صفحة 3 من 9 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 88

الموضوع: موسوعة البلاد العربية

  1. #21
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    وبفضل جهود الإمام تركي بن عبد الله، وبفضل ما لقيه من دعم وعون من أهالي نجد، تمكن هذا الإمام من توحيد جميع نجد في أواخر عام 1243هـ، 1828م. وتابع الإمام جهوده محاولاً استعادة المناطق التي كانت تابعة لدولة أجداده غير إقليم نجد. فاستطاع ضم منطقة الأحساء بكاملها، وضم أجزاء واسعة من أرض سلطنة عمان، وأيده سكان البادية ودفعوا له الزكاة، دلالة على التبعية لحكمه وسيادته. وبذلك استطاع الإمام تركي بن عبد الله أن يقيم الحكم السعودي الجديد، وينشر الأمن والاستقرار في ربوع البلاد. وقد ساعده ابنه فيصل بن تركي في إنجاح مشروعه الكبير عندما كان يقود القوات السعودية ضد المعارضين والمتمردين على حكم أبيه، وعندما كان يتولى شؤون الحكم والإدارة أثناء غياب والده، وبذلك يكون فيصل بن تركي قد ساعد أباه تركي ابن عبد الله في بناء صرح الكيان السعودي الجديد الذي ورث الدولة السعودية الأولى. وبفضل سياسة الإمام تركي ابن عبد الله الواعية، وحكمته وتجربته الإدارية والحربية وشجاعته وعدله، دخلت البلاد في عهد جديد من الأمن والاستقرار.

    وكانت نهاية الإمام تركي بن عبد الله آل سعود مفجعة حقًا عندما قُتل في مؤامرة أواخر ذي الحجة عام 1249هـ، 1834م، دبرها ابن اخته الأمير مشاري بن عبد الرحمن آل سعود، وبعد وفاة الإمام تركي بن عبد الله أعلن مشاري بن عبد الرحمن آل سعود نفسه أميرًا على الرياض، ولكنه لم يتمتع بهذا الحكم أكثر من أربعين يومًا فقط، تمكن بعدها فيصل بن تركي بن عبد الله من استرداد الحكم.

    وبهذا يكون تركي بن عبد الله قد حكم فترتين دامت الأولى من عام 1235ـ 1236هـ، 1819 ـ 1820م، والأخرى من عام 1238 ـ 1249 هـ، 1822 ـ 1834م.


    جهود فيصل بن تركي آل سعود. كان فيصل بن تركي من بين الأسرى السعوديين الذين رحلهم إبراهيم باشا إلى القاهرة بعد احتلاله الدرعية والقضاء على الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ، 1818م. وظل في القاهرة حتى تمكن من العودة إلى نجد ليساعد والده تركي ابن عبد الله آل سعود في بناء الدولة السعودية التي كان يحاول تركي تأسيسها من جديد بعد رحيل إبراهيم باشا وقواته عن الدرعية وغيرها من بلدان نجد. وبالفعل، فإن فيصل بن تركي أصبح الساعد الأيمن لوالده.

    كان فيصل، في الوقت الذي قُتل فيه والده تركي بن عبدالله، في المنطقة الشرقية، يعمل على توطيد الحكم هناك، وتنظيم إدارة المنطقة. وفي القطيف، اجتمع فيصل بمستشاريه وأعوانه مثل عبد الله بن رشيد، وعمر بن عفيصان، وقرر الجميع إرسال بعض القوات السعودية الموجودة في المنطقة الشرقية إلى الرياض للقضاء على حركة التمرد التي قادها مشاري بن عبد الرحمن ضد حكم تركي بن عبد الله آل سعود.

    تمكن فيصل بن تركي من القضاء على مشاري بن عبد الرحمن آل سعود الذي وَليَ حكم الرياض بالقوة فترة لا تزيد على أربعين يومًا، وهكذا استطاع فيصل بن تركي أن يتسلم مقاليد الحكم، وبايعه الأهالي، وبدأت بذلك فترة حكم الإمام فيصل بن تركي المرة الأولى. واستطاع فيصل أن يعيد الاستقرار ويدعم الأمن في أرجاء البلاد السعودية التي كانت تابعة لحكم والده تركي. فوطد الأمن في ربوع نجد، والمنطقة الشرقية، بالإضافة إلى توطيد دعائم الحكم السعودي في مناطق من عُمان ومناطق الساحل العماني، ولقي تأييدًا كبيرًا في منطقة عسير وبذل فيصل أقصى جهده من أجل تثبيت دعائم الحكم السعودي في تلك المناطق.
    فيصل يصطدم بأطماع محمد علي. اصطدم مشروع فيصل بن تركي ومحاولاته من أجل بناء الدولة السعودية الثانية، وتركيز دعائمها، بأطماع محمد علي باشا وخططه التوسعية على حساب أملاك الدولة العثمانية في ولاياتها العربية. فثار محمد علي على الدولة العلية العثمانية، ودخل معها في حروب طويلة، وانتصر على قواتها، وضم إلى حكمه ولايات عثمانية عربية غير ولاية مصر. وقرر محمد علي باشا أن يثبت دعائم مشروعه الكبير الواسع في السيطرة على الجزيرة العربية التي كانت ضمن مشروعه هذا. وهنا كان لا بد أن تصطدم أطماع محمد علي باشا مع القوى المحلية في الجزيرة العربية وعلى رأسها القوة السعودية التي يقودها الإمام فيصل بن تركي، إذ أن فترة حكم الإمام تركي في المرة الأولى كانت قد تزامنت مع قيام محمد علي باشا بحركته الانفصالية ضد العثمانيين، وأهدافه ومشروعاته التوسعية في أجزاء من البلاد العربية التابعة لحكم الدولة العثمانية.

    أرسل محمد علي باشا حملة عسكرية قوية على نجد بقيادة إسماعيل بك، ورافقه فيها الأمير السعودي خالد بن سعود الكبير، أخو الأمام عبد الله بن سعود الكبير، آخر حكام الدولة السعودية الأولى. ونلحظ هنا أن محمد علي باشا حرص كل الحرص على أن تكون حملاته الجديدة على نجد وغيرها، حملات قوية ومنظمة إلى حد ما لكي توازي أطماعه التوسعية الرامية إلى إقامة دولة عربية واسعة تحت زعامته، تكون الجزيرة العربية ضمن حدودها لأن فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة من جهة، ولأنها تساعده على نشر سلطته وسيادته على مناطق الخليج، وتوصله إلى مناطق العراق من جهة أخرى.

    وكان محمد علي باشا قد أرسل مع الحملة المذكورة الأمير السعودي خالد بن سعود، وأنعم عليه برتبة قائمقامية الشق الثاني من ديوانه، ليكون سلطة اسمية فقط، أما السلطة الفعلية فهي بيد محمد علي باشا. وقد أراد محمد علي باشا من وراء ذلك أن يقنع الأهالي في نجد بأن السلطة الجديدة ما هي إلا سلطة محلية وطنية، وعن طريقها يمكنه فرض سيادته وسلطته على البلاد النجدية.


    رحيل فيصل بن تركي إلى القاهرة. وعلى الرغم من محاولة الإمام فيصل بن تركي الجادة لوقف الزحف العسكري المصري الممثل بزعامة محمد علي باشا، لكنه فشل في نهاية الأمر تحت ضغط القوات المصرية التي دعمها محمد علي باشا وقواها عندما ساندها بحملة عسكرية أخرى تحت قيادة القائد العسكري المحنك خورشيد باشا. واضطر الإمام فيصل بن تركي بعد مقاومة أبداها ضد القوات المصرية إلى الاستسلام، والذهاب إلى القاهرة منفيًا على شرط أن يؤمن خورشيد أتباع فيصل على أرواحهم وأموالهم. وكان استسلام الإمام فيصل بن تركي في العشر الأواخر من شهر رمضان عام 1254هـ، ديسمبر عام 1838م. وهكذا ضاع الجهد السعودي كله، وسيطرت قوات محمد علي باشا على البلاد، وانتهى حكم فيصل بن تركي في فترته الأولى التي امتدت من عام 1250 ـ 1254هـ، 1834 ـ 1838م.

    عُرف فيصل بن تركي بحنكته وحكمته، وسار في حكم البلاد سيرًا حميدًا وموفقًا، وقد أيده الناس، وعدّوه رمزًا وطنيًا دافع عن استقلال بلادهم، وحرص على تثبيت دعائم الحكم السعودي الوطني المحلي، وهو أمر أيده الكثيرون في البلاد النجدية.

    كذلك فإن الإمام فيصل بن تركي كان يتمتع بشخصية محبوبة، وكانت له تجارب كبيرة في المجالات الحربية والسياسية والإدارية. وظل يقود المقاومة ضد حكم محمد علي في نجد خاصة والجزيرة العربية عامة بكل إصرار وعناد، مما أكسبه شعبية كبيرة بين أهالي نجد وغيرها من الأقاليم الأخرى في الجزيرة العربية.


    الدول الأوروبية تحاصر أطماع محمد علي. وباستسلام الإمام فيصل بن تركي لخورشيد باشا، بدأ النفوذ المصري المتمثل بسيادة محمد علي باشا في الانتشار والامتداد باتجاه المناطق الساحلية الشرقية من الجزيرة العربية، مدعيًا أن نفوذه السياسي والعسكري هو خليفة للنفوذ السعودي. وهو أمر أخذت أوروبا تتخوف منه، وراودها الشك عندما علمت بمشروعات محمد علي باشا التوسعية، فبدأت تعمل بالتعاون مع أعدائه على وقف نشاطه التوسعي والعمل على تقليم أظافره، وتحديد دائرة نفوذه في ولاية مصر فقط. وهو أمر نفذته بريطانيا مع غيرها في معاهدة لندن عام 1256هـ،1840م، واضطرته إلى سحب جميع قواته من كل الولايات العثمانية التي احتلها أثناء حركة انفصاله، فسحب قواته من الجزيرة العربية وبلاد الشام. وأبقى خورشيد باشا الأمير خالد بن سعود على حكم البلاد النجدية تاركًا معه عددًا قليلاً من الحاميات العسكرية المصرية بعد أن وصلت الأوامر من محمد علي باشا إلى خورشيد باشا بالتوجه فورًا إلى مصر مع معظم قواته، باستثناء عدد قليل من الجنود الاحتياطيين الذين بقوا في نجد تحت إشراف الأمير خالد بن سعود من أجل حمايته ودعمه. وبانسحاب خورشيد باشا وجنده، انتهى حكم محمد علي باشا المباشر في الجزيرة العربية عامة، ونجد خاصة، وتسلم خالد ابن سعود الحكم في نجد.

    لم يمكث خالد بن سعود في حكم نجد وقتًا طويلاً لأن الأهالي في نجد عدّوه صنيعة محمد علي باشا، وآلته التي استخدمها من أجل تركيز نفوذه في البلاد. كما أن حكم خالد بن سعود اختلف في نمطه وأسلوبه ونهجه عن أسلوب الحكم السعودي المتعارف عليه في البلاد. لذا لم يلق تأييد الأهالي، بل نفروا منه، وأيدوا بالفعل الأمير السعودي عبد الله بن ثنيان الذي رفع علم المقاومة ضد حكم خالد بن سعود، وانتهى الأمر بفرار خالد وتسلم عبد الله بن ثنيان الحكم في نجد. واستطاع ابن ثنيان أن يسيطر على الأمور ليس في نجد فقط، وإنما بسط نفوذه على كل المناطق التي كانت تابعة للسيادة السعودية في عهد الإمامين، تركي بن عبد الله، وابنه فيصل بن تركي آل سعود. ودام حكم عبد الله بن ثنيان فترة عامين فقط، تمكن فيهما من تثبيت السيادة الوطنية السعودية، وإخراج كل القوات العسكرية الموالية لمحمد علي باشا، والتي ظلت في البلاد النجدية لدعم نظام خالد بن سعود الموالي لحكم محمد علي باشا. وانتهى حكم عبد الله بن ثنيان في منتصف شهر جمادى الآخرة عام 1259هـ، 1843م. واتصف حكم عبد الله بن ثنيان بالقوة والشدة وكثرة الإجراءات التأديبية، مما سبب نقمة عليه من جانب عدد كبير من الأهالي، ومهد السبيل لنجاح فيصل بن تركي آل سعود وتغلبه على ابن ثنيان.


    عودة فيصل بن تركي من مصر. عاد فيصل بن تركي من منفاه في القاهرة إلى نجد بعد توقيع معاهدة لندن عام 1256هـ، 1840م، ويرجح أن تكون السلطات المصرية هي التي أمرت بإطلاق سراحه بعد تغير الظروف العامة والدولية، خاصة بالنسبة لمشروعات محمد علي باشا وتوسعاته. ولا يُستبعد أن تكون السلطة في مصر هي التي دبرت خروجه من القاهرة وهيأت له سبل ذلك. وتُشير بعض الروايات التاريخية إلى أن عباس الأول حفيد محمد علي باشا هو الذي دبر أمر خروجه من السجن لأنه كان معجبًا بذكائه ونضج عقله وتديّنه. وعباس باشا كان من مساعدي محمد علي باشا، ومن المقربين منه، فأشار على جده أن يطلق سراحه فوافق جده على هذا الرأي. ونلحظ أن زمن خروج فيصل بن تركي من السجن يتوافق زمنيًا مع فترة حكم محمد علي باشا الذي ظل في السلطة حتى عام 1264هـ، 1847م، إذ بعد هذا التاريخ تدهورت صحة الباشا، وأصيب بضعف في قواه العقلية، فعُزل عن الحكم وتولى الحكم من بعده إبراهيم باشا.

