بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن كثيراً من الناس يصعب على نفسه أن يقول أخطأت،
فيثقل لسانه إذا جاء ينطق بها،وكأنه يرى في نفسه العصمة، وكذلك يصعب عليه جداً أن يقول عن شيخه أو أستاذه أو إمامه أخطأ بل قد نجد كثيراً من الناس من يصعب عليه أن يقول له أحد كلمة أخطأت أو أخطأ أستاذك أو إمامك،
هل يعقل أن شخصاً ما يتكلم ويقرر ويكتب ويصنِّف منذ عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة ما أخطأ في حياته قط،حتماً لا يُعقل هذا، ولو كان أحد لا يخطئ في كلامه لكان كلامه وكلام الوحي سواء والله تعالى يقولï´؟لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍï´¾ فصلت،
ويقول جل وعلا في حق نبيه صلى الله عليه وسلمï´؟وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىï´¾النجم،
والمفهوم من هذه الآيات أنّ كل كلامٍ غير الوحي يعتريه النقص والتناقض والباطل،
ألسنا بشراً من بني آدم،إذن ما الذي يخرجنا من عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم(كل ابن آدم خطاء)صحيح الترمذي،وصححه للألباني،عن أنس بن مالك،
ألسنا من عباد الله،إذاً فما الذي أخرجنا من عموم قول الله تعالى في الحديث القدسي(يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار)رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري،
لو كنا لا نخطئ لماذا شرع لنا أن نقول في دعائنا(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)رواه مسلم ،عن أبي هريرة رضي الله عنه،
وقال الله تعالىï´؟وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِï´¾
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ)صححه والألباني،
اعلم ليس عيباً أن تخطئ لكن العيب أن تكابر وتصر على خطئك وتبرر جميع أقوالك وأفعالك كما هو حال كثير من الناس،
وفي قصة موسى عليه السلام مع فرعون،فوائد عظيمة،قال تعالى ï´؟ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ،قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ،قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ،وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ،وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ï´¾وكان موسى عليه السلام قد قتل رجلاً من قوم فرعون خطأ
قال تعالى(قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ،فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ،أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ï´¾ والقصة مختصرة في هذا الموضع، والسياق يدل على موسى وهارون عليهما السلام أتيا فرعون وقالا له ما أمرهما الله تعالى به فردَّ فرعون بثلاث إجابات،
(الأولى)ذكر منَّته على موسى عليه السلام بقولهï´؟قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ï´¾
(الثانية) عيَّره بذنبه وهو قتله للفرعوني فقالï´؟ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ ï´¾
و(الثالثة) سبّه وشتمه فقال ï´؟ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ï´¾ثمَّ ما كان من موسى عليه السلام إلا الاعتراف والإقرار بالخطأ الذي ارتكبه من غير مكابرة ولا مراوغة ولا تبريرات فقالï´؟قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ،فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ï´¾ فيا ليتنا نتعلم هذا الخلق العظيم من هذا النبي الكريم عليه من الله أتم التسليم،
ثم بعد ذلك نفى عن نفسه ما شتمه به وبين بأنه ليس بكافرï´؟فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ï´¾
وتأمل لم يقل له،بل أنت الكافر وأنت الكذاب وأنت وأنت وأنت، كلا بل اكتفى بأن قال إن الله بكرمه وفضله ورحمته وهبني حكماً واصطفاني نبياً ورسولاً،ثم ذكر له السبب الذي جعل أمه تضعه في تابوت وتقذفه في اليمِّ (أي البحر)فالتقطه آل فرعون وهو وليد رضيع فربوه في بيتهم،فقالï´؟ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ï´¾أي بسبب قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل رمته أمه خوفاً عليه فالتقطه آل فرعون وتربى عليه السلام في بيتهم،
بعد ذلك سأل فرعون سؤالاً استنكارياً ï´؟قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ï´¾فأجابه موسى عليه السلام بدعوة التوحيد فقال ï´؟ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ï´¾ فسخر به فرعون واستهزأ به فـ ï´؟قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ï´¾ لم يلتفت موسى عليه السلام إلى استهزائه وسخريته بل استمر بدعوة التوحيد فـ ï´؟ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ï´¾فلجأ فرعون،كعادة من لا حجة له،إلى أسلوب السبِّ والشتم فـï´؟قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌï´¾
استمر موسى عليه السلام في دعوة التوحيد ولم يشتغل بالرد على الشتائم ولم ينتقم لنفسه، ففي انشغاله بالتوحيد والدعوة إليه ما هو أهم من ذلك فـ ï´؟قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ï´¾فلجأ فرعون إلى أسلوب التهديد والوعيد،فـ ï´؟ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ï´¾إلى آخر ما قصَّه الله علينا في كتابه،
واعلم أن من لا يقر بأخطائه إذا نُبه عليها فإنه يحرم نفسه من نصيحة الناصحين، فكلما لاحظوا عليه خطأ سيعرضون عنه لأنه لا يقر بخطئه ولو كان خطأه واضحاً كالشمس،
إن من كمال الديانة ورجاحة العقل أن تتجنب الكبر والإعجاب وتتواضع للحق وتقبل النصيحة ولله دره من قال( رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي )
اليوم قلما من نجد من الإخوان من يكون مخلصاً في نصحه، صريحاً بعيداً عن المداهنة،متجنباً للحسد والانتقام للنفس والانتصار للرأي، يخبر بالعيب لا يزيد ولا ينقص،
وليس له أغراض حزبية ولا هوى يرى من خلاله عيباً ما ليس بعيب، أو يقلب الحسنات سيئات أو يخفيها، فعزَّ الناصح والمنصوح،
ولو نبهك أخوك على نجاسة في نعلك لكان من اللائق بك أن تشكره وتدعو له بل وتكافأه،فما بالك إذا نبهك أخوك على فساد في عقيدتك أو ضلال في منهجك أو انحراف في سلوكك وخلقك، تغضب ولا تقبل نصيحته،أليس هذا الناصح أولى بالشكر والدعاء،لماذا نواجه من يبين لنا عيوبنا بالسب والتشهير والوعيد،
لماذا،لأننا لم نعتد على كلمة(أخطأت)
لقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم،أن نقول في صلاتنا(اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً،ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت،فاغفر لي مغفرة من عندك،وارحمني،إنك أنت الغفور الرحيم)رواه البخاري،
وعلمنا أن يقول أحدنا،وأبوءُ لَكَ بذنبي فاغفِر لي،فإنه لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنت)رواه البخاري عن شداد بن أوس،


اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وارزقنا قبول النصيحة واتباع الحق والقول السديد وارزقنا هداية لا تنقطع،واجعلنا هداة مهدين,وجنبنا الزلل في القول والعمل،وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن،
اللهم آميــــن.