مصر البطلمية
وفد الإسكندر إلى مصر عام 332ق.م. بعد استسلام الوالي الفارسي، ومن ثم ضمت مصر حتى الشلال الأول إلى الدولة المقدونية. زار الإسكندر المعابد المصرية وأخذ يرسي دعائم حكمه ووضع أساس مدينة الإسكندرية عاصمة لمصر وعين ولاة مصريين لحكم الوجهين البحري والقبلي، ثم غادر مصر إلى العراق وفارس والهند مكتسحًا الحاميات الفارسية هناك. إلا أن موته المبكر عام 323ق.م، قاد إلى تقسيم إمبراطوريته على قادة الجيش وكانت مصر من نصيب بطليموس الذي عمل منذ بداية عهده على الاستقلال التام بمصر وتثبيت حكمه فيها وبسط نفوذه على المناطق حولها لتأمين وضعه من أي اعتداءات خارجية. وفي عهد بطليموس الثالث بلغت مصر أوج اتساعها لتمتد من فلسطين إلى برقة ومن قبرص إلى الشلال الأول. وأصبحت لها علاقات تجارية مع شرق إفريقيا. وخاض بطليموس الرابع حربًا مع انطيوخوس ملك سوريا وبابل انهزم فيها انطيوخوس في معركة رفح عام 217ق.م. إلا أن البطالمة سرعان ما فقدوا مستعمراتهم في الشام للرومان بعد أن خرج الرومان منتصرين في الحرب البونية وقضوا على قرطاجنة عام 202ق.م. وفي عهد بطليموس الثامن، وفي بداية القرن الثامن ق.م، كانت دولة البطالمة في مصر قد فقدت أراضيها خارج مصر كما كانت سلطتها الداخلية قد تفككت وتنازع أبناء الأسرة الحاكمة فيما بينهم. وكانت مصر منذ بطليموس الرابع تعيش ثورة داخلية تمركزت حول طيبة بدعم من ملوك كوش في الجنوب.
أجرى البطالمة الكثير من التعديلات على نظم الحكم في مصر فرفعوا الملوك إلى مراتب الآلهة حيث فرضوا عبادتهم، وجمعوا السلطات في أيديهم. وكان نائب الملك هو المسؤول عن الشؤون المالية. وقسموا البلاد إلى ولايات لكل منها حاكم وعليها قائد عسكري يشرف على الأمور العسكرية فيها. كذلك قسموا كل ولاية إلى عدة أقاليم عليها أمراء. أما المدن التي تسكنها أغلبية إغريقية فكانت تحكم بمجالس خاصة بها. وفي بداية عهدهم عملوا على تنمية الموارد الاقتصادية بتطوير الزراعة والصناعة وفرض الضرائب والرسوم الجمركية.
مصر الرومانية
وصلت كليوباترا إلى عرش مصر سنة 51ق.م، وكان الصراع في روما يومها محتدمًا بين بومبي وقيصر، والحرب الأهلية تدق أبواب روما. ساندت كليوباترا بومبي إلا أنه انهزم في ذلك الصراع وفر إلى الإسكندرية فلاحقه قيصر إلى هناك ودخل الإسكندرية. غير أن كليوباترا استطاعت أن تقيم جسرًا من العلاقات الطيبة معه وقتل قيصر. وبمعاونة أنطوني (أنطونيو) صعد أوغسطس إلى السلطة، وتقرب أنطوني، الذي أصبح واليًا على الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية الرومانية من كليوباترا، ثم ما لبثت العلاقة بين أنطونيو وكليوباترا من جهة وأوغسطس من جهة أخرى أن تدهورت، مما قاد أوغسطس إلى الزحف على مصر عام 30ق.م. وانتصر على أنطوني وكليوباترا وأصبحت مصر ولاية رومانية.
غير أن الحقبة الرومانية في مصر حفلت بصراع دموي طويل بين اليهود والإغريق، بعد أن ساند الرومان اليهود وسلبوا الإغريق الكثير من امتيازاتهم السابقة في العصر البطلمي، رغم أن الرومان كانوا ينظرون للحضارة الإغريقية نظرة إعجاب، وأنهم أبقوا اللغة الإغريقية لغة الدولة الرسمية في مصر. ثم ما برحت النصرانية أن أخذت تتسرب من فلسطين إلى مصر وانتشرت وسط الإغريق مما أثار مخاوف الرومان، وقاد إلى اضطهاد الإغريق حتى اعترفت الدولة بالنصرانية في عهد قسطنطين (323 - 337م). وبعد أن فرضت النصرانية في مصر في عهد الإمبراطور ثيودور (379 - 395م)، كان انقسام الكنيسة حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام وظهور المذهبين اليعقوبي والملكاني. قاد هذا الخلاف العقائدي إلى تفتيت المجتمع وتقويض دعائم الاستقرار الروماني في مصر. وفي عام 616م قدم الفرس إلى مصر إلا أن وجودهم فيها لم يدم طويلاً حيث عادت لسيطرة الرومان حتى كان الفتح الإسلامي عام 22هـ، 642م.