  2. #22
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    نرجح هذه الرواية لأنها تنتظم مع الأحداث المعاصرة لمسألة الخروج من السجن. فيرجح أن محمد علي باشا أراد أن يخرج فيصل بن تركي من سجنه لينتقم من ابن ثنيان الذي ثار على خالد بن سعود في نجد الموالي لسيادة محمد علي، كما أن ابن ثنيان كان قد أخرج كل الحاميات المصرية الاحتياطية المتبقية في نجد تحت زعامة خالد بن سعود. وكان محمد علي باشا يعلم علم اليقين أن عودة فيصل بن تركي إلى نجد واستعادة السيادة فيه وفي غيره من الأقاليم الأخرى من الجزيرة العربية مكسب لولاية مصر وحكامها لأنه سيحافظ على العلاقات الودية معها. وبالفعل، فإن فيصل بن تركي ظل طوال فترة حكمه محافظًا على الصداقة وطابع الود والصفاء مع السلطة في مصر.


    فيصل بن تركي وبناء الدولة السعودية المستقرة
    وصل فيصل بن تركي جبل شمَّر، وأقام مدة قصيرة في حائل عند صديقه الحميم عبد الله بن رشيد، أمير جبل شمر. وأثناء إقامة فيصل بن تركي في حائل، أخذ يراسل حكام مناطق نجد، وأمراء بلدانها، وشيوخ القبائل طالبًا منهم الدعم والعون والتأييد ضد عبد الله بن ثنيان الذي حكم البلاد بعد فشل خالد بن سعود في المحافظة على سلطته بعد رحيل القوات المصرية عن البلاد من جهة، وقيام حركة ابن ثنيان من جهة أخرى.

    كان فيصل بن تركي محبوبًا في بلدان نجد، وكان في نظرهم الزعيم السعودي الذي يستحق المبايعة والدعم؛ لما له من مواقف وبطولات سجلها في مقاومة حكم محمد علي باشا، فعدّوه بطلاً وطنيًا محليًا يعبر عن استقلالهم وحريتهم. فأطاعه معظم أهالي القصيم وغيرها من مناطق نجد، ودعموه وساعدوه، مما أضعف معه مقاومة ابن ثنيان الذي أصر على مخاصمة فيصل وحربه أملاً في البقاء في الحكم. انتصر فيصل بن تركي على خصمه ابن ثنيان، ودخل الرياض، وحاصر ابن ثنيان في قصر الحكم، وعلى الرغم من محاولة ابن ثنيان الهرب لكن أتباع فيصل قبضوا عليه وسلموه إلى فيصل بن تركي فوضعه في السجن، ومات فيه بعد حوالي شهر من سجنه.

    ويصف بيلي حكم الإمام فيصل بن تركي بقوله: ( إن جميع الأطراف الشرقية اعترفت بعدالة حكم الإمام فيصل ابن تركي وشدته، وأنّ حكمه لم يسبق له مثيل في النجاح، فقد كبح جماح القبائل، ونشر بينهم عادات المتحضرين، ووجَّه أفكارهم نحو الزراعة والتجارة).

    تُعدّ الفترة الثانية من حكم الإمام فيصل بن تركي من عام 1259 ـ 1282هـ، 1843 ـ 1865م فترة تكوين الدولة السعودية الثانية وبنائها على أساس قوي وفي جو سياسي واجتماعي واقتصادي مستقر. وحكم فيصل بن تركي في هذه المرة حكمًا طويلاً مستمرًا بلغ حوالي 23 سنة، أخمد فيها حركات التمرد وما كانت تنتاب البلاد من قلاقل واضطرابات وحروب، وكانت فترة حكم الإمام فيصل بن تركي في المرة الثانية ـ بحق ـ فترة سلام نسبي.

    حاول الإمام فيصل بن تركي أثناء فترة حكمه الآخرة تكوين علاقة ودية مع الدولة العثمانية، ونجح في ذلك إلى حد ما مما جنبه الدخول في مشكلات معها، وأمِن تدخلها في شؤونه، حتى بدأت الدولة العثمانية سياسة تقوية قبضتها على البلاد العربية، ودب النزاع بين أبناء الإمام، فعاودت الدولة تدخلها باحتلال مدحت باشا الأحساء عام 1288هـ، 1871م على نحو ما سيأتي تفصيله. كما أقام الإمام فيصل بن تركي علاقة حسنة مع الحكومة المصرية، وساد جو من الهدوء والسلام مع القوى المحلية المحيطة بدولته. ونظم شؤون دولته في المجالات: الإدارية والاقتصادية والقضائية، وثبّت الحكم السعودي على أساس قوي وفي جو سياسي مستقر، وأرسى قواعد الأمن والاستقرار، وقوّى من شأن الرياض عاصمة الدولة السعودية، وفرض طاعته واحترامه على الجميع. وقد وافته منيته في الرياض في شهر رجب عام 1282هـ، 1865م، وبموته تكون الدولة السعودية الثانية قد فقدت أكبر حكامها. وقد خلفه في الحكم أكبر أولاده وهو عبد الله بن فيصل بعد أن بايعه الأهالي إمامًا عليهم.


    ضعف الدولة السعودية الثانية
    كان الأمير عبدالله بن فيصل أكبر إخوته ، والساعد الأيمن لوالده، الإمام فيصل بن تركي، في قيادة المعارك وإدارة شؤون البلاد. ولهذا اختاره وليًا لعهده. ولما توفي الإمام فيصل، سنة 1282هـ، 1865م، بويع ابنه، عبد الله، بالإمامة. لكن لم تمض سنة من حكمه إلا وقد اختلف معه أخوه الأمير سعود، وخرج من الرياض مغاضبًا له. واحتدم الخلاف بين الأخوين حتى أدى إلى نشوب معارك بين الأمير سعود ومن انضم إليه من فئات قبلية وبين قوات الإمام عبدالله. وكان من أهم تلك المعارك:

    معركة المعتلى. عام 1283هـ، 1867م وهي من المعارك الضارية، فقد قتل فيها عدد كبير من الطرفين وخاصة أتباع سعود، وجرح سعود جروحًا بليغة، وأصيب في إحدى يديه، فلجأ إلى إحدى القبائل، وبقي عندها للتداوي حتى برئت جراحه.

    معركة جودة. لم يكتف المغرضون بما انتهت إليه معركة المعتلى من نتائج وصاروا يحرضون الأمير سعودًا على معاودة الكرة، فأعد جيشًا كثيفًا جمعه من القبائل الموالية له، والتقى هذا الجيش بقوات الإمام عبدالله الفيصل على ماء (جودة) عام 1287هـ، 1870م ودارت بين الجيشين معركة شرسة تعد من المعارك الفاصلة في تاريخ هذا النزاع، وهزمت قوات الإمام عبدالله واستولى سعود على الأحساء، ثم واصل نشاطه العسكري واستولى على الرياض عام 1288هـ، إبريل 1871م.

    وقعة البرَّة. لما علم الإمام عبدالله الفيصل بهزيمة جيشه واستـيلاء أخـيه على الأحـساء والمنطـقة الشرقية، توقع أن يواصل سعود زحفه على الريـاض، فقرر مغادرتها درءًا للشر، ولكي يجنب الرياض وأهلـها حربًا غشومًا وقودها الرجال والمال، فخرج بما بقي معه من قوة وثروة، وفي الطريق التقـت قواته بجيش أخيه سعود في البرة في جمادى الأولى عام 1288هـ، يوليو 1871م، وحلـت الهزيمة بقوته ـ في معركة غير متكافئة ـ فـهام على وجهه يطلب العون من أهل نجد فلم يجبه أحد. وعندما فقد الأمل استجار بالأتراك العثمانيين في العراق (فكان كالمستجير من الرمضـاء بالنار) فأعد (مدحت باشا) جيشًا من الجنود النظاميين تسـانده بعض القبـائل فانتزعوا الأحساء من إمارة سعـود واحـتلوها وأطلـقوا عليها اسم (ولاية نجد).

    توفي الإمام سعود في ذي الحجة عام 1291هـ، يناير 1875م وبايع أهل الرياض الإمام عبدالرحمن بن فيصل، لأنه كان موجودًا في الرياض، فلما عاد أخوه عبدالله عام 1293هـ تنازل له عن الإمامة. لكن أبناء أخيه سعود خرجوا عليه فيما بعد، وقبضوا عليه في الرياض عام 1305هـ، ففتح هذا التصرف الباب لتدخل الأمير (محمد بن عبدالله الرشيد) الذي أجهز على الدولة السعودية الثانية ـ على نحو ما سيأتي تفصيله ـ.


    الموقف العثماني من الفتنة الأهلية. لم تقف الدولـة العثمـانية موقـف المتفرج من نزاع الأخويـن الدائـر بين الإمـام عبد الله بن فيصـل وأخيه الأمـير سعود بن فيصـل، بل كانت دومًــا تتحـين الفرص من أجـل استعـادة سيادتها على مناطـق الخليـج العربي الساحليــة، خاصـة في منطـقة الأحــساء وقطر وغيرهـما من مناطـق الخلـيج الـعربي.

    وجاءت الفرصة للدولة العلية العثمانية عندما ـ الإمام عبد الله بن فيصل من مدحت باشا والي بغداد مسـاعدة الدولة العثـمانية له ضد حركة أخيه سعود، خاصة بعد انتصار سعود وقواته على قوات الإمام عبد الله في وقعة جودة في رمضان عام 1287هـ، 1 ديسمبر عام 1870م، والتي قتل فيها كثير من الطرفين، ووقع الأمير محمد بن فيصل أسيرًا في قبضـة القـوات المواليـة للأمير سعـود بن فيصل ودخل الأمير سعود بن فيصـل على أثرها الرياض وبايعه أهلها.

    وكما هو معروف فإن الدولة العثمانية كانت ترمي إلى تركيز دعائم الحكم العثماني في ولاياتها الشرقية، ولذا نجدها تضاعف حامياتها في كل ولاياتها، خاصة في الحجاز واليمن والعراق. وعينت كذلك مدحت باشا الرجل الشديد والطموح حاكمًا عامًا على العراق، وأطلقت يده في بسط نفوذ الدولة العثمانية في أي اتجاه يراه مناسبًا. ومما ساعد الدولة على تحقيق مخططاتها الجديدة افتتاح قناة السويس عام 1286هـ، 1869م، فأصبح في مقدورها إرسال حملات عسكرية بحرية كبيرة تساند قواتها البرية، بالإضافة إلى ما قامت به الدولة العثمانية من تنظيمات عسكرية في أعقاب حرب القرم.

    جاء طلب عبد الله بن فيصل النجدة من والي بغداد فرصة جيدة للدولة العثمانيـة لتنفيـذ ما خطـطت له، على الرغم من معارضـة بريطانيا وادعائهـا بأن مثل هذه المخططات العثمانية تعكر صفو السلام في المنطقة. وبناءً عليه، أرسل مدحت باشا حملة عسكرية قوية ومنظمة عام 1288هـ، 1871م إلى منطقة الأحساء واحتلتها، وأطلقت عليها اسم ولاية نجد.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدحت باشا كان قد وعد الإمام عبد الله بن فيصل بتعيينه قائم مقام على نجد ولكنه أخلف وعده. وقد ترتب على الحملة العثمانية انسلاخ المنطقة الشرقية عن الدولة السعـودية الثانية، فزاد بذلك ضعف الدولة السعودية الثانية، وخاصة موقف الإمام عبد الله بن فيصل، ولم يكن ذلك إلا بسبب الخلاف الدائر بين عبد الله بن فيصل وسعود بن فيصل والقوى المؤيدة لكل منهما.


    موقف آل رشيد من الفتنة. استفاد آل رشيد من الفتنة الأهلية فأخذوا يوسعون دائرة نفوذهم في البلدان النجدية غير جبل شمّر. فتدخل الأمير محمد بن رشيد في شؤون القصيم الداخلية عام 1293هـ، 1876م. وتدخل محمد بن رشيد أيضًا في فك الحصار عن بلدة المجمعة التي حاصرها الإمام عبد الله بن فيصل عام 1299هـ، 1882م، واضطر الإمام عبد الله إلى فك الحصار عنها تحت ضغط قوات محمد بن رشيد التي كان يناصرها حسن بن مهنّا الذي انضم بقواته إلى جانب قوات ابن رشيد. ومعروف أن الأمير محمد بن عبد الله بن رشـيد يُعدّ بحق من أشهر أمراء جبل شمّر بعد عبد الله بن رشيد مؤسس إمارة آل رشيد، إذ توسـعت الإمارة الرشيدية في عهـده فشـملت، إلى جانب جبل شمر، منطقة الجوف ووادي السرحان، ودام حكم هذا الأمير قرابة ربع قرن.

    انتصر الأمير محمد بن رشيد على قوات الإمام عبد الله بن فيصـل في وقعة أم العـصافير قرب المجمعة عندما هب ابن رشيد، وحسن بن مهنّا لنجدة المجمعة التي ظلت ترفـض الولاء والطاعة للإمام عبد الله بن فيصل، في وقت كانت تعيش فيه بلدان نجد في جو من الحروب والمنازعـات والفوضـى؛ بسـبب ضعـف السلطة المركزية السـعودية نتيجة استمرار الفتنة الأهلية. وبعد وقعة أم العصـافير تمكن الأمير محـمد بن رشيد من فرض سيطرته على إقليمي الوشـم وسدير، ويكون بذلك قد قوّض دعائم الحكم السعـودي بشكل تدريجي، إذ انحصر هذا الحكم في منطـقة العارض ومناطق جنـوبي الرياض، حتى إن مناطق جنوبي الرياض ظلـت وقتها تؤيـد أولاد الأمـير سعــود بن فيصل المعارضين لحكم عمهـم الإمام عبـد الله بن فيــصل.

