\"الأرملة\"
هناك شريحة غالية على قلوبنا، بل وبكل صراحة منسية في مجتمعنا, قليل جداً الحديث عنها وإليها, لكن هذا واقعنا ودعونا نتكلم، وبكل صراحة عن مشاكلنا وقضايانا بوضوح وبدون مجاملة، هي فئة غالية على قلوبنا نعم!! نتحدث, نتكلم, نتحاور, نتناقش, نعم!! لكن تبقى فئة الأرامل والثكالى اللاتي فقدن العائل والمساعد لهن، تبقى في الحياة منسية جداً, اسمحوا لي أن أقول لكم عن هذه الفئة الغالية على قلوبنا، ماذا قدمنا لها؟ ماذا فعلنا لها؟ هناك عدد كبير من النساء الأرامل اللواتي يصارعن الحياة بشدتها, بل إن أشد وأقوى الرجال ما استطاع أن يتحمل وهو يعمل, ويكد, ويتعب, وربما تكون النفقة قليلة لكن في المقابل المرأة ماذا تفعل؟ عندها أطفال صغار وأولاد تتمنى أن تصرف عليهم ..
هذه الأخت أسمت نفسها نورة تحدثت عن معاناتها وتقول: نحن منسيات في المجتمع - بل حتى وصفت نفسها أنها في المجتمع مظلومة - تقول إلى برنامج بيوت مطمئنة..
كم نحن منسيات!! ومن المجتمع مظلومات.. وفي بيوتنا لوحدنا متعففات.. قلوبنا مكسورة, مشاعرنا مجروحة, نتكبد المشقة في صراعات الحياة..
أنا أم لأيتام فهل عرفتموني ..؟؟
كم كنت أتمنى أن أسمع خطيب جمعة يتحدث عني، أو داعية!!
أنا مستمعة لإذاعة القرآن الكريم بشكل مستمر، لم أسمع يوما من الأيام حديثا أو موعظة عن أم الأيتام ..
تحدثت عن قصتها وكان أبرز ما ذكرت: أن عمرها تسعة وعشرون عاماً توفي زوجها في حادث سيارة, وترك لها أربعة بنات تقول: حاولت مع الأعمام أن يهتموا بالبنات الصغار؛ لأنهن يبقين يحملن اسم العائلة كان رد أحدهم أن يتزوجني أو أن يتركني أنا وبناتي، تقول: أنا لا أحب أن أتزوج بعد زوجي, الشاهد في الموضوع تقول: ضاقت بي الأرض حتى انتهت العدة التي كانت أربعة أشهر وعشرة أيام, لم أعد أملك لو ريالاً واحداً, وخاصة إن حالة أهلها المادية سيئة جداً, تقول لم أعد أعرف إلى أين سنذهب؟ وإلى من؟
في يوم من الأيام و في ليلة من الليالي، كانت الساعة العاشرة من الليل تقول الأخت نورة أم الأيتام: جمعت البنات وذهبت إلى جدهم في بيته, كان هذا الجد عمره ثمنين سنة, كان كفيف البصر, تقول أخبرته بالقصة, ووضحت له حقيقة وضعي ومأساتي التي أعيشها - وهذا مع الأسف مشاهد في مجتمعنا كثيرا، من اللواتي توفي أزواجهن يُنسين من الأعمام, من الآباء, من الأجداد, مع الأسف الشديد - تقول: كنت أقص على جد البنات معاناتي وكيف لا ترحمون هؤلاء البنات الصغار, تقول: بكى أمامي وأمام بناته, ومد يديه يناديهم فلانة فلانة, ثم أخذهم وقبلهم وحضنهم سبحان الله, وقال: أبشري يانورة لن يكون إلا الخير, ثم أدخل بيده في حقيبته، وكانت بجانبه، وأخرج منها مبلغا ووضعه في يدي, وكان خمسة عشر ألف ريال، وطلب مني أن أعود للبيت مع السائق، ولا يعلم أحد كان من كان حتى إخوان زوجي، تقول: بعد أسبوع اشترى لنا هذا الجد بيتاً وكتبه باسم البنات الصغار, وكتب لهن محل تموينات، وأربع شقق مؤجرة بــ مئتي ألف ريال سنوياً, ثم بعد عشرة أيام, علم إخوان زوجي بما فعله الجد, وغضب الأعمام وأتوا عند الوالد الذي هو جد البنات, وقالوا: كيف تفعل ذلك مع زوجة أخينا ؟
