جرافيك يوضح أضرار السويكة ونسب التعاطي
بوابة الشرق - محمد زهران:
غادرت صالة التحرير تاركاً أوراقي وأقلامي لأتقمص شخصية مدمن سويكة، يدور بين حارات وأزقة الغانم العتيق الضيقة والمظلمة، لم يكن النزول بهدف خوض المغامرة فحسب بل من أجل معرفة ما يدور في هذا العالم الخفي تحت سواد الليل الدامس ورائحة المجاري التي تعلن سيطرتها على الأجواء،
لحى وسراويل فضفاضة ودهاليز مظلمة
يتمركز بائعوها بين خبايا النجمة وما يجاورها من مناطق ليتاجروا في تخفٍ، ناهيك عن شبكات المصنعين الذين تتسارع خطاهم تحت سلالم العمارات حفاظاً على سرية عملهم، كل تلك المظاهر ربما تكون مألوفة لدى كثير من الناس، ولكن الغريب والجديد هذه المرة أن تُجارها طوروا خدماتهم من أجل راحة الزبون الذي يجري اتصالاً هاتفياً قصيراً يحدد خلاله كمية السويكة التي يحتاجها ليستجيب البائع على الفور ويقدم له خدمة خمس نجوم وهي توصيل السويكة لباب البيت أينما كان.
تحقيقات "بوابة الشرق" ترصد لكم رحلة الترويج عن قرب بداية من مرحلة تخزينها تحت السلالم وفي صناديق الشاحنات الصغيرة "النصف نقل" وصولاً إلى فم الزبون.
مكالمة هاتفية
رن هاتفه المتهالك والمربوط بقطعة مطاطية من الوسط فجأة، ليقطع علينا حديثنا حول كمية السويكة ومبلغها المستحق، تركني أتحدث مع نفسي وكأن خبراً مهماً سيتلقاه خلال تلك المكالمة الهاتفية، رفع ( أ.ع.الدين) ثوبه التقليدي الذي يدل على جنسيته وقال بابتسامة خفيفة وصوت عال وكأنه ينادي على شخص ما في كوكب مجاور"ألو هلا" لم أسمع خلال المكالمة سوى كلمة إن شاء الله وكأنه يتلقى أوامر وتعليمات.
جرافيك يوضح أضرار السويكة ونسب التعاطي
أنهى المكالمة بجملة عربية ركيكة صعبة الفهم "أنا بُكره وقف عند محطة مال لاند مارك ساعة 8 " ومع شعوري بقرب انتهاء المكالمة أسرعت في ترتيب كلماتي حتى أعرف ما كان يدور خلال تلك المكالمة الغامضة من دون أن ينتابه الشك في أسلوبي ولكنه قبل أن يغلق قال بصوت عال "لا لا مايصير600 شوية" بعدها بات من الواضح أنه اقتنع بالمبلغ وهز رأسه وهو يغلق هاتفه.
لم أستطع أن أسيطر على فضولي وسألته عن فحوى المكالمة الغامضة بصورة مباشرة: ماذا يريد منك هذا الشخص؟ محاولا أن أرسم علامة اللامبالاة على وجهي حتى لا يكتشف أمري فهمت منه بعد إنهاء مكالمته أنه كان يتحدث مع شاب في العقد الثاني يمتلك سيارة فارهة حسب وصف أ.ع.الدين له.
حدد الشاب خلال تلك المكالمة القصيرة كمية السويكة التي يحتاجها ومكان وموعد التسليم واتفق على المبلغ الذي انتهى بعد مشاورات إلى 600 ريال تعجبت كثيراً من المبلغ الذي ينم عن كمية ضخمة من السويكة فالكيس الواحد أو " الشيلة " كما يطلق عليها مدمنوها لا تتجاوز ثلاثة الريالات كما قال لي أحد المدمنين الذين تركوا هذه العادة منذ فترة.
سألته عن مبلغ التوصيل، فقال لي 50 ريالاً سعر المشوار الواحد. فقلت له: وهل أنت على استعداد للذهاب إلى أي مكان في قطر؟ فرد على بكل ثقة حتى ولو كنت تسكن في مدينة الشمال ولكن كلما ابتعدت المسافة زاد السعر.