    تدخّل محمـد بن عبد الله بن رشيــد في الحوادث الدائرة في الرياض في الوقت الذي دخل فيه أبنـاء الأمـير سعـود بن فيـصل الريــاض وقبضوا على عمهــم. فجــاء محمــد بن رشيـد بقــواته إلى الرياض بحجـة مساعــدة الإمـــام عبــداللـه ابن فيصل، واستطاع محمد بن رشيد دخول الرياض والسيطرة على مقاليد السلطة الفعلية فيها. وقبل مغادرته عين سالم بن سبهان أميرًا على الرياض كحاكم فعلي فيها. وذهب الإمام عبد الله بن فيصل وأخوه عبد الرحمن بن فيصل مع محمد بن رشيد إلى حائل وظلا هناك من عام 1307هـ، 1889م. وهكذا تطورت الحوادث وتسارعت الأمور بشكل كبير ضد الدولة السعودية الثانية.

  3. #23
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    توفي الإمام عبد الله بن فيصل في 8 ربيع الآخر من عام 1307هـ، 24 نوفمبر عام 1889م، ونودي بأخيه الأمير عبد الرحمن بن فيصل إمامًا للدولة السعودية الثانية التي كانت تحتضر. وقد امتاز الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالكفاءة والقدرة وحسن التدبير، إلا أنه تزعم الدولة في ظروف ليست في صالحه. فابن رشيد كان حينذاك يخطط لإنهاء حكم آل سعود، وإسقاط الدولة السعودية ليحل مكانها حكم آل رشيد وقيادتهم لنجد. لذا قرر محمد بن رشيد أن يتخلص من الإمام عبد الرحمن بتدبير مؤامرة لاغتياله بوساطة تابعه سالم بن سبهان الذي أصبح له نفوذ كبير في الرياض. ولكن الإمام عبد الرحمن اكتشف المؤامرة، وزج بسالم بن سبهان في السجن. فاستغل محمد ابن رشيد هذا الحادث لتنفيذ مخططه الرامي إلى السيطرة على جميع نجد.

    توجه محمد بن رشيد عام 1308هـ،1890م بقواته إلى الرياض، وحاصرها وقطع الكثير من نخيلها، وناوشه أهلها. وشكل الناس في الرياض وفدًا لمفاوضة ابن رشيد، وكان رئيس الوفد الأمير محمد بن فيصل آل سعود، أخا الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود ومعه ابن أخيه عبد العزيز بن عبد الرحمن والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ. وتم الاتفاق على: 1ـ يطلق الإمام عبد الرحمن بن فيصل سراح سالم بن سبهان. 2ـ أن تكون سيادة عبد الرحمن بن فيصل على منطقتي العارض والخرج.

    لم يدم هذا الاتفاق طويلاً لأن محمد بن رشيد حارب أهالي القصيم وهزمهم في وقعة كبيرة هي وقعة المليدا الفاصلة التي سيطر في أعقابها محمد بن رشيد على منطقة القصيم، وتفرغ بعد ذلك لمواجهة الوضع في الرياض، حيث أخذ يطوي بلدان نجد تدريجيًا تحت سيادته.

    وهكذا لم تصبح لدى الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود قوة كافية لمواجهة أطماع الأمير محمد بن رشيد، ولم يكن قادرًا على إيقاف تقدمه صوب الرياض، خاصة بعد وقعة المليدا. فقرر الإمام عبد الرحمن بن فيصل مغادرة الرياض هو وأفراد أسرته، وقد ترك أخاه محمد بن فيصل يحكم الرياض نائبًا عنه عام 1308هـ، 1890م. وذهب عبد الرحمن بن فيصل إلى قبيلة العجمان. ومع أن الإمام عبد الرحمن بن فيصل حاول أن يجمع القوات المناصرة له ليعيد نشاطه ضد ابن رشيد، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل عندما انتصر محمد بن رشيد وقواته على عبدالرحمن بن فيصل وقواته قرب بلدة حريملاء، واضطر عبدالرحمن بن فيصل للعودة إلى قبيلة العجمان ليقيم في كنفها. ويُعدّ عام 1309هـ، 1891م، العام الذي وقعت فيه وقعة حريملاء، نهاية الدولة السعودية الثانية وسقوطها، ثُمَّ حلَّت محلَّها في نجد سيادة أسرة آل رشيد تحت زعامة الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد الذي قضى على الدولة السعودية الثانية. واستقر المطاف بآل سعود ليحلوا ضيوفًا على شيخ الكويت.

    نتائج الفتنة. عمت البلاد حروب شملت بلاد نجد، وامتدت خارجها. وسادت البلاد السعودية حالة من الفوضى دامت أكثر من ثلاثين سنة. وعادت الصراعات القبلية، وبرزت روح العداء التقليدي بين الجماعات الحضرية والبدوية. وظهرت روح العداء بين الجماعات والعائلات الحضرية التي كانت متعادية ومتناحرة قبل مجيء السلطة المركزية القوية التي استطاعت إخماد جذوة الفتن وكسر حدّة عنفها.

    شجعت الفتنة آل رشيد على السيطرة على كل البلاد النجدية. وتمكن العثمانيون من سلخ المنطقة الشرقية، مما أدّى إلى زوال الدولة السعودية الثانية. وتشجيع إمام عمان فانتزع منطقة البريمي التي ظلت تخضع للدولة السعودية على مرّ حقب تاريخها. ونعمت بريطانيا باستقرار نفوذها في الخليج بعد أن ضعفت القوة المحلية المؤثرة.

    أما في المجال الاقتصادي، فقد انشغل الأهالي في الحروب، وساد جو من عدم الأمن والاستقرار مما أثر على الوضع الاقتصادي في منطقة نجد خاصة لأنها مركز الفتنة، وأرضها. فتراجعت الزراعة والتجارة والصناعة، وأثر ذلك على الرعي. وسادت حركة القوافل التجارية حالة من القلق وعدم الاطمئنان الناجمين عن فقدان الأمن في الطرق التجارية، مما شجع بعض الجماعات البدوية على أخذ الأتاوى التجارية العالية، وشجع بعضها على قطع الطرق التجارية والسيطرة على حمولة القوافل التجارية بالقوة بعد زوال السلطة المركزية القوية. وأمر بديهي أن تتأثر الأوضاع الاقتصادية بالأوضاع السياسية في المنطقة، فكلما عم الأمن والاستقرار والهدوء والسلام في البلاد، ازدهرت الحياة الاقتصادية.

    ونتج عن الفتنة تمزيق وحدة المجتمع بعد أن تهيأت له أسباب الانقسام كدخول القبائل في حروب ضد بعضها. وأثرت الفتنة على الحياة التعليمية والثقافية في البلاد، فُشلّت حركة الكتاتيب، ومن ناحية أخرى ألهبت الحروب عواطف الشعراء ففاضت قرائحهم بالشعر الذي يصف الفتنة ونتائجها ومدى المساوئ السياسية والاجتماعية التي خلفتها.

  4. #24
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    نظام الحكم والإدارة في الدولة السعودية الثانية
    تشمل أنظمة الدولة في مجال الحكم والإدارة: النظام السياسي، والنظام الحربي، والنظام الإداري، والنظام القضائي، والنظام المالي. ودستور الدولة السعودية الثانية يقوم على أساس تطبيق الشريعة الإسلامية، ونصرة التوحيد، وهي في أحكامها تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومذاهب الأئمة الأربعة. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (الحق والصواب ما جاء به الكتاب والسنة، وما قاله وعمل به الأصحاب واختاره الأئمة الأربعة المقلدة في الأحكام، فقد انعقد على صحة ما قالوه الإجماع). وبناءً عليه، ركزت الدولة السعودية الثانية على المسائل الدينية في المقام الأول. ونتيجة لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، فقد قلت السرقات والأعمال المخالفة للشرع الإسلامي، كما قلت في المجتمع العادات الاجتماعية الذميمة المخالفة للشريعة الإسلامية وكَثُرَت التقاليد والعادات العربية الأصيلة التي أقرها الإسلام وحافظ عليها.


    النظام السياسي. يشتمل النظام السياسي في الدولة السعودية الثانية على المناصب التالية:

    الإمام. وهو الرئيس الأعلى للدولة، وصاحب السلطات الفعلية والرئيسية فيها. ويدعم مركز الإمام ويقويه استناده في حكمه على تطبيق أحكام الشرع الإسلامي. فالإمام هو الرئيس السياسي للنظام كله، وهو القائد العام للقوات السعودية، وهو صاحب السلطة في إبرام المعاهدات وإعلان الحرب. وعنده تحل جميع المسائل المعقدة والخلافات الكبيرة التي كانت تحدث بين العائلات، أو تلك التي كانت تحدث بين القبائل وغير ذلك من المسائل الاجتماعية الصعبة. وهو المسؤول الأول عن شؤون بيت المال، وموارده ومصارفه. وللإمام ديوان في قصر الحكم يجتمع فيه مع مستشاريه وقضاته وأمراء البلدان وشيوخ القبائل. ومركز إقامة الإمام هو قصر الحكم في الرياض.

    ولي العهد. سارت الدولة السعودية الثانية في اختيار ولي العهد على النظام الوراثي الأسري للابن الأكبر من أبناء الإمام الحاكم. ويتحمل ولي العهد أعباء كبيرة من مهمّات الدولة وواجباتها الوظيفية، خاصة في غياب الإمام في حالات الغزو أو الإجازات أو الزيارات أو المرض وغيرها. وأحيانًا كان يعين ولي العهد أميرًا على إقليم أو منطقة من مناطق الدولة من أجل تدريبه على الأمور الإدارية والسياسية، ولكي يظل على احتكاك بالناس ليتعرف على أحوالهم واحتياجاتهم، وبالتالي يكون قد اكتسب خبرة جيدة في مجال الإدارة العامة تفيده عند تسلمه مقاليد الحكم في البلاد. وكثيرًا ما كان يتسلم ولي العهد أمر قيادة القوات بدلاً من والده، وذلك من أجل تدريبه على فنون الحرب وأعمال الفروسية لأنه في المستقبل سيكون قائدًا عامًا للغزو عندما يصبح إمامًا خلفًا للإمام السابق. ومهما يكن الأمر، فقد كانت بيد ولي العهد سلطات وصلاحيات محدودة قدر الإمكان لأن كل السلطات الفعلية بيد الإمام نفسه.

    أمراء الأقاليم. كانت الدولة السعودية الثانية مقسمة إلى عدة مناطق أو أقاليم، عُيِّن على كل إقليم أمير، وقد راعى الإمام عدة اعتبارات عند تعيين الأمراء، كأن يكون الأمير من بين الرؤساء المحليين، ومن بين الموالين للدولة والمؤيدين لنظامها، أو من بين الموظفين الإداريين الذين اشتغلوا بالوظائف الإدارية في الدولة، وغيرها من الاعتبارات الأخرى. ومهما يكن للأمير من نفوذ في منطقته، فإن هذا لا يحول بينه وبين العزل أو النقل أو التأديب في حالات العصيان أو التمرد أو الاختلاس أو سوء الإدارة.

    ويأتي مركز الأمير في الدرجة الأولى بعد مركز ولي العهد، خاصة في إمارته أو إقليمه. فهو المشرف على كل الإدارة والشؤون المالية في الإقليم أو المنطقة التي يرأس إمارتها. وهو المسؤول الأول عن جمع قوات الغزو عند إعلان النفير العام بأمر من الإمام نفسه. فالأمير هو الممثل الأول للإمام في الإقليم. وتظل سلطة الإمام قوية على أمرائه، فكثيرًا ما كان يجمع أمراء النواحي والمناطق والأقاليم ويخاطبهم بمنتهى القسوة والتهديد في حال قوع الخلل أو المخالفات الكبيرة. نقتطف نصًا من خطاب الإمام فيصل بن تركي مخاطبًا أمراءه: "إنكم إذا ورد أمري عليكم بالمغزا حملتموهم زيادة لكم وإياكم ذلك فإنه ما منعني أن أجعل على أهل البلدان زيادة ركاب في غزوهم إلا الرفق بهم، واعلموا أني لا أبيحكم أن تأخذوا من الرعايا شيئًا... ومن حدث منه منكم ظلم على رعيته فليس أدبه عزله بل أجليه عن وطنه...". ويمكن توضيح مهمات الأمير بالآتي:

    - هو المسؤول الأول في الإقليم ونائب عن الإمام فيه.
    - عليه أن يجهز الغزو، وغالبًا يكون هو قائد جيش إمارته.
    - عليه جمع الزكاة والأعشار والجهادية من الأهالي في الإقليم.
    - عليه أن يرسل خمس الغنائم إلى السلطة المركزية في الرياض في حال انتصار قواته على الجماعات المتمردة على السلطة أو في حال الغزو الخارجي.
    - هو المسؤول الأول عن توزيع عطايا السلطان وهباته.

    الشورى. طبقت الدولة السعودية الثانية مبدأ الشورى في نظام حكمها في مختلف مراحله. وتنقسم الشورى إلى قسمين: أ- شورى خاصة ب- شورى عامة.

    أما الشورى الخاصة فهي تضم عددًا من الأمراء والقضاة والفقهاء والقادة وبعض أفراد الأسرة السعودية وبعض شيوخ القبائل. وتجتمع هذه النخبة من أصحاب الرأي والمشورة في الرياض، عاصمة الدولة السعودية الثانية، وعندما يأمر الإمام باجتماعها، وينعقد اجتماع أعضاء الشورى في الحالات المهمة مثل حالات إعلان الحرب، وتعيين ولي العهد وغيرهما من الأمور المهمة التي تتطلب التشاور والمحاورة وأخذ عدد من الآراء في موضوع معين.

