ذُكِرَ أنَّ إبراهيم بن المهديّ دخل على المأمون وعنده جماعة يتكلّمون في الفقه ، فقال: يا عمَّ ما عندك فيما يقول هؤلاء :فقال : يا أميرَ المؤمنين شغلونا في الصَّغر واشتغلنا في الكِبر ، فقال : لِمَ لا تتعلَّمه اليوم ؟!! قال : أَوْ يحسُنُ بمثلي طلبُ العلم ؟!! قال : نعم ، والله لأن تموتَ طالبا للعلم خيرٌ من أن تعيش قانعا بالجهل ، قال : وإلى متى يَحْسُنُ بي طلب العلم ؟!! قال : ما حسُنتْ بك الحياة ، ولأنَّ الصَّغيرَ أعذرُ وإن لم يكن في الجهل عذُر لأنَّه لم تَطُلْ به مُدَّةُ التَّفريط ولا استمرَّت عليه أيَّام الإهمال. وقيلَ في منثورِ الحِكم : جهلُ الصَّغيرِ معذورٌ ، وعلمُهُ محقورٌ ، فأمَّا الكبيرُ فالجهلُ به أقبحُ ، ونقصهُ عليهِ أفضحُ ؛ لأنَّ عُلُوَّ السَّنَّ إذا لم يكسبهُ فضلًا ولم يُفِده عِلما وكانت أيَّامه في الجهلِ ماضيةً ، ومِن الفضلِ خاليةً ، كانَ الصَّغيرُ أفضلَ منه ؛ لأنَّ الرَّجاءَ له أكثرُ ، والأملَ فيهِ أظهرُ ، وحسبُكَ نقصًا في رجلٍ يكونُ الصَّغيرُ المساوي له في الجهلِ أفضلَ منه.
- من كتاب ( أدب الدين والدنيا ) لـ أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي ، الشهير بالماوردي ( المتوفى: 450هـ*)