قال لي أ.ع.الدين عن ذلك الشاب أنه يشتري تلك الكمية الضخمة لأنه مسافر إلى إحدى الدول قريباً ويريد تأمين كمية تكفيه خلال إقامته بالخارج ولا يكون بحاجة إلى التسول من أصدقائه المدمنين هناك .
تعجبت هذه المرة أكثر وقلت باستغراب أليست ممنوعة فكيف يمر بها من المطار مرور الكرام؟ هز البائع رأسه وهو يقول "مافي مشكل".
وبالاعتماد على أحد المصادر الذي سألته عن كيفية مرور السويكة من المطار قال لي إنه سافر عشرات المرات مع أشخاص محملين بكميات كبيرة من السويكة تتجاوز الـ300 كيس ولا أحد يستوقفهم فالأمر على حد وصفه" عادي".
طلاب يتعاطونها داخل الصفوف وأثناء الحصص
داخل وكر السويكة
حددت الساعة السابعة ليلاً لاقتحام العالم السري داخل تخوم شارع الغانم العتيق رأيت عشوائية مفرطة في الحركة توحي بأجواء دخيلة على دوحة النظام والهدوء، وشوارع غارقة في مياه المجاري، وبشرا يسيرون ذهاباً وإياباً بوجوه لا تبتسم شاحبة ومرهقة من دوامة الحياة اليومية، وبحسب تعليمات أحد الأصدقاء أبطأت بسيارتي فور دخول ذلك الشارع الضيق حتى يأتيني أحد المروجين، وبالفعل فور توقفي بدأت مئات العيون تحدق بي بحذر وكأنهم ينتظرون مني أي إشارة تدل على أني مدمن سويكة، توقفت ونظرت إلى أحدهم لمدة لا تتجاوز العشر ثوان جاءني بعدها عند نافذة السيارة لم يتفوه بكلمة واحدة حتى يتأكد أنني فعلاً أحد المدمنين، وبما أن وجهي جديد على المنطقة كانت سمة التعامل بيننا الحذر الشديد قلت له "السلام عليكم مدير كيف حالك" وبعدها طلبت منه أن يحضر لي 10 أكياس سويكة قاطعني وهو يقول "حار ولا بارد" تعجبت ولم أفهم قصده ولكني فهمت فيما بعد أن للسويكة أنواعا فالحار به كمية من الزجاج المطحون أكثر فتجرح اللثة وتتوغل مكونات السويكة أسرع إلى الجسد وبسبب الخدوش والجراثيم تحدث نوعا من الحرقة في اللثة والفم لذلك يطلق عليها "الحار" كان سعر البضاعة 30 ريالا. عقب الاتفاق فاجأني بتلويحة صغيرة وكلمة قصيرة وسريعة تحرك بعدها جيش من المروجين متصلين في طابور من سيارتي وصولاً إلى كرتون قاطن في الظلام بجوار عمارة متهالكة.
إخفاء البضاعة عن سيارة دورية
وبعد شراء السويكة ذات الرائحة النتنة التي تصيبك بغثيان وانقلاب مفاجئ في المعدة ينذر بأنها مصنعة من مواد شبيهة بروث الحيوانات، ألقيت بعدها الكيس على الكرسي المجاور لي في السيارة وتوجهت إلى أحد المساجد المكتظة بالمصلين بالرغم من أن أذان العشاء تبقى على رفعه 10 دقائق إلا إنك تظن أن صلاة العشاء تحولت إلى الجمعة من كثرة الموجودين، جلست على سجادة مفروشة أمام المسجد ورحت أتأمل حركة الشارع ووجوه المروجين وفجأة سمعت صوت أحدهم يصرخ في بداية الشارع وكانت تلك الصرخة السريعة بمثابة تنبيه لدخول سيارة الشرطة تناقلت الألسن الإنذار وتلقتها الآذان على الفور وبدأت عمليات إخفاء الكراتين المتكدسة بالسويكة والكل عاد في غضون لحظات إلى مكانه وكأن شيئاً لم يكن.
لحظة تسليم السويكة
مرت سيارة الشرطة التي كانت بمثابة ملك الموت الذي دخل إلى الشارع وفور خروجها منه عادت عمليات البيع مرة أخرى.