    غدت الشورى في الدولة السعودية الثانية نظامًا واضحًا في عهد الإمام فيصل بن تركي؛ فمنذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها الحكم عقد اجتماعًا حضره مجلس شوراه الذي كان يتكون من عبد الله بن رشيد، وعبدالعزيز ابن محمد آل عليان أمير بريدة، وتركي الهزاني أمير الحريق، وحمد بن يحيى بن غيهب أمير الوشم وغيرهم من الأعوان والفقهاء وشيوخ القبائل، وذلك لمناقشة شؤون الأقاليم وأحوال سكانها واحتياجاتهم.

    اجتمع مجلس الشورى أيضًا للتباحث والتشاور في وضع الخطط اللازمة لمقاومة حملة القائد إسماعيل بك وخالد بن سعود اللذين أرسلهما محمد علي باشا للقبض على فيصل بن تركي، وإنهاء سيادة الدولة السعودية الثانية.

    أ

  5. #25
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    ما الشورى العامة فهي أعم وأوسع من مفهوم الشورى الخاصة، وهي تُعقد على شكل اجتماعات رسمية عامة، وفي مناسبات معينة إما من أجل دراسة بعض المشكلات المتعلقة بالأقاليم، أو في حال حدوث فتور وحالات تمرد قامت به جماعات معينة أو قبيلة معينة أو إقليم معين من بين أقاليم الدولة. وعلى الرغم من أن مثل هذه الاجتماعات القليلة عامة، إلا أنه كان يحضرها القضاة والفقهاء والشيوخ والرؤساء المحليون وأصحاب الفكر والقادة وغيرهم إلى جانب عدد من الأهالي الذين يُدْعون لحضور مثل هذه الاجتماعات في مؤتمرات رسمية عامة. وخير ما يمثل هذا النمط من الشورى العامة اجتماع وثيلان الذي عقد في الدهناء قرب عين ماء تسمى وثيلان، اجتمع فيه الإمام تركي بن عبد الله بعامة المسؤولين في الأقاليم.


    النظام العسكري. يشمل هذا النظام إعداد القوات وأنواعها وطرق الحرب والوسائل والمعدات التي يحارب بها الجندي. والواقع أنه ليس في الدولة السعودية الثانية تنظيم عسكري بالمعنى الحديث، وإنما كانت الدولة السعودية الثانية تعتمد على نظام النفير العام، وهو يعني التعبئة الحربية العامة في البلاد بقسميها الحضري والبدوي. وكان إعداد النفير العام يتم على الشكل التالي:

    - يصدر الإمام بصفته القائد العام للغزو أوامره إلى أمراء المناطق وأهمها: جبل شمّر، والقصيم، والدواسر، والأفلاج، والخرج، وسدير، والوشم، والعارض، والأحساء، بتجهيز قواتهم والحضور إلى مكان يكون قد عينه الإمام سرًا.
    - كان الأمير في الإقليم يمثل الإمام، لذا عليه أن يجهز قواته المطلوبة بالسلاح والعتاد والطعام الذي يكفي تلك القوات على الأقل بضعة أيام.
    - يجتمع الإمام بأمراء القوات كلها وبمساعديهم وقادة قواتهم وعندها يقرر الإمام الجهة المراد غزوها.
    - تظل القوات في حال النفير العام حتى تصدر أوامر من الإمام بانصراف القوات إلى ديارها.

    كانت معدات تلك القوات بسيطة، ولا تجديد فيها، فهي السيف والرمح والبندقية وبعض المدافع القديمة. وتتكون القوات السعودية من مشاة وفرسان وهجانة، أما بالنسبة للبحرية، فهي لا تتعدى عملية نقل بعض الجند بالسفن إلى البر. أما عن خطط القوات الحربية فهي تعتمد على المباغتة أو الهجوم المكشوف أو الكمين أو أسلوب الكر والفر أو أسلوب الزحف. وكانت القوات وقت الحرب تقسم إلى قلب وميمنة وميسرة ومقدمة، وهو نظام مألوف في القتال. ولم يكن للجنود المقاتلين رواتب محددة، بل كانت توزع عليهم الغنائم بعد طرح خمسها. وكانت الدولة السعودية الثانية تجمع قوات تقدر بحوالي مائة ألف جندي.


    النظام الإداري. يشتمل هذا النظام على التوزيعات الإدارية في الدولة السعودية الثانية، مثل المناصب الإدارية في الدولة، والترتيبات الإدارية في الأقاليم التابعة للدولة. وقد أعطانا وليم بيلجريف الذي زار جبل شمّر والرياض والمنطقة الشرقية عام 1280هـ، 1863م في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية لائحة بأسماء الأقاليم التي كانت تتألف منها الدولة السعودية الثانية، وهي: العارض، الخرج، الحريق، الأفلاج، السليِّل، الوشم، سدير، القصيم، الهفوف، القطيف، البريمي، جبل شمّر، الجوف، خيبر، تيماء. وظلت هذه التقسيمات الإدارية بالنسبة للمناطق طيلة عهد الإمام فيصل بن تركي، ومطلع حكم ابنه الإمام عبد الله بن فيصل. وبعد ذلك انفرطت وحدة الدولة بسبب الفتنة الأهلية وتجزأت إلى قسمين، الشرقي وقد احتله العثمانيون، والآخر سيطر عليه آل رشيد. ولما احتل العثمانيون منطقة الأحساء وقطر قسموها إداريًا إلى ثلاثة أقضية هي: الهفوف، والقطيف، وقطر. أما بالنسبة لآل رشيد، فقد ظل الوضع الإداري القديم قائمًا، باستثناء بعض الإجراءات الإدارية المؤقتة.

    ويذكر المؤرخ العراقي إبراهيم بن فصيح الحيديّ أن عدد الوظائف الإدارية في الدولة السعودية الثانية وصل إلى ألف وظيفة إدارية في نجد، وإلى خمسمائة وظيفة إدارية في الهفوف، وخمسمائة وظيفة إدارية في القطيف، وخمسمائة وظيفة إدارية في البريمي، ولم يذكر لنا عدد الوظائف الإدارية في جبل شمّر، وربما يعود ذلك لبداية انفراط عقد الدولة السعودية الثانية بسبب الفتنة. وعينت الدولة السعودية حكامًا (أمراء) على المناطق وأعطتهم صلاحيات الأمير حاكم الإقليم.


    هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. تشبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ديوان الحسبة في دولة صدر الإسلام، على الرغم من وجود بعض الاختلافات بينهما. وورد ذكر الهيئة في رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ يقول: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على من قدر عليه من جميع الرعية وهو في حق الإمام أعظم، فلا يجوز للإمام ترك الإنكار على أحد من المسلمين، بل يجب عليه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على القريب والبعيد. ويؤدب الغال بما يردعه وأمثاله عن الغلول من أموال المسلمين". يدلُّ ذلك على أنَّ تشكيل الهيئة في نظر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أمر ضروري. واتضح أمر الهيئة في عهد الإمام فيصل بن تركي الذي ركز في خطابه الذي عممه على الأهالي في فترة حكمه الأولى على وجوب تشكيل الهيئة، وعلى أمراء المناطق كلهم دعمها ومعاضدتها لأنها هي أيضًا دعم لهم. وتكونت الهيئة من جديد في فترة حكم الإمام فيصل الثانية بعد عودته من مصر وتسلمه مقاليد الحكم في البلاد، فأمر في أول خطاب له ألقاه على الأهالي بإعادة تكوين تلك الهيئة، وما زالت الدولة السعودية تدعمها وتقويها حتى وقتنا الحاضر.

    أما عن واجبات الهيئة فهي كالتالي: الإشراف على تطبيق الشريعة الإسلامية، عن طريق المراقبة التي يقوم بها أفراد جماعة الهيئة الذين يسمون نواب، ووظيفتهم تذكير الناس بأوقات الصلاة، وترك أعمال البيع والشراء حتى يفرغوا من أداء الصلاة في المساجد والإشراف على الآداب العامة، وعلى الموازين والمكاييل ومراعاة أحكام الشرع في عمليات البيع والشراء.


    النظام القضائي. يستند النظام القضائي في الدولة السعودية الثانية على أساس أحكام الشريعة الإسلامية. فقد انتشرت المحاكم الشرعية في ربوع البلدان ووزعت الدولة القضاة على الأقاليم لحل جميع المشكلات المختلفة التي تنشب بين أفراد المجتمع. ويأتي القاضي في الدرجة الأولى من حيث الرتبة الوظيفية بعد أمير الإقليم مباشرة. وللقضاة كلمة مسموعة لدى الحكام وعند الناس. ومركز القاضي يكاد يكون ثابتًا، فكثير من القضاة خدموا في سلك القضاء مدة حياتهم، ولم يتعرض منصب القاضي لتغيُّرات طارئة وغير طارئة لأن هذا المنصب منصب ديني في الدرجة الأولى، ومهمته الفصل في الخصومات والمنازعات بين الأهالي على أساس الشرع الإسلامي. وقد اشتهر عدد من القضاة في عهد الدولة السعودية الثانية، منهم: الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ والشيخ علي بن حسن آل الشيخ والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين والشيخ عبد الرحمن بن حمد الثميري والشيخ عبد العزيز ابن عثمان بن عبد الجبار والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم والشيخ عبد الله الوهيبي والشيخ جمعان بن ناصر والشيخ عبد اللطيف بن الشيخ مبارك آل مبارك والشيخ أحمد بن مشرف والشيخ ناصر بن علي العريني والشيخ محمد بن مقرن والشيخ محمود الفارسي وغيرهم من قضاة الدولة.


    النظام المالي. كان للدولة السعودية الثانية بيت مال خاص بها. وأهم وارداته: الزكاة بكل أنواعها. وقد كانت زكاة أقاليم الدولة ومناطقها تبلغ حوالي 265,000ريال سنويًا وكانت زكاة القبائل تصل إلى حوالي 115,000ريال سنويًا، بالإضافة إلى الزكاة التي كانت تؤخذ من مسقط فقد بلغت حوالي 6,000 ريال سنويًا، ومن البحرين حوالي 4,000 ريال سنويًا، ومن شيوخ ساحل عمان حوالي 1,200 ريال سنويًا، ومن صحار في القسم العماني غير مسقط حوالي 8,000 ريال سنويًا. فبلغ مجموع واردات الدولة السعودية الثانية من الزكاة أكثر من 400,000 ريال سنويًا.

    وهناك واردات أخرى مثل الجمارك التي تؤخذ على البضائع التجارية القادمة من خارج البلاد. وليس لدينا سجلات رسمية تحصي مقدار ما كانت تأخذه الدولة السعودية الثانية من جمارك.

    وهناك مورد خاص هو الغنائم أو مكاسب المعركة من أسلاب الحرب عند اندحار العدو أو في حال انكساره، وحصة بيت المال منها الخمس، وأما الباقي فيوزع على المحاربين كل حسب كفاءته ورتبته ومقدرته القتالية.

    وهناك مورد آخر وهو ضريبة الجهادية التي كانت تؤخذ من السكان كبدل عسكري، تصرف على القوات الغازية.

    أما مجالات الصرف في الدولة السعودية الثانية فهي تقوم على دفع رواتب الإداريين والقضاة وغيرهم. وهناك مصروفات على شكل منح وهدايا تُعطى لشيوخ القبائل والعلماء وغيرهم. وهناك مصروفات مخصصة للفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل ودور الشؤون الاجتماعية مثل دور الأيتام والعجزة. وهناك مصروفات عامة تخص المجالات العمرانية وغيرها من المشروعات العامة القليلة نسبيًا وقتذاك.

  6. #26
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    النظام الاقتصادي الداخلي. يشتمل الاقتصاد على جميع المرافق الزراعية والتجارية والحرفية في البلاد.

    الزراعة. تكثر في الواحات والمناطق الزراعية وهي كثيرة ومنتشرة في ربوع البلاد. وكانت نسبة السكان الذين يعملون في الزراعة عالية جدًا.

    التجارة. تأتي في الدرجة الثانية بعد الزراعة، وهي نوعان: تجارة داخلية وتجارة خارجية، وتتمثل جميعها في عمليات البيع والشراء والتبادل التجاري. وقد توفرت في أسواق البلاد الحاجيات الغذائية والملابس والبضائع الأخرى من كماليات مثل أنواع الصياغة الذهبية والفضية وغيرها. وكان تجار البلاد يجوبون بلادًا خارجية لاستيراد السلع التجارية التي يحتاجها الناس، فكانوا يستوردون السكَّر والبن والهيل والقرنفل والفلفل والكركم وكل البضائع التي يطلبها السكان. وكانت البضائع الخارجية تأتي إلى القطيف أو البحرين أو العقير أو عن طريق بنادر الحجاز واليمن ثم تنقل بوساطة القوافل التجارية إلى المناطق الداخلية من بلاد الدولة السعودية الثانية.


