تحويل الاهتمام/الارتكاز>>Paradigm Shift
ان النمط الاعتيادي لاغلبنا-ان لم نكن كلنا- عند محاولة تحديد "الجميل"؛ الذي اما اننا نسعى لبلوغه او امتلاكه (او التشارك معه)..
هو اننا نفكر في الصفة او الامر الذي يكون فيها او بالاتصاف بها
محفز إيجابي/جاذب لاحدى حواسنا.
و حيث ان كافة الآثار التي تصدت لموضوع "الجمال" ركزت بشكل شبه انفرادي على ما يجذب العين/ البصر،
و التي يُدعى انها مفتاح القلب! و ان كانت القلوب تطلب "الجميل" ؛ و بالتالي فان العين لو اتفقنا-جدلا- انها مفتاح القلب..
الا ان الأثر الاعمق و الاصدق لل"جمال" هو ما اثر على الروح و حرك تفاعلها بها!!
لقد كتبت بتكرار و منذ البداية ان ما اسعى له
هو "معيار" جمالي يمكن الاتفاق عليه من قبل طيف عريض من البشر
حتى من حرم حاسة النظر!! و ربما السمع و الكلام!!
عليه، فالمقياس الذي توصلت اليه و ادعوا له
هو مقياس عكسي لاكتشاف هذا "الموطن"..
أي أنني اسعى لاثبات ما ارمي له..ليس بالاستدلال عليه –فقط- من حيث جاذبيته و تأثيره عند حضور هذا "الموطن" و وجوده..
بل انني ادعي ان الموطن الذي يمكن الاتفاق عليه..اصدق دليل عليه هو وجود ضده!
و كما سبق ان اسلفنا في ثنايا الحوار ههنا،
فان الاختلاف بين الناس حاضر و طاغٍ حول كافة المقاييس و المعايير او "المواطن" الدارجة للجمال
سواء بوجود او الاتصاف بتلك المعايير او بعضها او حتى يمكن الجدال حول إمكانية تحقق صفة "الجمال" عند عدم وجودها او بوجود ما يضادها!
فلنأخذ مثلا "بياض البشرة"!
ففي الغالب الاعم انه مقياس "رئيسي" عند كثيرين للجمال...بيضهم و سمرهم..
و قد طغى عند البعض- ليس بالقليل- على ان هذا المعيار هو المعيار "الرئيسي" للجمال..
و هذا امر خاطئ و يمكن تفنيده ..
بكل سهولة -أولا- بانه معيار لاقيمة له عند من لا "يبصر" !!
و التفنيد الاخر، انه من قال بان انعدامه..او حضور الصفة المعاكسة له
تدل على عدم جمال..او لو بالغنا بالوصف..بانها دليل "قبح"!
لا اجد مجالا للجدال او داعيا للاستدلال..ان هذا المقياس لوحده يصعب على ارض الواقع ان يصمد
كمعيار "جمال" به من الجاذبية ما يُعجز المرء عن ان يفنده..بل انه و بما لا يمكن الجدال حوله
يوجد من عندهم هذه الصفة و لكنهم لايصمدون بتاتا عند مقارنة جمالهم بجمال "النقيض" لهم..سُمُر البشرة!!
و على ذلك، فلنبتعد –الى حين- عن هذه الأرض شديدة الوعورة عند الكلام
عن جمال البشر و صفات الجمال عندهم...وانا ادع مجالا لمخيلة كل قارئ ليضع أيا من المقاييس
المتعارف عليها ضد نقيضه، ليكتشف انه لا يمكن لأي منها ان يقف صامدا في وجه كل صفة "نقيضة" له
ليكون هو المعيار "للجمال" و الصفة المضادة له..هي معيار "القبح" والدمامة و النفور!
(الطول و القصر...السمنة والنحافة..لون الشعر..امتلاء اواكتناز هذا العضو في الجسد او نقيصه...الخ الخ)
لنقف قليلا عند مخلوقات أخرى..قد تقربني و اياكم لما اسعى لاثباته!
عند الكلام عن الخيول تحديدا، لا يمكن ان نجد اجماعا شبه تام بيننا نحن البشر..
على ان هذه المخلوقات تدل على الجمال..بمجرد ذكرها
و ان اختلفت المستويات بين افرادها..
و لكن..على النقيض، و الذي هو "عنصر" الحمير – اجلكم الله
هل يمكن ان يوجد اجماع على ان نقيض الخيول هو علامة للقبح و الدمامة و النفور
للأفئدة والارواح و العيون و لكافة الحواس((باستثناء الصوت الذي هو ثابت له القبح بالوحي الالهي))!
هل سيكفينا ان نرى احدى قمم الجمال عند النظر الى الحُمُر الوحشية
التي فيها من الابداع الجمالي لألوان جلودها..ما لا يخفى و لا يجادل حووله..
و ان اردنا السير اكثر فمن الممكن الحديث عن الجمال في قوائمها و شيئا من تفاصيل جسمها-ربما عدى شكل الرأس -
ما لا يمكن ان يوضع في خانة النقيض التي تعاكس تماما جمال الخيول..
نعم قد تكون اقل جمالا(و ليس على الاطلاق) و لكن لا يمكن ان يأتي احد ليقول انها الدمامة والقبح، او انها (لانها حمير) ..معدومة الجمال!