لم يعدّل الرومان كثيرًا في النظم الإدارية المصرية، فعينوا حاكمًا على رأس السلطة. وله مساعدون للشؤون المالية والقضائية. ثم قسمت البلاد إلى ثلاث ولايات لكل منها حاكم إقليمي يليه قائد. وقد شهدت فترتهم زيادة في الإنتاج الزراعي واهتمامًا بصرف المياه وتطورًا في الصناعة والتجارة الخارجية. لقد كان أحد أهم أهداف الرومان في مصر هو تنمية واستغلال مواردها، غير أن طبيعة الحكم وما قادت إليه من ثورات وعدم استقرار أدَّى إلى تدهور اقتصادي وقصور في تلك الموارد.
مصر الإسلامية
بعد أن اكتمل للمسلمين فتح بلاد الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في سنة 14هـ، 635م، وأمنوا حكمهم هناك، اتجهت الأنظار إلى مصر بحكم كونها تحت قبضة البيزنطيين الذين يشكلون خطرًا كبيرًا في جنب الدولة الإسلامية الوليدة، إلى جانب أن معظم أهل مصر لم يكونوا على وفاق ديني مع السلطة البيزنطية فضلاً عن استيائهم لفداحة الضرائب المفروضة عليهم وقسوة الحكم.
سار عمرو بن العاص إلى مصر بجيش قوامه أربعة آلاف رجل حيث تم الاستيلاء على العريش ثم واصل طريقه عبر الصحراء إلى النيل وحاصر حصن بابليون واستولى عليه من البيزنطيين عام 22هـ، 642م ثم اتجه إلى الإسكندرية حاضرة مصر آنذاك وبعد حصار تمكن من الاستيلاء عليها. وبذلك دانت مصر للخلافة الإسلامية وعين عمرو بن العاص واليًا عليها.
عاصمة إسلامية جديدة. كان من أوائل مهام النظام الجديد إرساء دعائم دولة جديدة، وبالتالي كان لابد له من بناء حاضرة للدولة؛ لأن الإسكندرية لم تكن تناسب الوضع السياسي الجديد من حيث موقعها. بنى العرب مدينة الفسطاط وأسسوا فيها مسجدًا جامعًا عرف بالمسجد العمري نسبة لعمرو بن العاص، وكان شبيهًا بمركز الدولة الذي تعقد فيه الاجتماعات ويلتقي فيه الوالي بكبار رجال دولته. وقد ارتكز النظام الإداري الجديد على النظم الإسلامية، وكان الوالي الإسلامي يقوم بالمسؤولية المباشرة عن الأمن والخراج والقضاء وإمامة المسلمين. كان الوالي يعين من قبل الخليفة مباشرة. انظر: عمرو بن العاص.
مصر في العصر الأموي. بقيت مصر تابعة للخلافة الأموية على امتداد فترة حكمها. وقد شهدت الفترة تطورًا في مجالات الزراعة والعمارة إلى جانب اتخاذ اللغة العربية لغة رسمية للدولة.
وفي عصر الولاة الأمويين توسعت مدينة الفسطاط، ثم تعرضت المدينة لبعض أعمال التدمير في نهاية العصر الأموي أثناء مطاردة جيوش العباسيين لمروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين سنة 133هـ ،750م. وكان من جراء هذه الأحداث أن خُرب الجانب الشمالي من الفسطاط مما يلي جبل يشكر.
مصر في العصر العباسي. تمت الغلبة للعباسيين على يد صالح بن علي قائد جيوشهم الذي قام بمطاردة مروان ابن محمد آخر الخلفاء الأمويين في مصر، وتمكن من قتله. واستقر صالح بن علي كأول وال في مصر من قبل الخلافة العباسية الجديدة. ولما خلفه الأمير أبوعوف في ولاية مصر شرع سنة 135هـ، 752م في تأسيس مدينة جديدة في الجانب الشمالي من الفسطاط الذي كان قد أصبح فضاءً قفرًا. ونظرًا لأن هذه المدينة أسست لإيواء العسكر العباسيين فقد سميت العسكر.
وشيدت بمدينة العسكر دار للإمارة ظل ينزلها الولاة العباسيون وبنى بها الفضل بن صالح سنة 169هـ، 785م مسجدًا لم يكتب له البقاء. ومما تجدر الإشارة إليه أنه كان يطلق على هذه المدينة اسم مصر، تمامًا كما أطلق على دمشق اسم الشام.