    العلاقات الخارجية للدولة السعودية الثانية

    علاقتها مع بريطانيا. ظلت علاقة الدولة السعودية الثانية بالقوى المحلية السياسية المجاورة لها، خاصة في مناطق الخليج، تتشابه إلى حد كبير مع علاقة الدولة السعودية الأولى بتلك القوى، إلا أن علاقة الدولة السعودية الثانية كانت أكثر وضوحًا مع الدول الكبرى، خاصة بريطانيا. فقد زار اللفتنانت كولونيل لويس بيلي البريطاني الرياض عاصمة الدولة السعودية الثانية في ربيع عام 1282هـ، 1865م. ومعروف جدًا أن رحلة بيلي الموظف البريطاني الرسمي في الخليج كانت تهدف في المقام الأول إلى خدمة بريطانيا وخدمة أغراضها ومصالحها في منطقة الخليج، حيث إن بريطانيا كانت تأتي في صدارة الدول الاستعمارية في هذه المنطقة. وظلت بريطانيا تتخوف كثيرًا من نمو القوة الفرنسية في الخليج ومناطق الشرق الأخرى.

    شعرت بريطانيا أنها تجاور دولة وطنية محلية قوية، هي الدولة السعودية الثانية، خاصة في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية التي استمرَّت قرابة اثنين وعشرين عامًا. ولذا رأت بريطانيا عن طريق معتمدها البريطاني في الخليج ضرورة إيجاد نوع من العلاقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية التي تمتد حدودها إلى الخليج، ولها يد طولى وقوية على شيوخ المناطق الخليجية. وكان لا بد من ظهور بعض المشكلات السياسية بين الموظفين السعوديين الرسميين في مناطق الخليج وبين بريطانيا صاحبة النفوذ الواسع في تلك المنطقة. وكانت بريطانيا ترى أن تلك المشكلات لا يمكن حلها إلا عن طريق الاتصال المباشر بالإمام فيصل بن تركي الحاكم القوي والمؤثر الفاعل على رؤساء الساحل وشيوخه.

    وثمة نقطة جديرة بالاهتمام وهي أن بريطانيا كانت تحاول كسب ود الدولة السعودية الثانية وقتذاك لتعمل قدر جهدها على إبعاد فرنسا عن الميدان بعد أن أحسَّت بالتحركات السياسية الفرنسية في المنطقة، خاصة عندما عرفت بالزيارة التي قام بها جيفورد وليم بيلجريف إلى داخل الجزيرة العربية عام 1280هـ، 1863م، أي قبل وفاة الإمام فيصل بن تركي بحوالي سنتين فقط، وقد تبين أن رحلته هذه كانت من إعداد الحكومة الفرنسية.

    وبناءً عليه فإن رحلة لويس بيلي هذه كانت بمثابة فتح الباب بالنسبة للعلاقة السعودية البريطانية، فكانت بريطانيا تسعى للتعرف على نوايا الدولة السعودية الثانية تجاه عدد من القضايا من أهمها: 1ـ إيجاد علاقة صداقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية. 2ـ معرفة الحدود الشرقية للدولة السعودية الثانية. 3ـ معرفة القبائل الخليجية التي تعدّها الدولة السعودية الثانية من رعاياها. 4ـ معرفة الوحدات السياسية والقبائل الساحلية التي تدفع الزكاة للدولة السعودية الثانية.

    وجدير بالذكر أن بيلي أدرج في تقريره الذي قدمه إلى حكومته قائمة بأسماء القبائل التي كانت تتبع الدولة السعودية الثانية، والقبائل الأخرى التي كانت تدفع الزكاة لها في منطقة الخليج. وقد ودّع بيلي المسؤولين في الرياض قائلاً: "إني لأرجو أن أغادر الرياض وأنا على مودة واتفاق مع الحكومة السعودية، وأن يكون هناك ما يبشر بإيجاد علاقة أكثر ودًا بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية. وإني لأرجو أن تسمح لي الفرصة للقيام بخدمة ودية وغير رسمية من أجل تسوية العلاقات بين الرياض ومسقط".

    ويذكر بيلي في تقريره أنه لم تجر أي مفاوضات بينه وبين الإمام فيصل بن تركي بشأن عقد أي معاهدة أو التوصل إلى تفاهم ما حول ذلك، وأن الإمام فيصل بن تركي أعرب له عند الوداع عن رغبته في أن يرجع بيلي إليه في حال وقوع حوادث سلب أو تحطيم أو إغراق للسفن البريطانية في ميناءي القطيف والعقير حتى يُنزل أشد العقوبات بالمعتدين. ويذكر بيلي أيضًا أن الإمام فيصل بن تركي كان قد ذكر له أن زيارته للرياض ستفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولة السعودية الثانية وبريطانيا.


    علاقة الدولة مع فرنسا. كانت علاقة الدولة السعودية الثانية مع فرنسا أضعف من العلاقة بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية. والواقع أن نابليون الثالث إمبراطور فرنسا كان مهتمًا كثيرًا بمعرفة أخبار جزيرة العرب، بالإضافة إلى حاجته لشراء خيول من أصول عربية لجنوده الخيالة، وقد عثر نابليون الثالث على جيفورد وليم بيلجريف الرحالة الإنجليزي المشهور الذي عمل في بداية حياته ضابطًا بالجيش الإنجليزي في الهند، وكان يتقن العربية، عثر عليه وهو يخطط للقيام برحلة إلى الجزيرة العربية ليطلع على حقيقة أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد رأى نابليون الثالث بثاقب بصره أن يفيد من هذا الرحالة الإنجليزي، ويحوِّل نتائج رحلته ودراسته لحساب السياسة الفرنسية. كما جاء قبل بيلجريف بخمسين سنة، باديا إي لبلخ الذي أطلق على نفسه اسم علي بك، وهو أسباني الأصل، زار الجزيرة العربية وكان يعمل في السر جاسوسًا للإمبراطور نابليون الأول عم الإمبراطور نابليون الثالث.

    ومن هذا فإن فرنسا كانت ترغب في قيام علاقات ودية مع الدولة السعودية الثانية أقوى الدول المحلية الوطنية في الجزيرة العربية في ذلك الوقت. وكانت فرنسا قد أعدت مخططًا سياسيًا واسعًا لمد نفوذها في مناطق الشرق من أجل ضرب النفوذ الاستعماري البريطاني في المنطقة. ولذا فقد تركزت السياسة الفرنسية على مبدأ استراتيجية الوصول إلى الهند في الشرق عن طريق ضمان البحار الداخلية والسواحل والمنافذ في الجزيرة العربية. وهذا الأمر يوضح سر التنافس والعلاقة السيئة القائمة بين بريطانيا وفرنسا. والواقع أن بيلجريف لم يحقق لفرنسا أي نوع من الاتصالات أو الاتفاقات بينها وبين الدولة السعودية الثانية، بل على العكس تمامًا فقد اكتشف المسؤولون السعوديون في الدولة السعودية الثانية أن بيلجريف جاسوس وعميل لدولة أجنبية، فطردوه من البلاد. وبناءً عليه فإن الاتصال البريطاني الرسمي بالدولة السعودية الثانية ظل يختلف عن الأسلوب الذي اتخذته فرنسا للاتصال بالدولة السعودية الثانية، ولم يكن هذا الأسلوب موفقًا أبدًا.

    ويشير تقرير بيلي إلى أنه استفسر من الإمام فيصل بن تركي عن علاقة الدولة السعودية الثانية بدولة فرنسا. وكان جواب الإمام "أنه من قبل بضع سنين تسلم رسالة من سفينة فرنسية تتعهد فرنسا في تلك الرسالة بتقديم المساعدة له عند الحاجة عن طريق البحر". ويقول الإمام السعودي "إنني تلقيت رسالة أخرى مماثلة تطلب مني إرسال الرد إلى القنصل الفرنسي في دمشق. وكان ردي على الرسالتين بالشكر والامتنان، وعبرت في ردي على الحكومة الفرنسية بأنني لا أحتاج في الوقت الحاضر إلى أي مساعدة".

    وهكذا انتهت الدولة السعودية الثانية، وانتهى معها الدور السعودي الثاني الذي اتصف في مطلعه بعهد من الفوضى والاضطراب اللذين سادا الجو السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلاد نجد وأثر ذلك إلى حد كبير على البلاد المحيطة بنجد. وصادف الدور الثاني من أدوار التاريخ السعودي بروز حركة محمد علي باشا الاستقلالية مما أثر على سير الحوادث في نجد خاصة وبلاد الجزيرة العربية عامة. فقد ساهم هذا الحدث التاريخي في تأخير تكوين الدولة السعودية الثانية المستقرة. وبعد زوال نفوذ محمد علي باشا من الجزيرة العربية على أثر تطبيق معاهدة لندن عام 1256هـ، 1840م، تهيأت الأسباب الحقيقية لتثبيت جذور الحكم السعودي، وبناء الدولة السعودية الثانية في جو من السلام والأمن والاستقرار النسبي، وقد صادف ذلك عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية. ولم يدم هذا الاستقرار والأمن والسلام طول فترة هذا الدور بل اعترت الدولة السعودية الثانية حالة من الفوضى والاضطراب التي عادت إلى البلاد بسبب الفتنة الأهلية التي نشبت بين الإمام عبد الله بن فيصل وأخيه الأمير سعود بن فيصل، مما أدّى إلى تقويض دعائم الحكم السعودي، وبالتالي سقوط الدولة السعودية الثانية ليحل مكانها حكم آل رشيد في نجد. وعلى الرغم من سقوط الدولة السعودية الثانية لأسباب داخلية عصفت بها، إلا أنها في الوقت نفسه تركت في البلاد النجدية مقومات قيام الدولة السعودية الحديثة التي هي وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، وهو أمر سيرد ذكره في قيام الدولة السعودية الثالثة.

  7. #27
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240

    الدولة السعودية الثالثة

    بدأت في الخامس من شوال 1319هـ، 15 يناير 1902م، وبدأ مؤسسها الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى والثانية. لقدكانت نهاية الدولة السعودية الثانية مفجعة حقًا لأنها تآكلت تدريجيًا من داخلها. فكانت قبل هذا التآكل هرماً شامخًا في كيانها السياسي في الجزيرة العربية في عهد واحد من أعظم أئمتها وأقواهم الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية، إلا أن هذا الهرم الكبير أخذ في التآكل والتصدع نتيجة لعدة عوامل داخلية، تأتي الفتنة المحلية التي أعقبت عهد هذا الإمام في مقدمتها. وكانت النتيجة الحتمية سقوط تلك الدولة بعد أن تفسخت مناطقها، فاجتاح العثمانيون منطقة الأحساء، واجتاح آل رشيد كل البلاد النجدية، فأنهى آل رشيد حكم آل سعود في كل نجد، مع أن إمارة آل رشيد قد نشأت وتأسست بأمر من الإمام فيصل بن تركي ودعمه ومساعدته لصديقه الحميم عبدالله بن رشيد حين عينه أميراً على جبل شمر. ومنذ ذلك العهد والإمارة الرشيدية قائمة، تلك الإمارة التي قوضت دعائم الحكم السعوديّ في نجد ثُمَّ أسقطته في عهد الإمام عبدالرحمن بن فيصل آخر أئمة الدولة السعودية الثانية.


    آل سعود في الكويت
    رحل الإمام عبدالرحمن بن فيصل مع أسرته عن نجد واستقر به المطاف ليعيش في الكويت في عهد أميرها الشيخ محمد آل صباح الذي أوعزت إليه الدولة العثمانية بأن يمنح آل سعود حق الإقامة في الكويت. وهنا يتضح موقف الدولة العثمانية من آل سعود بعد سقوط دولتهم الثانية، فهي ترى تحديد إقامتهم وتحركاتهم خوفاً من إثارة القلاقل والدسائس ضد أصدقائها آل رشيد، حتى أن الدولة العثمانية خصصت للإمام عبدالرحمن بن فيصل وأسرته راتبًا شهرياً قدره ستون ليرة عثمانية، قليلاً ما كانت تدفع له بشكل منتظم.


    تحركات سياسية. أفاد آل سعود كثيراً من إقامتهم في الكويت وقتذاك، ومنها بدأت تحركاتهم السياسية وغير السياسية لاستعادة أمجاد حكمهم الذي فقدوه. وأكدت الدولة العثمانية لآل صباح أن آل سعود قوة لايستهان بها في حال بروز أطماع محمد بن رشيد، أو محاولته الاستقلال عن الدولة العلية، أو الاتصال بالقوى السياسية الأجنبية ذات السيادة في الخليج.

    وتجدر الإشارة هنا إلى أن أواصر العلاقة الطيبة كانت قد توطدت بين آل سعود والشيخ مبارك الصباح، خاصة علاقة هذا الشيخ بالفتى السعودي عبدالعزيز آل سعود، فقيل إن الشيخ مبارك الصباح طوق الأمير السعودي الفتى بذراعيه. وحاول أن يستغل قدرات آل سعود وأمجادهم التاريخية في ضرب عدوه وخصمه ابن رشيد، خاصة بعد أن تخلص مبارك من أخويه محمد الصباح وجراح الصباح، فقد توتَّرت العلاقة بين مبارك الصباح وعبدالعزيز ابن متعب بن رشيد، خاصة وأن مبارك يساعد آل سعود الذين يقيمون في بلاده. ومعروف أن تصادماً حدث بين جماعات آل رشيد وجماعات آل صباح حتى إن غارات ابن رشيد وصلت إلى حدود العراق وتصدى لها الشيخ سعدون باشا أبو عجيمي رئيس قبائل المنتفق الذي كان يؤيد موقف الشيخ مبارك ضد آل رشيد.