فما كان من هذا الجد إلا أن جاءها مرة ثانية, وقال لها: أنه جاءني أولادي وقالوا ما قالوا, وأنا خائف عليك فأنصحك بنصيحة, قالت: ماذا تريد مني؟ قال: أن تتزوجي فلان, رجل طيب, وملتزم, ويحفظك وأنا أزكيه، قالت: الزواج أنا لا أريده, قال: يا بنيتي الزواج أستر لك، ولعله يأتيك ولد يكون سنداً لأخواته، تقول: الأخت لما سمعت كلام هذا الجد وهو يتكلم بحرقة, وقال: لها يا بنيتي كلها أيام وأموت, وأريد أن أطمئن عليك وعلى أحفادي, وتقول: أنها تزوجت وقضت أجمل أيام حياتها بعد وفاة زوجها الأول, ثم ختمت رسالتها بقولها: أرجوكم لا تنسونا نحن أمهات الأيتام, فنحن محتاجين للزوج مثل أي امرأة, ونرجو من أهلنا وأعمام أولادنا أن يتفهموا ذلك, وأن لا يحرموننا الزواج بحجة تربية الأولاد, وإدخال رجل غريب على بيت أخيهم المتوفى, أرجوكم اهتموا بنا نحن الأرامل وأمهات الأيتام ..
قصة مبكية, وحادثة مؤسفة, عاشتها أختنا الكريمة, صحيح أنها أبدعت في عرض قصتها ومعاناتها, واسمحوا لي وبكل صراحة لما سمعنا هذه القصة، لماذا الأرملة في مجتمعنا يحرم عليها الزواج ؟! لماذا لو تزوجت فإن أهل أولادها سيأخذون منها أولادها؟! بل هناك حالات لأرامل لما تزوجن حرمن من أولادهن، بل حتى من الميراث، وربما مورس عليهم الضغوطات للتنازل, وتقديم الاعتذار مع أنها صاحبة حق ؟؟
رأيتم في هذه الرسالة كيف غاب عنها إخوان زوجها المتوفى بل هددوها بما لا تحمد عقباه إن تزوجت غيرهم، بل لو تقدمت بطلب شيء من حقوقها سيكون هناك نتيجة سيئة جداً..
في مرة من المرات اتصلت بي امرأة أرملة طردوها أهل زوجها من شقتها؛ لأنها كانت تريد الزواج, فسكنت أين يا إخوان!؟ سكنت في ملحق في السطح هي وصغارها, حتى منّ الله عليها بزوج طيب تزوجها, وستر عليها, وربى صغارها..
ألهذه الدرجة تحارب الأرملة حين تريد الزواج؟ أليس حقا لها أن تتزوج وأن يبقى معها أولادها؟ لكن هي الدنيا وهي دول, وللظالم لحظة ويوما سيندم، ولآت حين مندم, فدعوة لكل من ظلم زوجة أخيه الأيتام أو أيتامه, أن يتق الله قبل فوات الأوان, وأن يعيد الحقوق إلى أهلها, فالحياة سلف ودين كما يقال, ولن يضيع الله دعوة رفعتها أرملة مسكينة, أو ثكلى لله عز وجل وهي من لا حيلة لها ولا قوة ..
قال تعالى: ﴿ ولاتَحسَبنّ الله غافلًا عّما يعملُ الظالمون إنّما يُؤخِّرُهُم ليومٍ تشخصُ فِيهِ الأبصارُ * مُهطِعِينَ مُقنِعِي رُءُوسِهِم لَايَرتدُّ إِليهمِ طرفُهُم وأفِئدتُهُم هوآءٌ﴾ ..
*
*
،،
القصة منقولة >>>المصدر كتاب عنوانه/ بيوت مطمئنة
للسعودي د. عادل العبدالجبار
(كان يقدم برنامجا بذات العنوان عبر اذاعة القران الكريم من الرياض)