يحتل » التفكير التآمري« عقول ونفوس السواد الأعظم في المجتمعات العربية والإسلامية ، أفراداً وجماعات ، رأي عام ونخباً سياسية وثقافية ، مجتمعات و دولاً ، فما من حدث «غير حميد « يقع في ساحتنا إلا والتفسير التآمري ، هو الذي يحتل الصدارة ، ويلاقي الرواج ، ويتقبل من الغالبية العظمى من الناس ، لا شيء عندنا كما يبدو » ظاهراً « بناء على أسباب ومقدمات وشروط موضوعية تؤدي إلى وقائع وأحداث وفق قاعدة : الأسباب والنتائج.
ولكن دائماً هناك مخططات تآمرية «خفية « من قبل قوى كبرى ومخابرات عالمية ، تضمر العداوة للإسلام والمسلمين ، والعرب خاصة ، تزرع الفرقة بينهم وتسعى لتقسيم أوطانهم ولمنع توحدهم ونهوضهم ومن ثم التحكم في مقدراتهم واستنزاف ثرواتهم ، يؤمن العرب - خاصة - والمسلمون - عامة - بالفكر التآمري الذي يستهدفهم ويتربص بهم ، إيمانهم بالحقائق العلمية ، وهو إيمان يتجاوز العصر الحديث ليمتد في عمق التاريخ الإسلامي ، فنحن » أمة مستهدفة « من دون الأمم الأخرى ، دائماً وأبداً ، قديماً وحديثاً ، » الفتنة الكبرى « التي قصمت ظهر المسلمين وأودت بحياة الآلاف في حروب دموية وحولت » الخلافة الراشدة « إلى » ملك عضوض « وراءها مخطط تآمري من اليهودي عبدالله بن سبأ ، » سقوط الخلافة العثمانية « على يد أتاتوك 1924 تم بفعل تآمر » يهود الدونمة « و» زرع إسرائيل « في قلب الوطن العربي ، مؤامرة بريطانية ، لمنع توحد العرب ، و» الحدود القطرية « تم بناء على اتفاقية » سايكس بيكو « لتقسيم الدول العربية وإشغالها بالخلافات الحدودية على طريقة » فرق تسد « و » احتلال الكويت « تم بوحي أميركي عبر السفيرة جلاسبي التي أعطت الضوء الأخضر لصدام » سقوط الشاه « مؤامرة غربية أميركية لصالح مجئ » آية الله الخميني « و» كارثة 11-9« من عمل المخابرات الأميركية ، ذريعة لإحتلال أفغانستان وضرب القاعدة وطالبان .
وشن حرب على الإسلام تحت شعار » الحرب على الإرهاب « وأن أميركا تعلم علم » اليقين « براءة » الشيخ بن لادن « كما صرح - في حينه - رمز إسلامي كبير .
وأما ثورات » ربيع العرب « مخطط مدروس لإغراق المنطقة في مستنقع من » الفوضى « و » الاضطرابات « لصالح إسرائيل ، ولا زالت الغالبية من العرب تردد بأن «داعش « صناعة أميركية ، وكافة » جماعات العنف « تعمل لحساب مخططات خارجية ، إما » ديانا « فقد صفتها المخابرات البريطانية لإنها أرادت الزواج بمسلم حتى » انفجارات الرياض « في الماضي ، وراءها أميركا كما قال استاذ الإعلام بجامعة الملك سعود ، و » الطائرة المصرية « التي سقطت أمام شواطئ أميركا أسقطها صاروخ أميركي للقضاء على الكفاءات العسكرية المصرية .
ولا زال المسلمون يعتقدون بصحة » بروتوكولات حكماء صهيون « للسيطرة على العالم ، مع أنها من صنع المخابرات الروسية !
وكيف لا يصدقون ، وتاريخنا يوثق تآمر » يهود المدينة « ضد الدولة الإسلامية الأولى في » المدينة المنورة « ؟!
لا عجب في سيادة » الفكر التآمري « في الساحة ، وفي هيمنته على» العقلية » العربية ، فمن كان له ماض مَجِيد وزاهر ، ويرى حاضره متردياً ، محبطاً ، تعساً ، لا يملك إلا أن يتهم » الآخر « الشرير ، بأنه المسؤول الأول عن معاناته وتعاسته ، هو لم يقصر أبداً ، صح منه العزم وسعى وبذل جهده ، لكن لم يحالفه النجاح لأن الآخر » المتربص « خطط وتآمر وتغلب » لا تلم كفي إذا السيف نبا - صح مني العزم والدهر أبى « وبطبيعة الحال فليس العرب والمسلمون ، بدعاً بين الأمم في الإيمان بالفكر النآمري ، هناك درجات مختلفة بين الشعوب والمجتمعات في تصديق » أوهام « التآمر ، لكن » العرب « من بين الأمم والشعوب - جميعاً - هم الأكثر ، إيماناً بهذه الأوهام وتصديقاً لها !
لماذا تزدهر شجرة التامر بأرضنا وتؤتي ثمارها ؟!
هناك عوامل عديدة ، منها :
« النفسي « اتهام الآخر ، يريحنا ويعفينا من المسؤولية، و » التاريخي « دور يهود المدينة وابن سبأ وزرع إسرائيل و» الثقافي « اليهود مصدر الشرور و« التراثي « أبدية الصراع مع الآخر ومنها ؛ عامل » التوظيف السياسي « لكل من التيارين » القومي « و » الإسلام السياسي »
الأول وظف فكرة » التآمر الغربي « على العرب ، لكسب الرأي العام وشحنه بأيدلوجية المواجهة ، ولتبرير « الانقلابات « العسكرية على » الأنظمة الملكية »
وأما الثاني فوظفها في اتهام » الأنظمة « ما بعد الملكية ، بأنها تنفذ المخططات الغربية ، كسباً للشعبية ووصولاً إلى السلطة ، واليوم يوظفها » الغلاة « الإرهابيون لتثبيت دولة » الخلافة « وتبرير أعمالهم الوحشية .
ختاماً : ما كانت لهذه العوامل أن تنجح في زرع » وهم « التآمر في العقلية العربية لولا تغييب منهج » نقد الذات « وشجاعة الاعتراف بـ » الأخطاء « وتحمل المسؤولية وإعمال » العقل الفاحص « في أوضاعنا وأحوالنا .
وهي مسؤوليات أمرنا القرآن الكريم بها في قوله تعالى » إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » وتغيير ما بالنفس إنما يبدأ بـ » نقد الذات « ومواجهتها ومصارحتها بأن ما نشكو منه ، هو من عند أنفسنا » قل هو من عند أنفسكم « لا الآخر ، وأن مصائبنا بما كسبت ايدينا - نحن - » وما أصابكم من مصيبة ، فبما كسبت أيديكم » وأن شحن نفوس شبابنا بكراهية الآخر بحجة أنه يتآمر علينا ، لن يصلح الأوضاع ، ولن يعين على حسن تشخيص المشكلات بل يضيع شبابنا الذين يتحولون إلى » قنابل « رخيصة انتقاماً وثأراً من الآخر المتآمر ، كما أن توظيف فكرة «التآمر « في خدمة منهج » الصراع والمواجهة « سيكون على حساب معركة «البناء والتنمية«
نعم هناك صراعات ومطامع دولية وإقليمية من حولنا ، لكن يحكمها منطق » المصالح « لا وهم » التآمر« وهناك فرق كبير بين المنطق والوهم.
د. عبدالحميد الأنصاري
تم النشر في جريدة الوطن القطرية بتاريخ : 23 Mar 2015