرة ( عدة أيام ) انتهزتها للذهاب إلى العمرة .. حمداً لله و شكراً على أنعمه الكثيرة .. و طلباً للدعاء و الاستشفاء
و كنت طوال هذه الفترة أرقي نفسي و مكان الورم بالرقية الشرعية و الأدعية المأثورة للشفاء .. على يقين و إيمان بإن الله وحده هو الشافي المعافي
عدت من مكة .. و دخلت المستشفى متوكلة على الله ..
ثم دخلت إلى غرفة العمليات .. و أوصيت الجراح قبل أن يبدأ طبيب التخدير عمله .. بأن يبدأ عمله باسم الله .. فابتسم قائلاً ( مش محتاجة توصيني )
قلت الشهادتين في قلبي .. و أنا أشعر بسريان المخدر في جسدي .. و لم أشعر بعدها .. إلا و أنا في غرفة الإفاقة
لا أذكر بالضبط كم استغرقت العملية .. و نقلت بعد فترة إلى غرفتي في قسم الجراحة
استيقظت لأجد أختي حبيبتي بجانبي .. حمدت الله .. و انتظرت بتلهف مقدم الطبيب لأطمئن على ما تم في العملية
جاء الطبيب و الفريق المعالج ليزف إلي البشرى .. بأنه تم استئصال الورم كاملاً ( دون الحاجة لاستئصال الثدي ) إضافة إلى استئصال جميع العقد اللمفاوية المجاورة على سبيل الاحتياط و إرسالها إلى المختبر للتأكد من عدم وصول الخلايا السرطانية إليها
مكثت في المستشفى عدة أيام حتى استقرت حالتي .. ثم خرجت إلى البيت .. في انتظار المتابعة في عيادة الجراحة .. لتقرير نوع العلاج التالي
بعد أسبوع تقريباً كان الموعد مع الجراح .. ليزف لي البشرى الثانية .. أنني و بفضل الله لن أحتاج للعلاج الكيماوي .. و إنما فقط جلسات إشعاعية
و أن نوع الورم يستجيب للعلاج الهرموني ( التاموكسيفين ) الذي يجب أن يعطى لمدة خمس سنوات منعاً لعودة المرض بإذن الله تعالى
بدأت الجلسات الإشعاعية التي كانت يومية ما عدا نهاية الأسبوع .. و كان تعامل الفريق المعالج في مستشفى الأمل غاية في الروعة
و بالطبع تحولت إلى عيادة الأورام بمستشفى الأمل للمتابعــــــة
استمرت جلسات الأشعة قرابة الشهرين .. كانت متعبة قليلاً مع نهايتها
إلا أن اتباع التعليمات خفف كثيراً من آثارها الجانبية
إضافة إلى أنني أخذت علاجاً من العسل الطبيعي و حبة البركة .. فور استقرار حالتي بعد العملية
استمرت المتابعة المنتظمة على مدى الخمس سنوات .. مع فحوصات دورية للدم .. و أشعة ماموغرام و التراساوند و رنين مغناطيسي .. و كانت النتائج جميعها مطمئنة و لله الحمد و المنة
في الحادي عشر من سبتمبر الجاري .. كانت آخر جرعة آخذها من الهرمون .. بنهاية الخمس سنوات
و كما قال طبيب الأورام المعالج .. أنت الآن شفيت تماماً من المرض ( بإذن الله )
على أن تكون المراجعات سنوية للمتابعة
حاولت أن أوجز قصتي قدر الإمكان
و أنهيها بحمد الله و شكره على جميع أنعمـــــــــه
هذا المرض و غيره .. ليس نهاية المطاف ..
ربما تكون حالتي مختلفة عن غيري ممن اكتشف لديهم المرض في مراحل متقدمة
لكن الرسالة المهمة التي أريد أن أوصلها لكل مبتلى
المرض ابتلاء لك من الله .. كغيره من الابتلاءات
و القرار لك وحدك ..
فإما أن تصبر و تحتسب .. فيكون نعمة لك
و إما أن تقنط و تيأس .. فيكون نقمـــــــة عليك
( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) .. صدق الله العظيم
اللهم اشفنا و اشف مرضانا و مرضى المسلمين
و الحمد لله رب العالمين