لاحظت سيارة فارهة تقف بجوار أحد المارة في الشارع الذي لاتبدو عليه أية علامات توحي بأنه مروج وفجأة راح يرفع غطاء قماشي من على سيارة نصف نقل حالتها مذرية وأخذ من صندوق السيارة الخلفي ثلاثة أكياس من السويكة وأعطاها صاحب السيارة الفارهة الذي غادر المكان مسرعاً، وعلمت أن هناك مئات السيارات المغطاة تحمل السويكة بداخلها بعد أن تردد عليها عدد كبير من المدمنين.
وقت الأذان
بعد دخول وقت الصلاة وجدت جميع البائعين الذين اكتشفت أمرهم أثناء جلوسي على سجادة المسجد الخارجية ينهون تجارتهم متوجهين إلى المسجد في أعداد كبيرة وقطرات مياه الوضوء تتساقط من وجوههم وأيديهم .
نظرت إلى أولئك المروجين في رحاب المسجد القديم أتفحص وجوههم لعلي أرى في أعينهم نظرة ندم.
ولكن لا شيء هنا يوحي بأن ما يصنعونه يحرك مشاعر الندم أو تأنيب الضمير، إنهم يعملون ويتاجرون وكأن تجارتهم مشروعة لا تقف أمام مصلحة الوطن والمواطنين متغافلين بأن ما يبيعونه هو المرض بعينه، لا شيء سوى المرض تقرحات اللثة والتهابات معوية وتسمم وآلام البطون وسرطان ورائحة فم نتنة تنذر بأن المرض يسكن الأحشاء.
المدارس نقطة استهداف وباب رزق للمروجين
بعد انتهاء الصلاة وقف رجل ملتحٍ بسروال قصير ومظاهر التدين بادية عليه وجسد يسكنه المرض لا تخطئه العين أبداً، وأمام أعين الناس وعلى مرأى من الجميع استخرج من جيبه قطعة من المناديل الورقية المحملة بالسويكة ووضعها تحت شفتيه المجعدتين، كل هذا داخل المسجد وأمام الناس ولم يثر ذلك المشهد استنكار أي من المصلين سوى حديثي العهد بالمسجد أمثالي .
ولعل ذلك المشهد يؤكد أنهم أقوام لا يظنون بأن ما يفعلونه خطأ أو مميت أو حرام إن صح التعبير هم نشأوا على السويكة واتخذوها مصدرا للرزق في أوطاننا.
المدرسة هي البداية وبالأرقام.
"طلابنا في خطر" بتلك الجملة يمكننا البدء في الحديث عن السويكة و طلاب المدارس وخصوصاً الثانوية منها بعد أن رأيتهم بأم عيني داخل الفصول وعلى كراسي الدراسة يتعاطون السويكة، ففي أحد الفصول بإحدى المدارس الثانوية شاهدت اللحظة الفاصلة التي يلتفت فيها الأستاذ إلى اللوحة ليسرع الطالب بإخراج كرة صغيرة من السويكة يضعها تحت شفتيه لم يكتف ذلك الطالب بتلك الحركة فحسب بل كرر السيناريو مرة أخرى ولكن تلك المرة وهو يمررها لزميله، وبنظرة عامة إلى الفصل الدراسي وجدت أربعة أشخاص بشفاه منتفخة بالسويكة وأجساد مرتخية يجلسون في المقاعد الخلفية غير مبالين وربما لا يدرون ماذا يجري داخل تخوم المكان فهذا الرقم بالتأكيد ينذر بالخطر ويثير القلق لو تم قياسه على باقي فصول المدرسة .
طريقة تعبئة السويكة
وبحسب دراسة أعدها مركز التأهيل الاجتماعي ومكتب تحليل السياسات والأبحاث بالمجلس الأعلى للتعليم تفيد بأن نسبة المتعاطين في المدارس الثانوية تصل إلى 17.3% وفي المدارس الإعدادية 12.7% .
وأشارت الأبحاث إلى أن الطلاب القطريين المتعاطين للسويكة يمثلون الغالبية العظمى من فئة البحث البالغ عددها 306 طلاب، فمثلت نسبة القطريين 77.8% مقابل 12.7% للجنسيات الأخرى.
كما أشارت الدراسة إلى أن أعمار المتعاطين تبدأ من 14 عاما وهي سن صغيرة جداً تنذر بوجود خلل يجب معالجته والإسراع في التصدي له.
http://al-sharq.com/news/details/361397#.Vc_fSjYVjIU