لنقترب اكثر، و نحن نزحف نحو الصفة "الذميمة" التي تناقض تماما و بالاجماع
"موطن الجمال" الذي ادعي انه امر يمكننا الاتفاق عليه...ليس بالاتفاق على جمال ذلك الموطن فحسب..
بل أولا بالاتفاق المطلق على دمامة و قبح كل من اتصف او تلبس او توشح بما هو عكس
لذلك الموطن!
قبل البوح به..ادع كل من يقرأ ان يفتح جيدا مخيلته..اكنت أيها القارئ
مبصرا..سليم السمع و النطق..
ام كنت ممن قدر المولى عليه الله بانعدام أي من هذه الحواس..
ليتخيل معي-للتقريب كما اتفقنا- ايهما اجمل عنده و ايهمااكثر نفورا في نظره و مخيلته او حتى بمجرد
قراءة اسمه...
القنفذ!! (بالخليجي الدعَلَي)
الذي هو عبارة عن مخلوق كككرة من الشوك..
ام ان الأقرب لنفسه هو الحيوان ذو الفرو الأسود و الأبيض
المسمى بال"ضربان"..
اعرفتموه ام لا..نعم نعم..
الحيوان الذي رغم كل ما به من جمال "صوري" لفروهِ و شكل جسمه..
الا ان صفة واحدة فيه..لا غير
هي الكفيلة بجلعه منبوذا مكروها مقرفا عند مقارنة بأي نظير من الحيوانات الأخرى!!
أعرفتم الان "موطن" الجمال الذي اعنيه!
انها "طيب الرائحة"!
هي الصفة التي يمكن لكل انسان ان يكتسيها..
و هي الصفة التي ان عدمت..يحق لاي انسان ان ينفر و ربما عيب و يكره القرب ممن
تعمد افتقادها او اهمالها ..و بالتالي الاتصاف بنقيضها..
بل هي الصفة التي ان امعنتم بها..و استحضرتم ذاكرتكم و معارفكم الاخرى..
التي لم يكتفي شرعنا الحنيف بالحث عليها..
بل ان التفاصيل التشريعية فيها...جعلت الرائحة الكريهة
مدعاة ليس فقط للسماح بمن تلك سمته" لعدم حضور صلاة الجماعة..
بل ان في الاثار روايات قالت "بطرد" كريه الرائحة من المساجد
لان هذه صفةٌ تؤذي اهل المسجد من بشر و "ملائكة"!
Paradigm shift
هنا يكمن لمن تأمل معي منذ بداية الطرح الى تغيير وجهة التركيز او البرادايم شفت الذي
اطلبه و انشده عند التحدث عن "موطن" للجمال..
اتفقنا ان كافة الشروط و المقاييس الأخرى معرضة للقبول و الرفض..
و التأييد و الاعراض ..وانه يصعب إيجاد اجماع على اتخاذها صفات جمال موحدة و بمعايير محددة
لدى كل الناس والاجناس..
و من هذا المنطلق..دحرجت هذا النقاش في مسعى
لايجاد أرضية مشتركة..تجعل المختلفين يقفون بداية عليها
لكي يسهل فك الارتباط عند الاختلاف..
و لما ان كان الاتفاق العام صعب و ربما مستحيل..
عند محاولة تفضيل الرائحة الزكية و تحديد اي الروائح و الاطياب الارقى و الاجمل و الاحلى و الازكى..
انتقلت بالتركيز بمبدأ ال Paradigm Shift من البحث عن الصفة الجاذبة
الى التركيز على الصفة المناقضة لموطن الجمال "هذا"..
فلا يمكن التصديق بان هنالك شخص طبيعي..من البشر..و حتى غالب الكائنات الحية
من يمكن ان يجادل على بغض و قبح و دمامة صفة "الرائحة الكريهة" والاتفاق على انها
من الصفات المنفرة..و التي هي اذا بعكس الجمال الذي هو صفة جاذبة..
عليه..استدللت بعد عمق تفكر في هذا الشأن..
و بعد ان قلبت الفكر والبصر في التخبط الشديد الذي نعيشه
و هو ما اسهبنا في وصفه حول اضطراب البشر عند الحديث عن الجمال..
و قد أدى ذلك الى الكثير من التشوهات في السلوك والنفوس و حتى المظاهر..
بينما..فإن التدقيق و الاستبصار و الحكمة والتعقل..
تجعل من الممكن تدريب النفوس و إعادة توعيتها
على ان مصدر الجمال الذي هو مسعى لنفوسنا و محرك للكثير من مكامن ارواحنا وافئدتنا..
بل انه مؤثر عند بعض العلماء على مستوى الذكاء..
ما هو الا "طيب الرائحة"
فالعنصر القبيح الذي لابد انه منفر لنا و مزعج لأرواحنا ..
هو المصدر الذي يدخل علينا..لا عبر ابصارنا و افواهنا و آذاننا..
بل ان العنصر الذي يغزونا...بقوة..عند ولوجه "لداخلنا" من خلال انوفنا..
*
*
،،
و عذرا على التأخر و طول الشرح أعلاه..
اذكركم مجددا..انا اجد انه
من "المعضلات شرح الواضحات"
و قد اعود-لاحقا- لمزيد من الاتمام ان تطلب الامر