    ولاء المجتمع النجدي لآل سعود. فقد آل سعود سلطتهم في نجد وغيرها من مناطق الجزيرة العربية في أعقاب سقوط الدولة السعودية الثانية إلاّ أنّ مقومات قيام الدولة السعودية الثالثة ظلت موجودة، لكنها خامدة تحتاج إلى من يحركها. فظل الولاء في نجد يزداد بشكل تدريجي لآل سعود وهم في الغربة والمنفى، خاصة كلما شعروا بسوء إدارة آل رشيد وشدتهم في التعامل مع المجتمع النجدي. وظل عدد كبير من أهالي نجد يرون بأن الحكم السعودي حكم نجدي محلي في المقام الأول، وأن آل سعود هم رمز للاستقلال الوطني ولابد من دعمهم ومؤازرتهم، خاصة عندما تأكدوا من تبعية آل رشيد للدولة العثمانية وولائهم لها، وهي الدولة التي قادت ضد نجد حملات عسكرية كثيرة أساءت كثيراً إلى علاقة تلك الدولة بسكان نجد وغيرها من أقاليم الجزيرة العربية الأخرى.



    موحِّد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز آل سعود غفر الله له، عام 1910م.
    شخصية الملك عبدالعزيز ومؤهلاته القيادية. صحب عبدالعزيز والده الإمام عبدالرحمن الفيصل في خروجه من نجد وإقامته فترة في الصحراء ثم استقراره في الكويت، فأورثته خشونة العيش تقشفًا وجلدًا وصبرًا على المكاره، ظهر ذلك واضحًا أثناء جهاده وحروبه وفي تعامله مع الناس والأحداث، كما استفاد من إقامته في الكويت ما يزيد عن عشر سنين في مستهل شبابه اطلاعًا واسعًا على أساليب السياسة الدولية وأهدافها، حيث كانت الكويت محط السياسة والدبلوماسية العالمية، والتنافس الدولي كان على أشده في تلك الحقبة في الخليج، فألمانيا تريد أن تكون الكويت آخر محطة في سكة حديد برلين ـ بغداد، وروسيا القيصرية تزاحم ألمانيا في هذا المجال وتحاول الوصول إلى المياه الدافئة، وبريطانيا صاحبة اليد الطولى في منطقة الخليج، وفرنسا تنافس بريطانيا وغيرها في المجالات الاستعمارية وخاصة الملاحة والتجارة والبحث عن المواد الخام والأسواق لبيع منتجاتها، والدولة العثمانية تنهج سياسة تقوية قبضتها على البلاد العربية وتحاول جادة تثبيت سلطاتها في مناطق الخليج.

    وعندما بدأ عبدالعزيز جهاده لاستعادة ملك آبائه وأجداده وإقامة دولة إسلامية توحد معظم مناطق الجزيرة العربية، وتؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا وتطبق أحكام الإسلام في شؤونها كافة ـ عندما بدأ كانت لديه من الصفات الشخصية والخلقية والمؤهلات القيادية ما لا يتسع المجال للحديث عنه بإيجاز فضلاً عن ذكرها بالتفصيل ولكن نكتفي بالإشارة إلى أبرز هذه الصفات والمؤهلات:

    تمسكه بدينه. وذلك بإيمانه بربه، وصفاء عقيدته، وأدائه لجميع الشعائر الدينية، وتطبيقه لأحكامه وخوفه ورجائه من الله.

    سخاؤه وكرمه. الحديث عن كرم عبدالعزيز وسخائه مهما أفيض فيه فهو أقل كثيرًا مما هو معروف عن جوده وكرمه، والأمثلة على ذلك كثيرة، ونكتفي بذكر الموقف التالي: عندما دخل عنيزة ـ في منطقة القصيم ـ في محرم عام 1322هـ، مارس 1904م كان مدعوًّا في منزل أحد وجهاء عنيزة (عبدالرحمن بن محمد آل حماد العبدلي) وكان المجلس يضم مجموعة من خاصة رجاله ونخبة من أعيان البلاد، ودار الحديث حول ما منّ الله به على البلاد من ظهور عبدالعزيز وتوحيد معظم بلاد نجد تحت قيادته، وسأله أحدهم: عمّا إذا كانت له في تلك اللحظة أمنية شخصية، وتوقع الحاضرون منه ـ وهو في هذا السن ويعيش نشوة النصر ـ أن يتمنى الزواج من فتاة جميلة، فكان ردّه أنه يتمنى أن لديه مبلغًا من المال، لا ليدخره وإنما ليوزعه على (خوياه) ورجاله ورفاقه، فما كان من العبدلي إلا أن أقرضه المال الذي تمناه، فقام عبدالعزيز بتفريقه على أصحابه ولم يبق لنفسه أو لأسرته شيئًا.

    ويتضح من هذا النموذج من جود الملك عبدالعزيز وكرمه أنه إذا كانت هذه حاله وهو معسر فمن المتوقع أن يبلغ سخاؤه منتهى مراتب الجود والكرم إذا كان موسرًا وهو ما حدث فعلاً.

    شجاعته وفروسيته. شجاعة الملك عبدالعزيز شجاعة المتزن المفكر لا شجاعة المتهور، شجاعة القائد العسكري الموهوب الذي يستطيع أن يملك مواهبه ويسيطر عليها، فلا يفقد أعصابه ويغامر مغامرة انتحارية يدفع فيها حياته وحياة رجاله رخيصة بلا ثمن ولا يتخلى عن خوض المعركة ـ إذا كان عدوّه يفوقه عددًا أو عدة ـ فيبدو خائر الأعصاب من الرجال، يائسًا من النصر وإنما يقوم واثقًا بربه، مدافعًا عن عقيدته، ساعيًا إلى تحقيق أهدافه، فلم تقف شجاعته النفسية والبدنية عند مغامرته البطولية في فتح الرياض، وما كان ليقوم بذلك وبجهاده في توحيد المملكة لو لم يكن محاربًا من الدرجة الأولى.

    وهناك قصص كثيرة عن شجاعته المتزنة التي تبرز عند الحاجة مثلما حدث في معركة (الدلم) 1320هـ، 1902م ومعركة (كنزان) 1333هـ، 1915م، وقد خاض أكثر من مائة معركة، ولما توفي وجدوا في جسده ثلاثًا وأربعين ندبة وأثر جرح.

    دهاؤه وذكاؤه وحنكته. الحديث في هذا الموضوع يطول، فمن ذلك مواقفه في المؤتمرات التي تعقد بينه وبين ممثلي الدول الأخرى وعلى سبيل المثال تصرفه في مؤتمر الصبيحية، والعبقرية التي عالج بها الموقف، ومما يدل على حنكته وبعد نظره إدراكه منذ البداية أنه لا يخطط لمعركة واحدة تنتهي بنهايتها سيرته سلبًا أو إيجابًا، بل كان يخطط لحكم واسع مستمر، ولذا كان يتفادى الحرب ـ ما أمكن ـ ويفضل أن يكسب الآخرين بدونها بدلاً من أن يحاربهم لينتصر عليهم، ولم تكن هذه السياسة ناتجة عن رغبته في حقن دماء من ناصروه فقط، بل رغبته ـ أيضًا ـ في الإبقاء على أرواح من كانوا ـ لظروف خاصة ـ مع خصومه، لإدراكه أنه سيكسب هؤلاء ـ كما كسب أنصاره الأوائل ـ عاجلاً أو آجلاً، وأن كلاً من هؤلاء وأولئك سيصبحون شعبه المرتقب، إضافة إلى اصطناعه الرجال الذين لم يكونوا في يوم من الأيام على وفاق معه.

    رصيده من الخبرة والمجد. سبقت الإشارة إلى خروج الملك عبدالعزيز من نجد مع والده وهو في سن مبكرة وإقامته معه في الصحراء، ثم استقرار الأسرة في الكويت فأورثته حياة الصحراء الصبر والجد وتحمل المكاره، وقد ترجم هذه العوامل إلى كياسة في تعامله مع الناس، ودهاء وحكمة في مواجهة المواقف والأحداث، وأثناء استقراره في الكويت التي كانت مسرحًا للتنافس الدولي مما جعلها مدرسة من مدارس السياسة العالمية، درس فيها عبدالعزيز الأساليب الدبلوماسية وأفاد منها كما أفاد من دهاء الشيخ مبارك الصباح ودرايته في مجال السياسة في الخليج وفي العالم.

    كما استطاع بخبرته أن يعيد صياغة الواقع الذي تعامل معه دون إهدار لأصوله ومكوناته، وأن يطور عناصره القادرة على العطاء والاستجابة لتواكب طموحاته، وتلبي متطلبات الحياة الجديدة.

    أما رصيده من المجد والفخار فإنه عندما بدأ خطواته الأولى لتوحيد هذه البلاد كان نصب عينيه حكم ضربت جذوره في أعماق التاريخ، وإرث من المجد تمثل فيما حققه أسلافه من آل سعود من وحدة لهذه البلاد في ظل دولة تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا للحكم، وتنشر العقيدة الإسلامية الصافية وتدافع عنها، لكن هذا الإنجاز ضاع في خضم التنافس والضعف والتفريط.

    لذا كان من أهم أهدافه الأساسية استعادة هذه الأمجاد والمحافظة عليها، ومن ثم فقد أفنى ـ رحمه الله ـ زهرة شبابه ـ وسني كهولته وأعوام رجولته في الكفاح حتى استطاع أن يعيد هذه الأمجاد ويعمقها ويضيف إليها، فبنى دولة موحدة قوية على أسس من العقيدة والشريعة توافرت لها كل مقومات الدولة العصرية، وتحقق لها من الرخاء والأمن والاستقرار ما أصبح مضرب الأمثال في العالم.

    رحم الله الملك عبدالعزيز وغفر له، فقد كان نموذجًا فريدًا في شخصيته وفكره وعبقريته السياسية والعسكرية ونمطًا متميزًا في القيادة والحكم والإدارة.

  8. #28
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    موقعة الصريف. لم يقف الأمير عبدالعزيز بن متعب آل رشيد موقفاً ضعيفا تجاه مناورات الشيخ مبارك الصباح، بل ظل يعد شيوخ الكويت قوة محلية معادية له، حتى إن العثمانيين أنفسهم ظلوا يتشككون في ولاء آل الصباح تجاههم، وشعروا أنهم أقرب إلى بريطانيا منهم، خاصة وأن بريطانيا تمثل القوة الأكثر تأثيراً من غيرها في منطقة الخليج. وكان الشيخ مبارك الصباح يقدر هذا الأمر، ويفهمه حق الفهم، فاعتبر الحماية البريطانية لمشيخته هي خير وسيلة للمحافظة على حكمه وحمايته من تدخل القوى المحلية المجاورة لإمارته، التي لها أطماع فيها. وهو في الوقت نفسه يقدر ضعف التأثير العثماني وقتذاك على السياسة الدولية.

    كثرت تجاوزات ابن رشيد ضد الكويت التي ترعى شؤون آل سعود وتدعمهم ضده، إلى حد أنه طمع في احتلال الكويت وإنهاء حكم آل الصباح فيها. وكان عبدالعزيز آل رشيد شخصية قيادية، ويعتز بقوته ونفوذه، وهو أمر من بين الأمور التي أدت بالشيخ مبارك الصباح إلى طلب الحماية البريطانية، فوافقت بريطانيا على ذلك ووقعت معه معاهدة الحماية في رمضان 1316هـ، الموافق 23 يناير 1899م.

    ازدادت الأوضاع سوءًا بين الشيخ مبارك وآل سعود وبين ابن رشيد. فسار الشيخ مبارك الصباح ومعه الإمام عبدالرحمن بن فيصل وابنه الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لمحاربة ابن رشيد في نجد في عقر داره، وقد أيد الإمام عبدالرحمن مثل هذه التدخلات في شؤون نجد علها تكون فرصة مواتية لإعادة ملك آل سعود هناك، خاصة وأنه ظهرت في بلدان نجد قوة نجدية تعمل بكل طاقاتها وقدراتها على زعزعة نفوذ آل رشيد في نجد، هذه الفئة المتوارية والمؤيدة لآل سعود هي التي كانت ترسل الأخبار عن أوضاع نجد أولاً بأول إلى الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الكويت، وهذه الفئة نفسها كانت قد أدت دورها السري، وكان لها دور غير منظور في عملية استرداد الرياض عام 1319هـ، 1902م.
    حقق آل الصباح وآل سعود نجاحات محدودة في حملتهم المشتركة ضد ابن رشيد، فقطعوا بجيشهم الدهناء وتقدموا في الأراضي النجدية ودخلوا بعض القرى والبلدان دون قتال؛ لأن الناس فيها كانوا قد عرفوا الصلة الكبيرة بين آل صباح وآل سعود، وما هذه التحركات إلا محاولة من محاولات إضعاف نفوذ آل رشيد، وبالتالي محاولة من محاولات عودة السلطة والسيادة السعودية على نجد. أما عبدالعزيز بن رشيد فظل يظهر غير مايبطن، فتظاهر بالتقهقر مستدرجاً القوات الكويتية، وأخيراً باغتها بهجوم قوي تمكن فيه من إلحاق هزيمة كبيرة بالشيخ مبارك الصباح في موضع يعرف بالصريف قرب بريدة إلى الشمال منها عام 1318هـ، المو افق 1901م. وتُعد هذه الهزيمة ومالحق بها من خسائر كبيرة بالنسبة للجانب الكويتي، من بين الأسباب التي جعلت الشيخ مبارك الصباح يعدل عن التفكير في الهجوم على نجد مرة أخرى، إذ تسربت الأخبار من الكويت عن نية الشيخ مبارك الصباح في الانتقام من ابن رشيد مهما كلفه الثمن، لكنَّ الشيخ مباركًا عدل عن تحدياته هذه بسبب كبر حجم الخسائر التي منيت بها قواته في وقعة الصريف، وبسبب الضغط الذي مارسته بريطانيا على صديقها الشيخ مبارك في وقف تحرشاته ضد آل رشيد، وفي تفاهمها مع الدولة العثمانية حول كبح جماح صديقها وتابعها ابن رشيد وتعدياته على الكويت ومناطق المنتفق.