توسعت المدينة الجديدة في عهد الولاة العباسيين حتى اتصلت بالفسطاط وازدهرت البلاد في عهد الوالي موسى ابن علي وتعايش المسلمون والأقباط فيها. إلا أن الصراع بين العباسيين والعلويين انعكس على الحياة السياسية والفكرية في مصر خاصة بعد دعوة محمد بن عبدالله المعروف بالمهدي الذي كان داعية إسلاميًا وثائرًا وما صادفت من قبول ونجاح، ثم مواصلة ابنه علي الدعوة من بعده. وفي سنة 210هـ، 825م، اندلعت ثورة في مصر أيام الخليفة المأمون الذي أرسل عبدالله بن طاهر بن الحسين لإخمادها. واستولى الأمير على الفسطاط، ثم عين واليًا على مصر.
وقد وجدت عناصر عربية من جزيرة العرب الفرصة سانحة للنزوح إلى مصر بسبب وفرة فرص العمل بها، فعملوا بالزراعة والتجارة وتربية الإبل. وبمجيء المعتصم وتولية أخواله الترك مقاليد الأمور في الدولة العباسية تولى أمر مصر عدد من الولاة الأتراك الذين كانوا يولون نوابهم أحيانًا على أمور الدولة عند غيابهم.
مصر الطولونية. جاء أحمد بن طولون إلى مصر في 254هـ، 868م وكيلاً عن باكباك، صاحب إقطاعها وكان الأخير زوج أم أحمد بن طولون. وكان من عادة أصحاب الإقطاعيات أن يقيموا في عاصمة الخلافة ويرسلوا من ينوب عنهم على ولاياتهم. ولما قتل باكباك آل حُكْم مصر إلى لياركوج، وكان هو الآخر صهر أحمد بن طولون، فأبقاه وكيلاً على حكم مصر. ثم أسندت إليه ولاية الإسكندرية. وما لبث أن استقل بحكم مصر. وتوسعت الدولة الطولونية لتتجاوز حدود مصر إلى الشام وبرقة وتحولت إلى قوة إقليمية. وكانت فترة حكم ابن طولون فترة تأسيس وازدهار حضاري، أرسى فيها إدارة قوية ونظم حكمًا صارمًا كما ازدهرت الحركة الأدبية والفكرية.
وبعد وفاته تولى الأمر بعده ابنه خمارويه دون إذن من مركز الخلافة في بغداد، مما يشير إلى ضعف أو انعدام سلطة المركز على مجريات الأمور في مصر. وحين حاول الخليفة الموفق الاستيلاء على دمشق وإعادتها إلى حظيرة الخلافة العباسية اصطدم بالطولونيين الذين حاربوه وبسطوا سيطرتهم على كل بلاد الشام وأرغموا الخليفة العباسي على عقد صلح يتنازل فيه لهم عن ولاية مصر والشام.
غير أن الدولة الطولونية ضعفت بعد وفاة خمارويه وراود الخلافة في بغداد حلمها القديم في استعادة مصر. وبالفعل تم لهم ذلك بعد أن قتل هارون بن خمارويه الذي خلف والده. إلاّ أن ضعف الخلفاء في مركز الخلافة والصراعات المتصلة بين الولاة في مصر جعلها محل أطماع الفاطميين الذين كانوا قد أسسوا دولة في شمالي إفريقيا في 269هـ، 882. غير أن الأمور سارت على نحو آخر.
مصر الإخشيدية. كان أحد أبناء الإخشيديين، ملوك فرغانة، واسمه محمد بن طغج واليًا على طبرية من قبل تكين والي الشام ومصر. ثم ما لبث أن تولى محمد بأمر الخليفة العباسي أمر مصر سنة 323هـ، 934م. إلا أنه سرعان ما تمرد على الخليفة واستقل بمصر واستولى على الحجاز وضم إليه أجزاء من الشام التي كانت الأجزاء الأخرى منها تحت قبضة الحمدانيين. بعدها عقد صلحًا مع الخليفة العباسي المتقي بالله تولى على أثره ولاية مصر والشام. وقبيل وفاته عام 334هـ، 946م كلف أحد أتباعه ويدعى كافورًا، بالوصاية على ابنه القاصر. وبقي كافور الحاكم الفعلي لمصر، واستطاع أن يقضي على تمرد داخلي وحارب سيف الدولة الحمداني الذي حاول غزو مصر. كما صدّ كافور محاولة للفاطميين في أيام المعز لدين الله. كان كافور رجل دولة من الطراز الأول، أقام نهضة عمرانية كبيرة ونمت موارد البلاد التجارية والزراعية في عهده.
توفي كافور سنة 357هـ، 967م فضعف شأن الحكم من بعده، ووجد الفاطميون الذين كانت أعينهم دائمًا على مصر الفرصة سانحة للهجوم عليها، خاصة ومركز الخلافة في بغداد مشغول بغارات البيزنطيين. وفي السنة التالية لموت كافور (358هـ، 969م) غزا جوهر الصقلي مصر على رأس جيش فاطمي واستولى على الإسكندرية وسلمت له الفسطاط دون مقاومة.