بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحلم والأناة
الحلم هو، ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب,والحلم حالة متوسط هما الغضب والبلادة,
قال الجاحظ،الحلم ترك الانتقام عند شدّة الغضب مع القدرة على ذلك،
قوله تعالى(وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)الحـج،
وهذا يفيد أن كمال الحلم يكون مع كمال العلم،
والأناة منها، الحلم والعقل والرزانة والوقار,والتفكير قبل الحكم،في الإقدام على قرار والتبصر والتثبت,وتتفاوت درجات الناس في استجابتهم للمثيرات حولهم، فمنهم من يستثار لأتفه الأسباب فيطيش ويخطئ على عجل،
ومنهم من تستثيره الشدائد فيتعامل معها بعقل وحكمة وأناة، فيخرج من شدتها مأجوراً مشكوراً،
ومع هذا التفاوت فهناك علاقة وثيقة بين ثقة الفرد في نفسه وبين أناته مع الآخرين، وتجاوزه عن خطئهم، فكلما سما دينه وخلقه اتسع صدره، ووسع غيره بعلمه،وعذر من أخطأ، وتسامح مع من سفه عليه،
وقد كانت الأناة والحلم، صفة لازمة للأنبياء، مارسوها مع الناس،ونبهوا على أهميتها في حياة الإنسان،
موقف الرسول صلى الله عليه وسلم،مع الأعرابي الذي قال له،يا رسول اللَّهِ اعدل, فرد الرسول الكريم عليه،فقال(ويلك,ومن يعدل إذا لم أعدل)رواه البخاري،ومسلم،
فقد ثبت ما يدل على أن هناك مواطن لا ينبغي الحلم فيها،وذلك عندما تنتهك حرمات الله, فقد غضب رسول الله،صلى الله عليه وسلم،لله لما أتاه أسامة يستشفعه في شأن المخزومية التي سرقت,فقال(أتشفع في حد من حدود اللَّه)
ثم قام فخطب فقال(يا أيها الناس إنما ضَلَّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) متفق عليه،
فالحلم والأناة صفتان محمودتان عند الله تعالى وهما الأصل في التعامل,
أن النبي،صلى الله عليه وسلم،مدح الحلم وعظّم أمره،فقال لأشج عبد القيس(إِن فيك خصلتين يحبهما اللَه،الحلم والأناة)
إذا كان الحلم من الخصال التي يحبها الله فيحملنا ذلك الشعور على الصبر الجميل والحلم العظيم ونحن نقول بلسان الحال والمقال(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)البقرة،
فهذا نبي الله وخليله إبراهيم،عليه السلام،استحق وصف الحليم(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)هود،
ولقد بعث الله له من ذريته غلاماً حليماً ونبياً كريماً هو إسماعيل عليه السلام(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ)الصافات،
إنها معالم نورانية للسالكين،لينقلوهم من ضيق النفوس إلى سعة القلوب والصدور,
فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم،
والنبي،صلى الله عليه وسلم،خالط الناس في دعوته بالاحتساب والصبر والحلم والأناة ولم يخالطهم بالفظاظة والغلظة والقسوة والغضب, وصدق الله(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)آل عمران،
وحياته،صلى الله عليه وسلم،وسيرته العطرة دليل الصدق على سمو نفسه،عليه الصلاة والسلام،
لقد بلغ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غاية الحِلْم والعفو، والسُّنَّة النَّبويَّة حافلة بمواقف الرَّسول الكريم في الحِلْم، ومِن ذلك،قصَّة الأعرابي الذي جبذ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بردائه جَبْذَةً شديدةً، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال(كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بردٌ نجرانيّ
غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه بردائه جبْذَةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم،قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته، ثمَّ قال،يا محمَّد،مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم،ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء)رواه البخاري،ومسلم،
اعلم أن الحلم أفضل من كظم الغيظ،لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم أي تكلف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتياداً فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب، وهو الحلم الطبيعي، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل، ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفاً،
قال عمر،رضي الله عنه(تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار والحلم, وتواضعوا لمن تتعلمون منه, وليتواضع لكم من يتعلم منكم, ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم)
ويقال ما آتى الله عبداً علماً إلا آتاه معه حلماً وتواضعاً وحسن خلق ورفقاً, فذلك هو العلم النافع،
قال معاوية لابنه،يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظُم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب،
وهكذا فالناس دائماً في حاجة إلى كنف رحيم, وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة, وود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم, إنهم في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية، والعطف والسماحة والود والرضا,
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه،التروي في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة،
اللهم اغننا بالعلم،وزينا بالحلم،وأكرمنا بالتقوى،وجملنا،بالعافية،
ولاتحرمنا ونحن نسألك،ولا تعذبنا ونحن نستغفرك،واجعلنا من الذين،إذا أحسنوا استبشروا،وإذا أساؤوا استغفروا،
اللهم آميــــــن،