    عللت المصادر التاريخية سبب انهزام قوات آل صباح في الصريف بالعوامل التالية:

    1ـ زهو الشيخ مبارك وغروره بنفسه وقوته. 2ـ لم يقدر الشيخ مبارك حجم قوة عدوه ابن رشيد. 3ـ كانت معظم قوات الكويت من المحاربين غير المدربين. 4ـ لم يكن جيش آل الصباح كله مجنداً في الوقعة، بل كان جزء منه قد توجه صوب الرياض، وتركز الجزء الأكبر منه باتجاه القصيم بقيادة مبارك الصباح.

    وتشير المصادر التاريخية إلى أن الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كان قد استأذن من الشيخ مبارك ووالده عبدالرحمن بالتوجه صوب الرياض ومحاولة الاستيلاء عليها، فأذن له الشيخ مبارك ووالده عبدالرحمن، فتوجه إلى الرياض مع بعض القوات، واتجه بها إلى الرياض فدخلها بغتة، فلجأت حاميتها إلى الحصن وتحرزت به. فحاصرها عبدالعزيز قرابة أربعة أشهر، وقرر إرغامها على التسليم بهدم جانب من الحصن، ولكن هزيمة الشيخ مبارك ومن معه في الصريف جعلت عبدالعزيز ينسحب ويخلي الرياض ويعود إلى الكويت، وقد أفادته هذه المحاولة خبرة جديدة، وزادت معرفته بالرياض وأهلها، وعرف مدى استجابتهم لعودة حكم آل سعود، وكرههم لسيطرتهم آل رشيد فأحيت في نفسه الآمال وقوت رجاءه بربه في إمكان استعادة ملك آل سعود.


    تأسيس الدولة السعودية الثالثة

    محاولة استرداد الرياض. خرج الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على رأس حملة صغيرة من ستين رجلاً من أقاربه والمؤيدين لمشروعه الكبير الرامي إلى إعادة ملك آل سعود ليس في نجد فقط، وإنما في كل البلاد التي كانت قبل ذلك تشكل جزءًا من أجزاء الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.

    اتجه الأمير عبدالعزيز آل سعود ومن معه صوب الرياض. وأقام الأمير وقوته الصغيرة فترة قصيرة في يبرين وهي واحة على أطراف الربع الخالي في رجب عام 1319هـ، الموافق أكتوبر 1901م. وكان الأمير عبدالعزيز آل سعود قد وضع خطة عسكرية لدخول الرياض واستردادها من قوات ابن رشيد، فقد وضع نصب عينه ألا يلتقي مواجهة مع قوات ابن رشيد التي تفوق قواته عدداً وعتاداً وتدريباً. وقرر أن يكون تزود قواته من البلدان والقرى التي يمر بها أو يصل بالقرب منها، لأن قواته قليلة العدد من جهة، وليس لديها وسائل نقل من الإبل كافية لحمل الزاد الكثير والمعدات والعتاد، ولو فعل ذلك لربما انكشف أمره لابن رشيد. واعتمدت خطة عبدالعزيز على أسلوب المباغتة في الحرب وعلى عنصر السرعة في الأداء بالإضافة إلى التحرك في الليل والنوم والاختفاء وقت النهار حتى لاينكشف أمره فتضيع الفرصة الذهبية منه.

    خطة الهجوم. لما وصل عبدالعزيز قرب الرياض وضع خطة للهجوم، فقسم قواته إلى ثلاثة أقسام: قوة احتياطية من عشرين رجلاً تكون على مسافة قريبة من مركز الرياض أو الحصن أو القلعة التي تقيم فيها حامية ابن رشيد بقيادة عجلان عامل الأمير عبدالعزيز بن متعب آل رشيد. وجماعة أخرى من قواته تكون تحت قيادة أخيه محمد بن عبدالرحمن آل سعود وقد اختفت في إحدى مزارع النخيل القريبة من الحصن، وهي نخيل الشمسية. وأما الجماعة الثالثة فتكون تحت قيادة الأمير عبدالعزيز آل سعود نفسه، وهي رأس الحربة بالنسبة للقوات السعودية. واستطاعت هذه القوة الصغيرة أن تتسلق السور في الظلام. وأن تنصب كميناً على مقربة من باب الحصن منتظرين عجلان الذي صادف أنه كان قد نام في الحصن بالمصمك عند الحامية. وفي الصباح خرج عجلان من الحصن وفوجئ بهجوم مباغت من عبدالعزيز آل سعود، وحاول الهرب داخل قصر المصمك فرماه الأمير عبدالله بن جلوي آل سعود بضربة قاتلة؛ واستسلمت الحامية بعد مقتل أميرها عجلان، ونادى المنادي بأن الملك للّه ثم لعبدالعزيز آل سعود. وبايع أهل الرياض الأمير عبدالعزيز آل سعود بالحكم، وقد تم ذلك في يوم 5 شوال عام 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م.

    ويعدّ نجاح هذه المحاولة بداية حقيقية لتأسيس الدولة السعودية الثالثة (الحديثة)، ومنها تبدأ عملية توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعه للدولة السعودية الأولى والثانية. لقد كانت هذه المحاولة محاولة جادة وصعبة جداً، وهي مغامرة يحسب لها كل حساب لأن نجاحها غير مضمون ولامتوقع. ولذا وصفها الكاتب كنث وليمز بأنها طريقة تدل على براعة فائقة وحذق مدهش. ويصفها فؤاد حمزة بأنها من أروع قصص البطولة وأعظمها شأنًا وأجلها قدراً. ويصفها حافظ وهبة بأنها قصة تشبه قصص أبطال اليونان، وترينا عظم الأخطار التي أحاطت بابن سعود.

  9. #29
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    توحيد البلاد النجدية
    بدأ عبدالعزيز آل سعود يوجه اهتمامه إلى مناطق جنوب الرياض، خاصة وأن هذه المناطق كانت تكن ولاءً لآل سعود، وهي تلك المناطق التي ظلت تشكل ملاذًا آمنًا لآل سعود وآل الشيخ يوم أن كانت تداهمهم الحملات العثمانية المصرية الموجهة ضدهم. وهم أيضًا الذين قاتلوا إسماعيل بيك وخالد بن سعود بالفؤوس عندما قررا تأديبهم والانتقام منهم لأنهم يؤوون آل سعود وآل الشيخ وأتباعهم.

    قرر الأمير عبدالعزيز آل سعود تأمين خطوطه الدفاعية لينطلق بعد ذلك للهجوم على عدوه ابن رشيد. فأراد توحيد مناطق الجنوب مع المركز الرياض ليضمن قيام جبهة قوية تدعم موقفه وتقويه ضد آل رشيد الذين مازالوا يسيطرون على معظم مناطق نجد. وقد التقى عبدالعزيز آل سعود بقوات عبدالعزيز بن متعب آل رشيد في بلدة الدلم قرب بلدة الخرج، وكان النصر فيها حليف عبدالعزيز آل سعود وقواته، وسهل هذا النصر الطريق أمام عودة جميع البلدان والقرى الواقعة إلى الجنوب من الرياض إلى الدولة السعودية الثالثة، وبالفعل فقد دانت له تلك المناطق بولائها وتأييدها لمشروعه التوحيدي الذي سيقضي على الفوضى والاضطراب الذي ساد البلاد أثناء غياب الدولة السعودية. وهكذا توسعت رقعة الدولة السعودية الثالثة، وازداد عدد أتباعها، وازدادت مع هذا كله اقتصاديات الدولة الناشئة، فقوي بذلك كيانها وسيادتها.

    وجه عبدالعزيز آل سعود جهوده التوحيدية صوب مناطق شمالي الرياض كي يدعم كيان دولته، ويبعد قوة ابن رشيد وتأثيره عن المناطق التي وحدها إلى الدولة السعودية الثالثة. فدخل بلدة شقراء أكبر بلدان الوشم ثم ثرمداء ويكون بذلك قد وحد إقليم الوشم مع مناطق دولته بعد مناوشات مع قوات ابن رشيد لم تصل إلى حد المعارك والوقعات الفاصلة أو الحاسمة، وهو ماسنراه في المعارك التي دارت رحاها بين عبدالعزيز آل سعود وابن رشيد.



    حصون المنطقة الشمالية، ومنها حائل وشنانة التي فتحها الملك عبدالعزيز بعد أن ضم منطقة الحجاز.
    الملك عبدالعزيز يواصل جهاده. واستمر عبدالعزيز آل سعود في زحفه باتجاه منطقة سدير، واستطاع إعادة معظم بلدان المنطقة وقراها إلى الدولة السعودية، عدا المجمعة ـ قاعدة الإقليم ـ فقد امتنعت عليه بعض الوقت، حيث كانت مقر حاكم المنطقة من قبل آل رشيد ثم انضوت تحت لوائه. وهكذا نلحظ أن الدولة السعودية الثالثة أخذت تتوسع تدريجياً في المناطق النجدية الواقعة شمالي الرياض، أو في المناطق المعروفة بوسط نجد. وأصبحت الدولة السعودية الثالثة في حدودها الحالية تتاخم حدود منطقة القصيم التي كانت لم تزل تحت سيادة ابن رشيد. وبناءً عليه فإن عبدالعزيز آل سعود أخذ يضع الخطط العسكرية لضمِّ منطقة القصيم إلى دولته، كي يتمكن بذلك من توسيع حدود دولته من جهة، وتوفير المقومات الاقتصادية الضرورية للدولة من جهة أخرى، ومعروف أن القصيم منطقة زراعية ممتازة، وفيها مراكز تجارية مشهورة، وهي منطقة مهمة أيضا لأن قوافل التجارة والحجيج تمر بها، هكذا يكون عبدالعزيز آل سعود قد وحّد المناطق الواقعة شمال الرياض وجنوبها في مدة لاتتجاوز السنتين فقط من دخوله الرياض، عاصمة دولته، وهي مدة قصيرة فعلاً ولها مدلولاتها، وهي أن ولاء تلك المناطق لآل سعود يُعدّ ولاءً كاملاً ومتأصلاً، وبالمقابل فإن الكثير من أهالي تلك البلدان لم يكونوا راضين عن أسلوب حكم عبدالعزيز ابن متعب آل رشيد، فبدأوا يتطلعون إلى الخلاص من حكمه، فوجدوا في ظهور القوة السعودية بقيادة عبدالعزيز آل سعود فرصة مواتية لذلك.

    أراد عبدالعزيز آل سعود ضمَ بلدان القصيم إلى دولته. فقابل سرية لابن رشيد بقيادة حسين بن جراد في نفود السر قرب الفيضة، فانهزمت قوات ابن رشيد وقتل ابن جراد وكثير من أتباعه وكان ذلك عام 1321هـ، الموافق 1904م، وتعد هذه الوقعة على الرغم من صغرها، وقعة في صالح عبدالعزيز آل سعود لأنها مهدت الطريق أمامه لتوحيد بلدان منطقة القصيم وضمها إلى دولته الناشئة.

    عزم عبدالعزيز آل سعود عام 1321هـ، 1904م على إنهاء الوجود الرشيدي في منطقة القصيم، وقد أعد العدة لذلك بمساعدة الأسر التي كانت تحكم البلاد قبل استيلاء آل رشيد عليها. فتوجه بقواته صوب عنيزة ودخل القصر المعروف بقصر الحميدية، وهو يبعد عن عنيزة مسافة أربع ساعات مشياً على الأقدام أو ركوباً على الإبل. وبعد ذلك حاصر حامية ابن رشيد في عنيزة، وكانت تحت قيادة فهيد السبهان، ولما رفض فهيد السبهان الاستسلام هاجمت قوات عبدالعزيز آل سعود حاميته، وقتلته ودخلت قوات عبدالعزيز آل سعود عنيزة في 5 محرم عام 1322هـ، الموافق 13 مارس 1904م. ثم هاجم عبدالعزيز آل سعود حامية ابن رشيد في بريدة التي رفضت الاستسلام في مطلع الأمر، ولكنها اضطرت إليه في ربيع الأول عام 1322هـ، الموافق مارس 1904م.

    لم يقف عبدالعزيز آل رشيد موقف المتفرج على ما أحرزه عبدالعزيز آل سعود من انتصارات في القصيم. فجهز قواته مدعوماً بقوات عثمانية تركية وعتاد تركي ومعونات مالية تركية وقابل القوات السعودية في سهل البكيرية في بلدة البكيريّة من بلدان القصيم. ونشبت المعركة بين الطرفين في ليلة الأول من ربيع الآخر عام 1322هـ، (ليلة 15 يونيو عام 1904م). ولظروف فنية وتخطيطية ضاعت بعض القوات السعودية وأخطأت هدفها وخطتها العسكرية في الهجوم على القوات العثمانية التركية، ووجدت نفسها وراء خيام شمّر، ودارت بينهم وبين قوات ابن رشيد اشتباكات، مما أربك؛ موقف عبدالعزيز آل سعود الذي انسل من الوقعة مع بعض فرسانه بعد أن أصيب بشظايا قنبلة، فانهزمت القوات السعودية وقتل منها في تلك الوقعة حوالي 1,000 رجل، وقتل من الجند العثمانيّ النظامي حوالي 1,000 رجل، وقتل من الشمرّيين حوالي 300 رجل بينهم اثنان من آل رشيد حكام الجبل. ولكن عبدالعزيز آل سعود على الرغم من تشتت شمل قواته، وضياع فريق منها، تمكن من جمع قوات سعودية قدرت بعشرة آلاف مقاتل في غضون عشرة أيام فقط، وزحف صوب قوات ابن رشيد لقتالها، وكانت تلك القوات في بلدة الشنانة. فتقدم عبدالعزيز آل سعود بقواته إلى بلدة الرس، ومنها أخذ يهاجم قوات ابن رشيد على شكل متقطع لمعرفة مدى قوتها وتحصينها وإعدادها، وهو أسلوب من أساليب إضعاف العدو مادام هذا العدو في وضع المدافع، وقد طالت تلك المناوشات دون أن يلتقي الجيشان في وقعة مباشرة كبيرة.

    قرر ابن رشيد التراجع إلى المواقع الخلفية ففاجأته القوات السعودية بكل إمكاناتها، فانتصرت عليه في وقعة الشنانة في 18 رجب عام 1322هـ ، الموافق 29 سبتمبر 1904م. وتعد وقعة الشنانة من المعارك الحاسمة والفاصلة بين القوات السعودية والقوات الرشيدية، إذ تمكن عبدالعزيز آل سعود من تركيز سلطته في بلاد نجد، وأظهر للجميع أنه الحاكم الفعلي لنجد، خاصة بالنسبة للدولة العثمانية التركية التي فتحت باب المحادثات معه، والدولة البريطانية التي ظلت تراقب الحوادث في قلب الجزيرة العربية وهي في الوقت نفسه تعرف تاريخ الدولة السعودية ولها معها أكثر من اتصال حول مسائل كثيرة تهم المناطق الخليجية.

    وتعد وقعة الشنانة بداية النهاية للوجود العسكري العثماني التركي في نجد. كما تُعد بداية النهاية للإمارة الرشيدية في نجد، إذ بعد هذه الوقعة امتدت الدولة السعودية الثالثة لتشمل كل بلدان القصيم، وتراجعت قوات ابن رشيد باتجاه جبل شمّر، فتكون بذلك قد انحصرت في منطقة محدودة الاتساع والسكان والطاقات الاقتصادية.


    الدولة السعودية الثالثة تثبت أركانها. استغل ابن رشيد فرصة غياب عبدالعزيز آل سعود عن القصيم، وذهابه إلى قطر لنجدة شيخها قاسم بن ثاني ضد خصومه، فزحف بجيشه نحو بريدة يريد استرجاعها، فاستنجد أهلها بعبدالعزيز آل سعود، فجاء بسرعة وفاجأ قوات ابن رشيد في روضة مهنا بالقرب من بلدة بريدة في 18 صفر 1324هـ، الموافق 14 أبريل عام 1906م، وانتصر عليها، وقتل في هذه الواقعة عبدالعزيز بن متعب آل رشيد أمير إمارة آل رشيد، فخلفه في حكم الإمارة ابنه متعب بن عبدالعزيز آل رشيد الذي عقد صلحاً مع عبدالعزيز آل سعود تنازل بموجبه عن جميع بلاد القصيم وسائر مناطق نجد مقابل الاعتراف له بالإمارة على جبل شمّر ومركزه حائل. وبعد هذه الموقعة انسحب الجند العثماني تمامًا من بلاد نجد، وقد كفل عبدالعزيز آل سعود للجند العثماني انسحاباً مشرفاً، فأرسل إليه السلطان عبدالحميد الثاني رسالة شكر على معاملته الطيبة للجند العثماني في القصيم خلال انسحابه من البلاد.

    وهكذا يكون نفوذ آل رشيد قد انحسر تماماً، وتكون الدولة السعودية الثالثة قد امتدت حدودها لتشمل جميع منطقة القصيم التي توحدت مع باقي مناطق نجد، وانضمت إلى الدولة السعودية الحديثة. وأصبح وضع الإمارة الرشيديه وضعاً صعباً ومهلهلاً جداً، وأصبح بإمكان عبدالعزيز آل سعود القضاء على هذه الإمارة مستغلاً عوامل الضعف فيها، ومقومات القوة التي لازمت بناء الدولة السعودية الثالثة. وما المسألة الرشيدية إلا مسألة وقت فقط، خاصة بعد انتهاء الوجود الرسمي العثماني من نجد في أعقاب وقعة روضة مهنا.

  10. #30
    عضو مؤسس الصورة الرمزية abo rashid
    رقم العضوية
    1871
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    my home
    المشاركات
    24,240
    قلعة أعيرف إحدى القلاع الشهيرة في حائل.
    مواصلة مشروع توحيد نجد. نكث الأمير سلطان بن حمود آل رشيد بشروط الصلح التي وقع عليها متعب آل رشيد في أعقاب وقعة روضة مهنا. وكان سلطان بن حمود قد تولى إمارة آل رشيد في جبل شمر بعد مقتل الأمير متعب بن عبدالعزيز آل رشيد الذي قتله بعض أبناء عمومته، ولم يتقيد هذا بصلح متعب، وأبلغ أمير القصيم التابع لعبدالعزيز آل سعود بأن الصلح الذي وقعه الأمير متعب مع عبدالعزيز آل سعود أصبح لاغياً ومنقوضاً، ممًا أوجد فرصة كبيرة لعبدالعزيز آل سعود للانقضاض على ماتبقى من بلاد مازالت تابعة للإمارة الرشيدية. وساعدت الظروف العامة والخاصة عبدالعزيز آل سعود في تحقيق مشروعه الرامي إلى ضم كل البلاد النجدية إلى دولته. فدبت خلافات بين أسرة آل رشيد، وقامت حركة من حركات التمرد والاضطراب والقتل والاغتيالات بين زعماء هذه الأسرة. وعلى الرغم من أن عبدالعزيز آل سعود قد تعرض لعدد من المشكلات الداخلية التي ظهرت نتيجة لمشروعات التوحيد هذه في الفترة بين عامي 1325و1331هـ، 1907 و1912م، وبالإضافة إلى هذه المشكلات كانت هناك الظروف الاقتصادية والجوع الذي عم بلاد نجد عام 1327هـ، الموافق 1908م ـ فإن كل هذه الحوادث لم تمنع عبدالعزيز آل سعود من اتخاذ التدابير اللازمة لايقاف نشاط آل رشيد وتحرشاتهم بالقصيم مستغلين الظروف الداخلية فيه.

    اشتبك عبدالعزيز آل سعود مع قوات سلطان بن حمود وانصاره من أهل بريدة وبادية الدويش الذين هاجموا الجيش السعودي في الطرفية ليلة 5 من شعبان 1325هـ، المصادف 14 سبتمبر 1907م وانتصر ابن سعود في هذه المعركة انتصارًا ساحقًا، وانهزم سلطان بن حمود الرشيد وفرّ إلى حائل، فعاب عليه أهله انهزامه فجهز جيشًا زحف به من الجبل لملاقاة ابن سعود الذي زحف بجيشه لصده، فتوسط بينهما برغش بن طواله من رؤساء شمر فجددت المعاهدة السابقة التي خرقها سلطان، وما أن عاد إلى حائل حتى قتله أخوه سعود بن عبيد، فثارت الفتنة في حائل وقتل سعود بعد سنة وشهرين، فتولى آل سبهان الحكم فيها باسم سعود بن عبدالعزيز المتعب فلم يحترموا المعاهدة فأغاروا على إحدى القبائل التابعة لابن سعود، فهب لنجدتهم ودارت بينه وبين قوات آل رشيد معركة انتصر فيها ابن سعود انتصارًا مبينًا ـ كما يقول الريحاني ـ وكان تاريخ هذه الواقعة 5 ربيع الأول عام 1327هـ المصادف 29/3/1909م، وتسمّى وقعة الأشعلي.

    ازداد اتصال آل رشيد بالعثمانيين الأتراك من أجل دعم موقفهم ضد عبدالعزيز آل سعود، وأخذ العثمانيون الأتراك يمدون سعود بن رشيد بالسلاح والذخيرة، وكانت الدولة العثمانية التركية تعمل جاهدة لضرب النفوذ السعودي عن طريق آل رشيد لعدائها الشديد عبر الحقب التاريخية لآل سعود، ومحاربة للدعوة السلفية. وقرر آل رشيد خوض مجابهة جديدة مع عبدالعزيز آل سعود. والتقى الطرفان في موضع يعرف بماء جراب شرقي بلدة الزلفي وشمالي الأرطاويّة، وهي أول هجرة منظمة أنشئت لتوطين البدو في نجد، وكان ذلك في 7 ربيع الأول عام 1333هـ، الموافق 24 يناير عام 1915م. وكان للبدو في تلك الوقعة دور كبير في أحداثها ونهايتها. فانسحب العجمان وتركوا عبدالعزيز آل سعود، وفروا من الوقعة من أجل خذلانه والإمعان في انكساره. وهجم بدو شمر على خيام عبدالعزيز آل سعود وأمعنوا في نهبها. وهجم بدو مطير على خيام ابن رشيد ونهبوها أيضاً. وماكان على عبدالعزيز آل سعود وابن رشيد إلا أن يطاردا البدو ويمعنا قتلاً فيهم من أجل أن يستردا منهم مانهبوه من خيامهما، فاختل بذلك نظام الوقعة وانشغل الطرفان كل في أموره وترتيباته، وتفرقا دون أن يحرز أي منهما انتصاراً على الآخر، وفاز البدو بالغنائم والأسلاب من كلا الجانبين.

    تعد الفترة الواقعة بين موقعة جراب 1333هـ، 1915م ومقتل سعود بن عبدالعزيز المتعب آل رشيد، عام 1338هـ، 1919م بيد ابن عم أبيه عبدالله بن طلال، في المغواة وهما خارجان للنزهة ـ تعد هذه المدة فترة صلح وهدنة بين أمير حائل والسلطان عبدالعزيز آل سعود رغم محاولة الشريف حسين بن علي تحريض آل رشيد على نقض الصلح.

    وفي اليوم نفسه الذي قتل فيه سعود، قتل القاتل بيد أحد عبيد سعود بن رشيد فتولى الإمارة ابن أخي سعود عبدالله بن متعب بن عبدالعزيز، وحاول تجديد الصلح مع السلطان عبدالعزيز فاشترط أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرفض شرطه وأعلنت الحرب، فسير السلطان عبدالعزيز جيشًا إلى حائل مكونًا من حوالي عشرة آلاف مقاتل وعهد إلى أخيه الأمير محمد بن عبدالرحمن حصارها، ووكّل إلى ابنه الأمير سعود مهاجمة شمّر، ورابط هو في القصيم ليكون قريبًا من موقع الأحداث، فجاءه وفد من حائل بقبول ما اشترطه في العام الماضي من أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرد عليهم السلطان عبدالعزيز بعدم قبوله ذلك، وأن عليهم أن يدخلوا فيما دخل فيه أهالي نجد، ليريحوه ويريحوا انفسهم من ويلات الحروب، وشروطه الآن أن يسلموا إليه شوكة الحرب وآل رشيد، وعند هذا (يكون لكم مالنا وعليكم ما علينا) وبعد أن عاد الوفد إلى حائل رفضت الشروط وشدد الحصار الذي قاده الأمير سعود مدة شهرين.

    في هذه الأثناء وصل إلى حائل محمد بن طلال بن عبدالله آل رشيد قادمًا من الجوف، ففر أمير حائل عبدالله ابن متعب بن عبدالعزيز آل رشيد من وجهه والتجأ إلى الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود ففك الحصار عن حائل وعاد بأميرها عبدالله بن متعب فتولى إمارة حائل محمد بن طلال وقاد حملة على قرى حائل التي كان أهلها موالين لابن سعود وفتك بهم وفعل بهم قريبًا مما فعله ابن عمه عبدالعزيز المتعب آل رشيد بأهل القصيم بعد وقعة الصريف من البطش والتنكيل، مما اضطر السلطان عبدالعزيز إلى التحرك السريع لحسم الموقف، فأمر قواته القريبة من منطقة حائل بالتوجه فورًا إلى حائل لحصارها حتى يوافيهم هناك، حيث تحرك السلطان عبدالعزيز بالقوات الرئيسية في 11/12/1339هـ، 16/8/1921م، ووصل ساحة المعارك في 4/1/1340، 8/9/1921م بالجثامية، حيث كان ابن طلال في حرب مع القوات الأولى وكادت الهزيمة تحل بها نتيجة خدعة من ابن طلال، فهاجمه الجيش الرئيسي فهزمه وانسحب إلى حصون مدينة حائل، فحاصره فيها الجيش السعودي، وكتب إليهم ابن سعود يقول : (سلموا تسلموا) فاشترطوا بقاء إمرة ابن طلال فرفض ذلك السلطان عبدالعزيز، ولما طال أمد الحصار كتب يقول : (قد طال أمد الحصار وأقبل الشتاء، فليعذرنا الأهالي إذا أنذرناهم، لهم ثلاثة أيام ليسلموا المدينة وعائلة الرشيد، وإلا فنحن إلى غرضنا مسرعون بالرصاص والنار).

    وهذا أحد المواقف الإنسانية التي عرف بها الملك عبدالعزيز، التي تتجلى فيها رأفته وشفقته على من سيصبحون من رعيته، وفي الوقت نفسه برهان على حزمه وعبقريته العسكرية.

    وقد جاءه الجواب بأن الأهالي يتخلون عن ابن طلال وبيت الرشيد وأنهم على استعداد لتسليم الحصون المحيطة بالمدينة إذا جاءتهم قوات ابن سعود، فأرسل السلطان ألفين من رجاله ففتحت لهم الحصون المحيطة بحائل، ثم أمّن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، فخرجوا إليه أفواجًا يبايعونه وهم يشكرون الله.

صفحة 3 من 9 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •